جيلاً بعد جيل.. سنحارب
 

رئيس التحرير - صلاح الدكاك

العدو الذي يقود اليوم في حربه على اليمن، تحالفاً كونياً مؤلفاً من 15 دولة بإدارة وتخطيط أمريكيين، وبأحدث تقانة القتل، هو ذاته الذي أطَحْنا بسلطته في 21 أيلول المجيد 2014م، وقوَّضنا منظومة سطوته وجبروته وحواضن أفاعيه ومسوخه، فانكفأ عن صنعاء مذموماً مدحوراً ومثخناً بالهزيمة، ليعاود الاحتشاد في بلاط أربابه في (الرياض)، ويباشر عدواناً واسع النطاق في 26 مارس 2015م، على جغرافيا لم تعد مبولة خلفية لأربابه، ولن تعود.
هو ذاته العدو الذي كان يمسك بزمام صنعاء وتلابيبها، قبل عام ونيف، ويتسول اليوم، بالفبركات، نصراً إعلامياً ضئيلاً قوامه السيطرة على عقبة منيعة من بضعة منعطفات في تخوم صنعاء، اسمها (فرضة نهم)، بعد نحو عام من عدوان كوني شامل، وعاثر استراتيجياً. 
هو ذاته العدو الذي ظل - طيلة أربعة أعوام - يزاول حرفة الذبح بدمٍ بارد، ويكوِّم جثامين الضحايا المتفحمة، ويرص الرؤوس المحزوزة ملتذاً ومفاخراً أمام عدسات الكاميرا، من (مذبحة مستشفى العرضي) في قلب العاصمة صنعاء، إلى (مذابح بدر والحشوش والسبعين)، إلى مذبحة الجنود في (ساحة سيئون بحضرموت)... إلى عشرات المذابح التي يباشر تنفيذها يومياً منذ مارس الفائت، عبر سواطير (الإف 16، والرافال) الجوية، اقتصاصاً لشبق نفسه الوضيعة من بلد لفَظَتْه رمالُهُ كما يلفظ الجسد صديد الخراريج والدمامل، ورَكَلَه شعبُه من سدة هيلمانه المحلي إلى مكب روث طويل العمر بوصفه الرحم الذي تخلَّق فيه مضغة فعلقة فشيخاً فوزيراً فرئيساً للوزراء فرئيساً (للجمولكية) تأخذ بزمامه (نوق الرياض) فينقاد بالضد لآمال ما يسمى شعبه مجازاً.
في فبراير 2011م أطحنا بالقفازات والأقنعة، فتكشفت القبضات والوجوه التي أطحنا بها في 21 أيلول 2014م، لتتكشف هي الأخرى عن المدير التنفيذي الكوني المُشغِّل لها والعاملة بمعيته وبناظم مصالحه غير المشروعة؛ والذي نخوض اليوم حرباً شعبية وطنية ثورية مباشرة معه، وإن تلطَّى خلف لافتة عربية مهلهلة وفاضحة.
عدونا اليوم بات أوهن مما كان عليه بالأمس، لكنه - في الوقت ذاته - بات أكثر عنفاً وتوحشاً وهوساً وهستيرية وجموحاً وجنوحاً للثأر واستماتة في الانتقام، لأنه يخوض حربه الوجودية الأخيرة وصولاً إلى أن يكون فلا نكون، أو أن نكون فلا يكون..
وشعبنا اليوم بقيادته الطليعية، وصموده وصلابتها وحنكته وحكمتها، بات أقوى مما كان عليه بالأمس، لكنه - في الوقت ذاته - بات منوطاً أكثر من ذي قبل، باحتمال أفدح الضرائب من دمه وروحه وماله ومعيشته واستقراره ومكتسباته العامة والخاصة، ثمناً لكمبيالة الحرية الباهظة وصك الاستقلال والانعتاق الناجز، وكدحاً في كنف مخاض الكينونة الكاملة..
شعبنا اليوم بات أكثر ألماً لأنه بات أكثر أملاً..
وإذ يئس العدو من أن يخمد جذوة الأمل المشتعلة في الذات اليمانية التواقة إلى كينونة مستقلة وكريمة هي جديرة بها، فقد لجأ إلى مشاغلتها عن أملها بمغازلة ألمها واستدراجها إلى حضيض الشعور بلا جدوى تضحياتها ومكابرتها ورفضها واستمرار صمودها، انتهاءً بالانتحار ذاتياً في درك الرضوخ والإذعان الذي يُعمِّق العدو هاويته ليضمن ألا نهوض لفريسة تقع فيه من عثرتها.
كنا ندرك فداحة المهر إذ خطبنا الحسناء، وكنا ولا نزال على أهبة الاستعداد لأن ندفعه من الشهقة الأولى للثورة وحتى رمق التضحيات الأخير.. ولا رمق أخير ولا نهاية لشعب يماني أبحر عصامياً جباراً قبل عشرة آلاف عام بالاتجاه المضاد لصلف الطبيعة وضراوة طقوسها وتضاريسها، فروَّض جموحها ولان له قيادها ولا يزال قابضاً على زمامها، مبحراً بكل طموح صوب أكرم الضفاف، غير آبه بالأنواء ولا هيَّاب.
أجل.. كنا ندرك أن طموحاتنا الوطنية والإنسانية المشروعة ستصطدم بالأطماع الامبريالية الفاجرة وغير المشروعة لأمريكا..
كما كنا ندرك أن الثورة على سلطة الوصاية المحلية بالوكالة في (صنعاء)، ستضعنا في مواجهة مباشرة مع سلطة الوصاية الإقليمية بالوكالة في (الرياض)، تطوراً إلى مواجهة مباشرة مع سلطة الوصاية الدولية بالأصالة في (واشنطن) بوصفها مركزاً للهيمنة والأحادية القطبية، وفي كل الأطوار الآنفة كنا المعتدى علينا، ولم نعتدِ على أحد، وكانت جريمتنا في منظور العالم المنافق أننا أردنا -ومازلنا نريد ـ حصتنا غير منقوصة من الحرية والاستقلال، ورفَضْنَا - ومازلنا نرفض - العيش بنصف كرامة في نصف قفص، أنصاف عبيد يقتتلون في ما بينهم كثوار على صحاف حساء يتسولونها من (الرياض) كعابري سبيل، ويحتكمون فيها لطاولة (واشنطن) كخصيان في مقاصير حريم الهيمنة القطبية.
في فبراير 2011م كنا رفضاً، وفي 21 أيلول 2014م كنا رفضاً ووثوباً، وفي 26 مارس 2015م كنا رفضاً ووثوباً وتحليقاً مكابراً أمميَّ الطموح..
وسنمضي رافضين نردد مقولة عبدالناصر الخالدة: (كُتِب علينا القتال، ولن يفرض علينا الاستسلام)، ومقولة سيد الثورة عبدالملك الحوثي: (لن نمنح بلدنا وشعبنا للاحتلال على طبق من ذهب.. وسنحارب.. جيلاً بعد جيل سنحارب..).

أترك تعليقاً

التعليقات