شهيداً.. شهيداً.. شهيداً
 

رئيس التحرير - صلاح الدكاك

إرادة القتال؛ إرادة الحياة الكريمة، الاستعداد للتضحية دون سأم أياً كانت الكلفة ومهما امتد الصراع؛ ثقة مطلقة في عدالة القضية وشرف الموقف وسمو الغاية وحتمية الانتصار..
تلك هي ذخيرة شعبنا في معراجه الوطني المهيب صوب الاستقلال والوجود الإنساني الكامل وغير المثلوم بالوصاية وهوان ارتهان الذات تحت وطأة عوز الحاجة إلى البقاء على قيد الحياة كيفما اتفق..
ذلك هو سلاحنا السرمدي الذي ليس بوسع مجلس الأمن الدولي الحيلولة دون أن نتسلح به، ولا بوسع تحالف قوى الامبريالية والاستكبار التكهن بمناسيبه وأحجامه ومداءاته ومرابض ومخابئ تخزينه.. قرابة عام مضت وأقمار الجاسوسية العملاقة وطائرات الاستطلاع تتشمم ترابنا من أقصاه إلى أقصاه، وتخفق في تقشير طبقات الجغرافيا الكتومة عن صيد ثمين ونوعي تتملق به شبق مقاتلات الإف 16..
قَدَّر العدو جدارة عتاده العسكري مقابل رداءة عتادنا، فاصطدم بجدارة رجالنا مقابل رداءة مسوخه ومرتزقته وجحفله البشري الذي تخلَّق كالدود من محارق مليارات الدولارات، على نقيض مقاتلينا الطالعين كالسنديان من نواة الأرض، يهرسون بأقدامهم الحافية جنازير البرادلي والإبرامز وخرسانات المتاريس والأبراج ومحطات الرقابة، لا تنطوي زواداتهم على غير آمال شعبهم وبضع سكاكر، وأرواح لهابة تتخطى حزون الكفاح وسهوله لتتقد في معارج الاستشهاد فتزداد سماؤنا نجوماً وأقماراً وشموساً ومراوح ضوء أبدية الوجيب.
إلى ذلك، فقد قدَّر العدو عوز شعبنا إلى متطلبات الحياة اليومية في جحيم الحصار، فاصطدم بقابلية بلا منتهى لصموده ومكابرته وتكيُّفه الفذ وزهده الشخصي وغنى أشواقه المتخطية للأنانيات الفردانية، تماهياً في خضم الهم الشعبي العام..
هكذا فإن شظف حياتنا الناجم عن دناءة الحصار وقبح العدوان، يغدو يوماً عن يوم وقوداً شعبياً لمجابهة العدوان وكسر الحصار، عوضاً عن أن يغدو مسوِّغاً موضوعياً للخنوع والانكسار تزلفاً لقوى الهيمنة كما توقَّع تحالف العدوان السعودي الأمريكي، وبينما يغدو فرط القتل اليومي الذي يستهدف الدم اليمني دون فرز وبلا استثناء، دافعاً للمضي في درب الاستشهاد كخيار إنساني وطني ديني واعٍ، إزاء بؤس أن يموت المرء راغماً، حيث يتوخَّى حياةً راغمة، غير متاحة، لا سيما بالنسبة لشريحة من المترددين الذين يحسنون الظن بنوايا العدوان أو يسيئون الظن بمشروعية مجابهته باعتباره عدواناً يطال البلد برمته والشعب جميعاً..
في هذا السياق الزمني من عمر العدوان وبسالة الصمود الشعبي، يطل سيد الثورة السيد عبدالملك الحوثي، لا ليعلق على قرارات مجلس الأمن، ولا ليشيد بقرار البرلمان الأوروبي الأخير..
يطل لا ليتشكَّى جور المجتمع الدولي، ولا ليتوسل شفقته، وإنما ليشد على أيدي شعبه الصابر الصامد، ويستجلي معه وبه طريق النصر والخلاص، في ذكرى يوم الشهيد..
يطل سيد الثورة ليفند ببصيرة المؤمن وجلاء ذهن الحكيم، ملابسات اللحظة الراهنة من عمر الصراع، باستقراء مسار تاريخي مديد، فيطيح بالمنطق المثالي الذي يتوخى أصحابه حياة كريمة لا مكابدة فيها ولا جهاد، ضد من يحول دون أن يحيا البشر كريمين أعزاء.. حياة يعوِّل فيها المستضعفون على ارتداع الجبابرة ذاتياً، دون حاجة إلى ردعهم والتضحية على طريق لجم جبروتهم واستكبارهم.
إن تحالف العدوان السعودي الأمريكي هو أحد أبشع مظاهر الجبروت تاريخياً، وهو يتكئ في تمرير جبروته وقسر شعبنا على النزول عند ما يريده لهم من عبودية وذل، على تقانة حربية هائلة وفتاكة وثروة مالية ينفق منها بلا حساب للوصول إلى غايته الدنيئة من عدوانه علينا.
إزاء ذلك، فإنه لا مناص أمام شعبنا لردع هذا الجبروت وتلافي هوان المصير الذي يريد لنا التحالف الارتكاس فيه، سوى أن نقاتل، وأن نسلك طريق الاستشهاد، وبقدر نضجنا لهذا الخيار وأهليتنا للتضحية في سبيله، يكون النصر وتكون الحياة التي نحن جديرون بها.
إن الشهادة هي - إذن - خيارنا الذي يعادل موضوعياً إصرارنا على الحياة بكرامة.. إنها وعي رفيع بشروط وجودنا الكريم والمتعافي، التي إن انتفى تحققها انتفى وجودنا، ولم تعد للحياة تلك القيمة المقابلة للموت، على النقيض من الشهادة التي تصبح استمراراً كثيفاً للحياة المتوافرة على شروط الرفعة بفعل فدائية الشهيد ورفضه النكوص أمام خشية الموت للحياة كيفما اتفق..
على هذا المنوال من البسط والاستجلاء والتفنيد العلمي لطبيعة الصراع ودور المستضعفين فيه، تكلم سيد الثورة.. كان الشهيد لطف القحوم حاضراً، وكل شهداء القضايا الإنسانية على مر التاريخ كانوا حضوراً نورانياً غامراً في مفردات خطاب السيد عبدالملك الحوثي..
ومجدداً تأكد لنا وللطغاة - على السواء - أن قرآن الله لم يعد درعاً يقي الجبابرة من غضب المقهورين، وإنما عاد دلالة ولفظة، قوةً مطلقةً في صف الشعوب المستضعفة والتواقة للخلاص، وسيفاً محمدياً يقاتل في صفوف القضايا الإنسانية العادلة، ولا يعتدي (إن الله لا يحب المعتدين). هكذا تكلم سيد الثورة.

أترك تعليقاً

التعليقات