البدر وخطاب العرش
 

محمد ناجي أحمدمن الحقائق التي تم طمسها ونفيها من الذاكرة الجمعية، وإعادة بناء سردية مغايرة لها، الدور التحديثي لمحمد البدر في خمسينيات القرن العشرين، وموقف المملكة المتوكلية من الاستعمار البريطاني الذي ظل في حالة صراع دائم، وإن تم التوقيع على اتفاقية هدنة معه لمدة 40 عاماً تبدأ من عام 1934م، لكن حين قامت بريطانيا عام 1954م بوضع خطط لاتحاد الجنوب العربي، قدمت المملكة المتوكلية شكوى للجامعة العربية والأمم المتحدة، واعتبرت ذلك المشروع خرقاً للاتفاقيات المبرمة في 1934م و1951م.

لقد عمل ولي العهد محمد البدر على تغيير السياسة الخارجية للبلاد، فانضمت اليمن لحركة عدم الانحياز، وتوسعت علاقة اليمن مع البلدان العربية والاشتراكية، ووقفت حكومة الإمام أحمد ضد حلف بغداد، وأدانت مبدأ أيزنهاور.
لذلك كانت السعودية والأمريكيون يصفون ولي العهد محمد البدر بالأمير الأحمر، ويعدُّون لانقلاب في الحكم يتسق مع مصالحهم وأهدافهم في المنطقة، وكانت (النقطة الرابعة)، ونشاط الوكالة الأمريكية للتعاون الدولي، يعملون على التحضير لانقلاب في الحكم، مما جعل الرئيس جمال عبد الناصر ينحاز للضباط الأحرار، في سباق ضد المخطط الأمريكي والسعودي في اليمن، فكان التغيير الذي ساندته مصر عبد الناصر في 26 سبتمبر 1962م، بأهدافه الـ6 المعروفة، والتي جاءت جمهورية 5 نوفمبر 1967م لتفرغه من محتواه الثوري، ولتجعله ملكية للمشيخ!
لقد اعتبرت السعودية وجود نظام جمهوري في اليمن تحدياً واستهدافاً لها ولوظيفتها في المنطقة، مما جعلها تحارب النظام الجمهوري منذ عام 1962م وحتى عام التسوية السعودية في مايو 1970م، والتي عرفت بالمصالحة الملكية الجمهورية.
لقد وقّع الإمام أحمد على اتفاقية الدفاع المشترك مع مصر، ووقف مع تأميم قناة السويس، وظهرت في الصحف بيانات لشخصيات سياسية رسمية تؤكد وقوف الخارجية اليمنية مع حركات التحرر الوطني، وجددت اليمن في 13 أكتوبر 1955م معاهدة الصداقة والتجارة السوفيتية- اليمنية، وتوسيع العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين على أساس المساواة والمنافع المتبادلة.
وحين توفي الإمام أحمد في 18 سبتمبر 1962م، في تعز، وأصبح محمد البدر إماماً على اليمن، ألقى في 20 سبتمبر خطاب العرش الذي جاء فيه أنه (سيحافظ على سيادة القانون، وسيساعد المضطهدين، وسيضع أسس العدالة)، ووعد المواطنين بأنه سيصدر القوانين التي بموجبها يكون (المواطنون متساوين في الحقوق والواجبات، ولن يفضل أي مواطن أمام غيره من المواطنين إلاّ في حالة ما إذا كان نافعاً أكثر من غيره للوطن). وفي السياسة الخارجية أعلن أنه سينتهج سياسة الحياد الإيجابي، وسيبقى وفياً لمبادئ الأمم المتحدة وميثاق جامعة الدول العربية ومبادئ باندونج، وسيسعى من أجل الوحدة العربية.
وقد كان المرسوم الثالث الذي وقعه الإمام محمد البدر، ينص على (العفو العام عن كل الأحداث السياسية السابقة التي أودت بمرتكبيها إلى السجن أو الهجرة خارج البلاد)، وألغى المرسوم الرابع نظام الرهائن الذي أعادت العمل به جمهورية المشيخ، وفي المرسوم الخامس ألغى جميع البقايا التي لم تورد إلى خزينة الدولة حتى عام 1960م.
ومع ذلك، ورغم قصر فترة الإمام محمد البدر، كان الأمريكيون والكيان السعودي يعدون العدة للانقلاب على الحكم، وكانت حركة التحرر العربي بقيادة جمال عبد الناصر، جاهزة لإفشال هذا المخطط، وإقامة نظام جمهوري في اليمن، لم تمضِ عليه سنوات حتى تم إفراغه من جوهره الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، من خلال انقلاب 5 نوفمبر 1967م وجمهورية المشيخ.


أترك تعليقاً

التعليقات

عادل الاهدل
  • الأربعاء , 4 أكـتـوبـر , 2017 الساعة 9:46:42 AM

كم انت رائع ايها الرفيق حقيقة لا أجد ما أقوله بعد قولك الفصل ولكني أتألم حينما أذكر ذلك الزمن الذي ليس ببعيد عندما كنت أؤمن بأن ياسين سعيد نعمان نبي الكادحين و البؤساء ومخرجهم من ظلمات الاقطاع الى نور الرفاق (ماركس ولينين وجيفارا وكاسترو ) ولكن عندما قدرة السماء نصر الثوار انكشف زيف وخداع ذلك العجوز ذو الشعر الابيض الذي بات ينعم الان بحسن الخاتمه وانتظار تلك الحوريه التي سوف يداعبها على سرير من ذهب فوق الجحيم . كما تظل ثورة 21 من ايلول ثوره على من في الذاخل من حثاله العماله والارتهان وعشاق الخيانه وعلى الخارج الذي بات يتربص بالشعب المثقل الكادح بعد ان قدمه لهم جيل الفساد مقابل ان يظلون كنترول(ريموت) ينفذون ما يمليه عليهم مفتي الديار وحجة الاسلام السفير الامريكي .