عن الكويت التي نحبها
 

رئيس التحرير - صلاح الدكاك

عن الكويت أكتب هذه المرة.. وللكويت أكتب.. الكويت التي لم تهُبَّ على اليمن من ناحيتها إلا كل ريح طيبة، وإلا كل طائر سعد ميمون، منذ سبتمبر 1962م وحتى المشاورات اليمنية الراهنة، مروراً بأزهى محطات الإخاء والود والتعاون العربي المشترك، بمنأى عن النفط، تأسست علاقتنا مع هذا البلد؛ وبمنأى عن الفوقية والغطرسة التي اتسمت بها بلدان أخرى ضمن مجلس التعاون الخليجي.
غطرسة وفوقية كانت نتاجاً لحقبة الطفرة النفطية، التي طَيَّرت من العدم والحضيض البالونات الفارغة إلى عنان السماء، خلافاً لدولة الكويت، حيث النفط لم يكن أثمن ما تملك، وظل إنسان هذا البلد بثقافته ورُقيِّه وتحضره وعفوية وده واتصاله السلس بمحيطه العربي، هو الثروة الأثمن من كل الثروات المحدثة، والطفرة - بغتةً - من غلِّ الصحراء..
إن انتصار كانتونات اللاوزن، وتمددها، واتساع رقعة نفوذها في الواقع العربي، على حساب انكماش الدور الكويتي بفعل تداعيات ما بعد الغزو العراقي، هو أحد أسباب الكوارث التي تعيشها المنطقة العربية اليوم، بدءاً من شيوع ظاهرة (القاعدة) و(داعش)، وصولاً إلى تحالف العدوان الكوني على اليمن.
بلغة العطر والحبر والنوتة والدراما والمسرح، خاطبتنا الكويت دائماً، وجسرت فجوات الوحشة بيننا وبينها، فيما أتخمت كانتونات النفط المحض واقعنا العربي بمطبوعات الكراهية والمقت والتكفير والتفخيخ، وحواضن تفريخ المسوخ والقتلة العابرين للحدود والهويات..
هنالك من لا يريد للكويت أن تغادر حقل الألغام المزروعة حولها عمداً، وأن تخرج من حالة البيات القسري الذي وجدت نفسها مكرهة خلف سياجه، لتعاود الاتصال والحضور في محيطها العربي، وتشغل مساحة مائزة لم تفلح كل محاولات نظائرها الضرائر في شغلها حتى اللحظة، لأنها مساحة تتطلب حيوية أداء وسلامة طبع ونقاء سريرة، لا تتوافر لسوى الكويت شعباً ودولة وقيادة..
هنالك من لا يريد للكويت أن تزاول مجدداً حضورها الأبيض على مستوى المشهد العربي، وعلى مضض أذعنت هذه الأطراف البرِمَة لحقيقة أن هذا البلد دون سواه، أنضج وأكثر أهلية لاحتضان المشاورات اليمنية، لأنه البلد الوحيد الذي احتفظ بشعرة أمتن من شعرة معاوية، بينه وبين أطياف المسرح العربي من سوريا إلى لبنان إلى اليمن، في منعطف تاريخي هو الأعنف والأعتى عصفاً واضطراباً قياساً بكل منعطف سابق.
 إن الكويت ليس محطة عابرة ندير فيها خلافاتنا المرحلية ثم ترحل، وإنما هو حضور مديد ومغاير ينبغي أن يكون في سبيل ألا يدمغ النفط بغطرسته واجهة المشهد برمُّته وأغواره، وألا يتسيَّد النفط مستقبلنا كما تسيَّد حاضرنا منذ التجربة الأليمة (تجربة الغزو العراقي) التي طوَّحت رياحها بأجمل حالة سياسية عربية متمثلة في الكويت، خارج المشهد، وأفسحت متسعاً لكانتونات الهراء التجاري وثقافة (المول والموبايل) لأن تغرق الحياة العربية على حساب (سعاد الصباح) و(العربي) و(عالم المعرفة) و(فنون) و(الثقافة العالمية) و(روائع المسرح العالمي) وحنجرة (الرويشد) و(حسين جاسم) وقدمي (فيصل الدخيل).
لقد نفَّذ تحالف العدوان السعودي الأمريكي، ما يزيد على 23 غارة جوية، منذ أعطى سمو أمير دولة الكويت ضمانته بوقف غارات الطيران على اليمن، في مؤشر عملي على سخط كواليس النفط وضيقها بالدور الكويتي، واستهدافها تقويضه بشتى الطرق، أملاً في تحويل مسار المشاورات إلى (الرياض)، وهو ما نعيه ونتفهمه جيداً، ولن يحدث، كما أن جدية قيادة الدولة الكويتية تمثل عقبة كأداء في طريق محاولات أصحابه.
إن الكويت تخوض اليوم غمار معركة باردة وخفية نسبياً، لمعاودة شغل موقعها المائز في التراتبية الخليجية، كما وعلى مستوى المنطقة العربية، ونجاح المشاورات اليمنية هو نجاح للكويت، كما هو نجاح لليمن، ولا يمكن إلا أن يكون كذلك.
إن الفترة ما بعد (مشاورات الكويت) لن تكون كالفترة ما قبلها، فيما لو نجحت هذه المشاورات أو فشلت، على السواء. وفي الحالتين، فإن المؤكد أن دولة الكويت تذهب إلى الأمام إيجاباً، لجهة تنامي تأثيرها في مقابل الجزر المتسارع لهيلمان وسطوة (الشقيق الأكبر).
من منكم يتذكر اليوم بالونة اسمها (قطر)، وأخرى اسمها (الإمارات)، وثالثة اسمها (السعودية)..؟!
لقد استفرغت هذه الطفرات الطيارة، كل الهواء الساخن في جوفها، وفقط ثمة اليوم دولتان يُشار إليهما ببنان التعويل والرهان، هما (الكويت) و(عُمان)، لأنهما دولتان تقفان على أقدامهما قياساً بالمتكئين على عكاكيز النفط!

أترك تعليقاً

التعليقات