السيسي و(السلام الدافئ)
 

محمد ناجي أحمد

(إنه يريد أن يكون التركيب، وهو خطيئة مركبة) (كارل ماركس) 
لم يعد خافياً الدور الذي تلعبه السعودية ومصر وتركيا وإسرائيل، في توطيد السيطرة الغربية، على منطقة الشرق الأوسط، وصولاً إلى شرق آسيا، وأعماق أفريقيا...
لقد تم استدراج جماعة الإخوان المسلمين في ما سمي (الربيع العربي)، وإغراؤهم بالوعود الغربية بوساطة تركية /قطرية، بأن عليهم تصدر وانتهاز (الفرصة التاريخية)، فالغرب جاهز للتعامل والتعاون معهم لأنهم يمثلون الاعتدال في إطار (الجماعات الإسلامية)، وصَدَّق الإخوان، فوقعوا في فخ الثنائية الوهمية للتطرف والاعتدال، فالبنية المرجعية للجماعات الدينية في منطلقاتها وغاياتها، واحدة، وإن اختلفت الوسائل والأساليب، في تكيفها مع الواقع؛ هل هو واقع تمكين أو كمون! ولم يتنبهوا إلى أن رأسهم هو (رأس المملوك جابر)، وأنهم يحملون فيه رسالة حتفهم!
يعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أن مصر السادات أنجزت بشجاعة مفاجئة وغير متوقعة (اتفاقية كامب ديفيد)، وذهبت إلى الكنيست الإسرائيلي لإنجاز (السلام)، وهي الآن -أي مصر - أمام تحدٍّ آخر، وهو إحداث نقلة نوعية في العلاقات الإسرائيلية /العربية، تجعل التطبيع (دافئاً) ومطلباً شعبياً، يحمل الوعد بـ(نهضة عربية) أساسها إعطاء (الأمل) للفلسطينيين والعرب، و(الأمن والأمان) لإسرائيل!
والأمل هنا ليس سوى تفريط بالجولان وفلسطين وجزر وممرات ومياه عربية، وسيادة اقتصادية إسرائيلية!
لم يعد التطبيع محاصراً ومحصوراً ومقصوراً على ما هو رسمي، وإنما صار لزاماً لعرابيه الجدد أن يتحول بدفء اللغة ومخادعات الصورة، إلى مطلب جماهيري وشعبي تجند وتحشد من أجله الفضائيات والوسائط المعلوماتية ومواقع التواصل الاجتماعي... إنه الخطاب (الكاشف) بارتجاله، المعد بإتقان تركيباً ووجهة لطبيعة المرحلة القادمة، مرحلة تكون فيها العبودية الجماعية عقداً اجتماعياً، تحشد فيه القطعان الشعبية بفقرها، وجهلها، بنعومة وتلقائية تسترق العقول والقلوب!
ليس غريباً ولا مصادفة أن الأداء المسرحي، واللوازم الخطابية للسيسي، على شاكلة (اسمعوني، أنا عاوز أقلكم حاجة، إلخ)، واللغة العاطفية بهمسها، وهي تبطن صرامة التحولات والغايات الشرق أوسطية، يذكرنا (بكبير العائلة) الرئيس أنور السادات، فالمسار ذات المسار، إلاّ أن الأول يعمل ضمن فريق يتسيد المشهد، والسادات مهووس بفردانيته، وصورة البطل القادر على الوثب وحيداً، لجذب انتباه الجمهور ولو سلباً، لكن السيسي يريد العبور بمصر والوطن العربي، أرضاً وإنساناً، إلى الشتات والتيه!
لهذا فالصراع سيأخذ مداه وأشكاله العديدة، أو كما يقول ماركس للعمال: (أمامكم أن تجتازوا 15 أو 20 أو 50 سنة من الحروب والصراعات الأممية، لا لكي تبدلوا الوضع القائم فحسب، بل كي تتبدلوا أنتم أنفسكم، وتصبحوا قادرين على السلطة السياسية).

أترك تعليقاً

التعليقات