معركة الجوع والهلع
 

عبد الحافظ معجب

(ليش الحديدة؟) سؤال عريض (يبطح) نفسه، ويحتاج إلى جواب (كافي وافي). ولأنهم علمونا زمان أن فهم السؤال نصف الإجابة، لازم نفكر كويس ما الذي يريده العدوان من احتلال الحديدة؟ وماذا تشكل هذه المدينة في الحسابات السياسية والعسكرية والاقتصادية لمعركة تسير في عامها الثالث دون نتائج ملموسة على الأرض؟
اعتاد العدوان في كل جولة من جولات الحرب على إيجاد حالة من التضليل لإيهام العالم أن جولته القادمة هي الحاسمة والنهائية، وكل رهاناته على كسر حالة الصمود الشعبي لإيمانه أنه لن يحرز تقدماً أو نصراً إلا إذا اهتز الشعب وانكسرت ثقته بقياداته ورفع رايات الهزيمة.
لو عدنا إلى عدن حيث الجولة الأولى للحرب، لوجدنا أن العدوان كان يروج أن احتلال عدن هو الانتصار الأكبر بإعلان المدينة عاصمة مؤقتة، ومنها ستدار البلاد، ويعيد الشرعية المزعومة إلى صنعاء، وعندما سقطت عدن في وحل الاحتلال وفوضى الجماعات الإرهابية والمسلحة، غرقت عدن لوحدها، ولم تهتز لهذا الشعب العظيم (شعرة) واحدة، وسقطت الرهانات، واستمر الصمود.
في الجولة الثانية اتجه العدوان إلى تعز، وكانت قنواته ووسائل إعلامه تضخ الشائعات على مدار الساعة، بأن السيطرة على تعز هي المعركة الفاصلة، وبذات العقلية أدارت دول العدوان المعركة، وفي حساباتها أن دخول قوى العدوان إلى الحالمة سيدفع الشعب في بقية المناطق إلى الخروج للشوارع والاستسلام، ولكن النتائج لم تختلف، غرقت أجزاء من تعز في مستنقع الغزو والاحتلال، وانتشرت فيها الجماعات التكفيرية المسلحة، وعمت الجرائم والفوضى، ووعي الجماهير لم يتغير.
الزمان لا يكرر نفسه، ولكن الأغبياء يكررون غباءهم، ولهذا توالت الجولات البائسة على مدى العامين من تعز إلى مأرب والجوف ونهم وميدي والبقع، وفي كل مرة يحصد الأغبياء ثمرة سذاجتهم، ولا جديد يذكر، النتائج هي ذاتها: مقاومة شعبية شرسة في المناطق التي يصلون إليها، وخسائر فادحة في الأرواح والمعدات، وصمود أسطوري في المحافظات الأخرى.
الإصرار على البحث عن مخرج من هذه (الورطة) دفع الأمريكان للدخول بشكل مباشر، بعد أن سولت لهم أنفسهم أنهم أكثر حذاقة من بني سعود وعيال زايد، وقرروا استخدام الورقة الاقتصادية بنقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن، لتجويع الشعب بغية تركيعه، ومافيش فايدة، 7 أشهر والناس بدون معاشات، ولم يخرج أحد للشارع كما كان يعتقد المخطط والمنفذ لهذه (الحقارة).
وبعدها اشترك الإنجليز مع الأمريكان، وحشدوا البوارج إلى المياه اليمنية، تحت شعار تحرير باب المندب والمخا، ولأن أهدافهم هي ذاتها أهداف من سبقوهم، لم ينكسر الشعب اليمني، وحصدوا نفس النتائج.
الورقة الأخيرة في جولات الحرب الفاشلة هي ميناء الحديدة، وليس محافظة الحديدة، والمتابع للحملة الإعلامية حول معركة الحديدة يدرك أن الغرض ليس السيطرة على الأرض، لأنها لن تقدم ولن تؤخر، ولو كانت السيطرة على محافظة ستحسم المعركة لصالح دول العدوان، كانوا حسموها بعد غزو عدن. الهدف الحقيقي هو ذلك الحلم القديم الجديد المتمثل بإخراج الناس للشوارع رافعين الرايات البيضاء و(شكراً سلمان).
يدرك العدوان جيداً أن مسألة الحسم العسكري أمر مستحيل في اليمن، ولكنه لم يستوعب أن حرب الشائعات والتضليل الإعلامي التي نجحت في العراق وليبيا ودول أخرى، لن تنجح في اليمن.
أما واشنطن فتعتقد أن السيطرة على ميناء الحديدة ستهدد اليمنيين بالمجاعة والجوع، الأمر الذي سيخلق حالة من الهلع لدى المحافظات الأخرى، وستركع مقابل (لقمة العيش)، ومش عارفين أن اليمني مستعد يأكل (حجار)، ولا يقبل الهزيمة أو الركوع.

أترك تعليقاً

التعليقات