الإخوان.. بين مرسي وأردوغان..!
 

محمد عبده سفيان

عندما تمكنت جماعة الإخوان المسلمين في مصر من الوصول الى السلطة بعد فوز مرشحيهم بالأغلبية في مقاعد البرلمان، وفوز مرشحهم الرئاسي محمد مرسي بمنصب رئيس الجمهورية، في الانتخابات التي جرت بعد عاصفة الربيع العبري التي اجتاحت مصر وتونس وليبيا وسوريا واليمن.. اغترت الجماعة بفوز مرشحها الرئاسي وفوز مرشحيها للبرلمان بأغلبية المقاعد التي تعطيهم حق تشكيل الحكومة منفردين أو إشراك بقية الأحزاب التي حصلت على عدد من المقاعد البرلمانية.. حيث قامت الجماعة بتشكيل الحكومة منفردة برئاسة هشام قنديل الذي كان يشغل منصب مدير مكتب وزير الزراعة، وعينت كل وزراء الحكومة ممن لا يمتلكون أية خبرة سابقة في إدارة شؤون الدولة.. وحتى رئيس الجمهورية لم يكن لديه أية خبرة في إدارة دولة بحجم مصر، فهو لا يفقه حتى أبجديات البروتوكولات الرئاسية والتقاليد الدبلوماسية، وكان مجرد دمية بيد قيادة جماعة الإخوان المسلمين، ويخضع لتوجيهات وأوامر مرشد الجماعة محمد بديع.. فتم استبعاد معظم قيادات الدولة والحكومة من مناصبهم، وإحلال بدلاً عنهم عناصر إخوانية ليس لديها أية خبرة أو كفاءة.. وأرادت جماعة الإخوان السيطرة على القضاء والجيش والأمن والإعلام، ولكنها اصطدمت برفض قاطع من قبل منتسبي هذه المؤسسات الوطنية العريقة (القضاء- الدفاع- الأمن- الإعلام).
وبسبب الممارسات غير السوية لجماعة الإخوان المسلمين، وتصرفاتهم الغبية، ثار الشعب المصري ضد حكمهم، ووقف الجيش والأمن الى جانب الشعب، فتم إسقاط حكمهم بعد عام من توليهم السلطة.. ومثلما كان صعودهم الى السلطة مدوياً، كان سقوطهم منها مدوياً.
كان الإخوان المسلمون في مصر ومختلف البلدان العربية والإسلامية، ومنها بلادنا اليمن، يرون أن وصول جماعة الإخوان في مصر الى السلطة، وبتلك السهولة، هو نصر وتأييد من الله للمؤمنين، ويقصدون بذلك (الإخوان المسلمين)، فشبهوا محمد مرسي بالنبي يوسف عليه السلام، فقالوا إن محمد مرسي خرج من السجن وتولى حكم مصر، والنبي يوسف خرج من السجن وتولى حكم مصر، ونسجوا القصص والروايات والحكايات عن عبقرية محمد مرسي وكرامته، وأن الله اختاره ليجمع شمل المسلمين، ويقيم دولة الخلافة الإسلامية (دولة الإخوان المسلمين).
كلنا نتذكر كيف عمد الإخوان المسلمون الى نشر صور محمد مرسي في كل الدول التي لهم حضور قوي فيها، وخصوصاً بلادنا التي تمكنوا بعد عاصفة الربيع العبري من الوصول الى السلطة، فقد كانت صوره تتصدر خلفيات صفحات الفيس بوك والواتساب الخاصة بأعضاء وأنصار حزب الإصلاح (فرع تنظيم الإخوان المسلمين في اليمن)، وكانت منتشرة بشكل واسع في جدران المنازل والمحال التجارية وفي البوفيات والمطاعم واللوكندات وفوق السيارات الخاصة بالإخوانيين، ومطبوعة حتى في الفانلات التي يرتدونها.. ولم يكونوا يتوقعون أن خليفتهم محمد مرسي سيعود الى السجن الذي أتى منه الى كرسي رئاسة مصر، ولذلك أصيبوا بصدمة رهيبة لم يفيقوا منها حتى اللحظة عندما ثار الشعب المصري ضد حكمهم  في مصر العروبة، وأعاد قادة جماعة الإخوان الهاربين من السجون أثناء فوضى الربيع العبري، بمن فيهم خليفتهم محمد مرسي.
بعد أن تبخر حلم الإخوان المسلمين في إقامة دولتهم المنشودة بسقوط حكمهم في مصر، اتجهت أنظارهم نحو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي فاز في رئاسة جمهورية تركيا، وقدم نفسه بأنه خليفة المسلمين القادم، وأنه من سيقيم دولة الخلافة، ووصفه القيادي في تنظيم الإخوان المسلمين يوسف القرضاوي بأنه سلطان المسلمين، وتم تعميم صورته على نطاق واسع من قبل الإخوان المسلمين في البلدان العربية والإسلامية، ومنها بلادنا، وبنفس الطريقة التي تم بها تعميم صورة محمد مرسي.. وخصوصاً بعد الإعلان عن فشل الانقلاب المزعوم في تركيا الأسبوع الماضي، والذي كان عبارة عن مسرحية هزيلة كتب سيناريوها وأخرجها أردوغان بمساعدة المخابرات الأمريكية والبريطانية والصهيونية، وقاموا بإخراجها وعرضها على الجمهور بتلك الطريقة الهزيلة، ومن خلالها تم تقديم أردوغان كبطل عالمي استطاع بمكالمة هاتفية بالصوت والصورة مع إحدى القنوات الفضائية عبر هاتفه الخاص، أن يحشد أعضاء حزبه (العدالة) وأنصاره والموالين له من عناصر الأمن في دقائق معدودة، وإنزالهم الى الشوارع ليقوموا بإلقاء القبض على أفراد الجيش والسيطرة على الدبابات والمدرعات والآليات العسكرية التي كانوا يستقلونها.. وهذا ما يحدث فقط في الأفلام الهندية.
بعد مسرحية الانقلاب قام أردوغان وحكومة الإخوان المسلمين في تركيا، بتنفيذ حملات اعتقالات واسعة لم تشهدها تركيا من قبل، وشملت عشرات القادة ومئات الضباط وآلاف الجنود في الجيش والأمن والعشرات من العاملين في السلك القضائي والآلاف من العاملين في مختلف أجهزة الدولة، وخصوصاً في قطاعات الإعلام والتعليم العام والعالي.. وبذلك تخلص من معارضيه في الجيش والأمن والقضاء والإعلام وبقية أجهزة الدولة بضربة واحدة، وظهر على شاشات القنوات الفضائية منتشياً ومزهواً بالنصر الساحق الذي حققه لنفسه ولحزبه وللتنظيم العالمي للإخوان المسلمين.
ولكن هل سيستمر أردوغان والإخوان المسلمون في حكم تركيا، أم سيكون مصيرهم نفس مصير محمد مرسي والإخوان المسلمين في مصر؟ فأنا أتوقع أن الشعب والجيش التركي لن يقبلوا بحكم الإخوان وممارساتهم الإقصائية واضطهادهم للمخالفين لهم، وسوف تندلع ثورة عارمة للشعب التركي بمساندة الجيش، ستجتث حكم الإخوان المسلمين كما حدث في مصر العروبة، وسيكون مصير أردوغان وقيادات الإخوان في تركيا نفس مصير مرسي وقيادات الإخوان في مصر.

أترك تعليقاً

التعليقات