أكاذيب سعودية بدرجة دكتوراه
 

محمد ناجي أحمد

لم يكتفِ الكيان السعودي في شراء الفضائيات والصحف الورقية والإليكترونية لتزييف الحقائق، لكنه أصبح يوثق أكاذيبه من خلال رسائل أكاديمية، تُمنَح درجة الماجستير والدكتوراه! إنه لا يستولي على حاضرنا وآمالنا فحسب، وإنما يستولي على الذاكرة بإعادة كتابة التاريخ بصورة مزيفة! يخلط الحقائق بالأكاذيب، لا ليخفي دوره القذر في التاريخ العربي الحديث والمعاصر فقط، وإنما ليطمس تاريخ الكفاح العربي التحرري، فلا يبقى للأجيال التي تعاني من الجهل الموجه تعليمياً وبوسائط المعلومات، سوى الانسياق مع هذه الأكاذيب!
تعمل الوهابية على إعادة بناء الأذهان وفقاً للنصوص حتى يسيطروا على الأعيان، أو كما قال ابن تيمية: لا يتغير ما في الأعيان إلاّ إذا تغير ما في الأذهان. وهي المقولة التي تهتدي بها الوهابية وجماعة الإخوان المسلمين من خلال سيطرتهم على المدارس والجامعات والمساجد والوسائل الإعلامية، بما يتيح لهم ويمكنهم من احتواء الأذهان. لهذا نفهم ردود الفعل التي نتجت عن إلغاء المعاهد العلمية في اليمن، ودمجها بوزارة التربية والتعليم، فسيطرتهم على المعاهد كانت مطلقة منهجاً وتمويلاً وإدارة وناشئة وصل عددها إلى 600 ألف أو يزيد! ولهذا كان بداية فك الارتباط بين الرئيس السابق علي عبد الله صالح والتجمع اليمني للإصلاح، هو صدور قرار دمج المعاهد وهيئتها العليا بوزارة التربية والتعليم...
في رسالته للدكتوراه الموسومة بـ(الصراع السعودي المصري حول اليمن الشمالي 1962ـ1970م)، يتبنى الباحث سعيد محمد دياب وجهة النظر السعودية الرسمية، مضيفاً إليها عديد معلومات خاطئة، من ذلك قوله إن سيف الإسلام محمد البدر كان أثناء انقلاب 1955م الذي قام به سيف الإسلام عبد الله، والمقدم أحمد الثلايا، متواجداً خارج اليمن، ثم يضع الباحث احتمالات لكيفية عودته إلى الحديدة! والحقيقة المعروفة أن سيف الإسلام البدر كان في الحديدة، وقد احتال الأستاذ أحمد النعمان على الانقلابيين في تعز، وطلب منهم أن يرسلوه إلى الحديدة لإقناع البدر بمبايعة عمه عبد الله، فكان له ذلك، وعند وصوله إلى الحديدة التحق بالبدر وشجعه على التهيئة لإسقاط الانقلاب، إلاّ أن الإمام أحمد كان الأسرع في إفشاله واعتقال رموزه والمشاركين فيه...
يضيف الباحث أن (عبد الغني)، وهو يقصد الملازم علي عبد المغني، قائد حركة الضباط الأحرار في 26 سبتمبر 1962م، قد قتل خلال الساعات الأولى، والصحيح أنه قتل بعد أسبوع من قيام الثورة، حين خرج بحملة إلى مأرب لمطاردة الملكيين، وهناك تعرض لخيانة وكمين فقتل، وقد وجدت بعض أسلحة حملته مع آل الزايدي والغادر، بحسب ما أورده القاضي عبد الرحمن الإرياني في مذكراته...
يزعم الكاتب أن الدور السعودي في مساعدة الإمام البدر بدأ في شهر أبريل 1963م، وأنها ـ أي السعودية ـ لم يكن لها موقف عدائي ضد قيام الجمهورية العربية اليمنية والثورة، وحقائق التاريخ التي يرويها القاضي عبد الرحمن الإرياني في مذكراته، تؤكد أن الأمير فيصل والسعودية ضد قيام نظام جمهوري في اليمن، فحين طلب القاضي الإرياني عام 1961م من الأمير فيصل الوقوف مع حركة يعدون لها لتغيير النظام، قال له فيصل غيروا، لكن لن نقبل بنظام جمهوري في اليمن...
وأما عن الدور السعودي في تأليب وتجميع الأمراء والقبائل بالسلاح والذهب والمرتزقة من بريطانيا وإيران والأردن وغيرها من البلدان، فلقد كان منذ الأيام الأولى للثورة، بل إن استعدادها لمواجهة أي نظام جمهوري كان منذ عام 1961م، مع رغبتها واستعدادها لإسقاط المملكة المتوكلية بنظام يسير وفقاً لإملاءاتها ورغباتها وأطماعها التوسعية في الأراضي اليمنية! فهم قد دعموا سيف الإسلام الحسن، بل دفعوه لإعلان نفسه إماماً حين ظنوا أن الإمام البدر قد قتل تحت الأنقاض، وبعد ذلك طلبوا من الحسن التنازل للبدر بعد لجوئه إليها. فالموقف العدائي الذي تحمله السعودية ضد المملكة المتوكلية يلخصه الملك فيصل في رده على الرئيس جمال عبد الناصر، حين اشترط الأخير في قمة الخرطوم عام 1967م لحل القضية اليمنية ضرورة استبعاد بيت حميد الدين من أية تسوية سياسية في اليمن، فكان رد فيصل: (عزيزي جمال، إن عائلة حميد الدين عدوة لي منذ 40 عاماً، وليس لسنوات قلائل)، أي منذ عام 1927م حين بدأت السعودية بقضم الأراضي اليمنية بحجة حماية الأدارسة، ووصولاً إلى اعتقالهم للأدارسة ثم حرب 1934م، وما أخذوه تحت مسمى اتفاقية الطائف، بل وزحفهم لأكثر من 200 كيلومتر عام 1961م، عهد الملك سعود ونفوذ الأمير فيصل..
يزعم الباحث، وفقاً للرواية التي ترددها السعودية آنذاك، أن جمال عبد الناصر هدد الوفد اليمني المفاوض في مؤتمر حرض، والذي ترأسه القاضي عبد الرحمن الإرياني، بأنه (سيتم دفنه ومن معه أحياء، إذا ما وافقوا على قبول مبدأ حق (تقرير المصير) أو التخلي عن كلمة الجمهورية في وصف نظام الحكم الانتقالي)، والذي سيعود إلى مذكرات القاضي الإرياني رئيس الوفد، سيجد القاضي يؤكد على أن المصريين أعطوهم كامل الصلاحيات كوفد مفاوض، ولم يبخلوا عليهم بالمشورة، والخبرة التفاوضية، وأن التمسك بالجمهورية هو الموقف المبدئي للوفد الجمهوري الذي لن يتنازلوا عنه، في حين أن الوفد المفاوض من طرف الملكيين كان مسلوب القرار والإرادة، وقد أمرهم السعوديون بالانسحاب من المفاوضات، وأفشلت بذلك مؤتمر حرض من التوصل إلى حل يمني يمني...
يزعم الباحث أن السعودية أوقفت مساعداتها عن الملكيين بعد انسحاب الجيش المصري من اليمن، والحقيقة أنها استمرت بدعمها، وخططت لمحاصرة صنعاء وإسقاطها في ما عرف بعد ذلك بحصار السبعين يوما، ولم تتوقف سوى بعد أن هيأت الملعب اليمني في مايو 1970م، لتسوية بين الملكيين والجمهوريين، وقد قدمت نفسها في هذا الاتفاق كراعٍ للسلام! بعد أن أفرغت النظام الجمهوري من محتواه الثوري، وعملت على التخلص من القوى الراديكالية في الصف الجمهوري والصف الملكي، ولم يبقَ سوى من هم طوع بنانها وذهبها، ومن استعصى عليها، لعدم قدرته على مواكبة أطماعها التي لا سقف لها، تخلصت منه، وجاءت بمن هو أكثر خنوعاً لمشيئتها... 

أترك تعليقاً

التعليقات