رئيس التحرير - صلاح الدكاك

أمريكا مستمرة في الإحماء لكن كلفة النزول إلى الملعب باهظة
الكلب المسعور ماتيس ينهش المزيد من لحم النوق

يتقاضى دونالد ترامب باهظاً أثمان تسكين المخاوف التي أثارها فوزه بانتخابات الرئاسة الأمريكية، لدى السعودية وقطر والخليج عموماً، وفيما يشترط الكيان الصهيوني على إدارة ترامب ضمانات أكثر فاعلية لجهة الوثوق من عدم الخذلان الأمريكي له، يشتري الخليجيون طمأنينتهم المتوهمة بعقد الصفقات الحربية تلو الصفقات.. وذلك هو ما يطمح إليه الرئيس الأمريكي على المدى المتوسط المنظور: تشحيم مفاصل مكائن الصناعات الحربية المهددة بالنقرس.
الاثنين الفائت دشن مبعوث ترامب جيمس ماتيس جولته الشرق أوسطية الأولى كوزير دفاع، بزيارة الرياض بدءاً، وتلا على مسامع طوال العمر ما يودون سماعه من معزوفة مشحونة بشيطنة إيران والتحذير من تعاظم نفوذها (الإرهابي) في المنطقة.
قال ماتيس إن الضربات الصاروخية اليمنية على المملكة ينبغي أن تتوقف، مؤكداً بكوميدية لئيمة أن الصواريخ المستخدمة في هذه الضربات، إيرانية!
إقرار وزير دفاع ترامب الذي يلقب بـ(الكلب المسعور) بخطر الضربات الصاروخية على المملكة بحيث دشن حديثه بها، هو إقرار بنجاح القيادة اليمنية الثورية والسياسية في تحقيق توازن ردع في مقابل التفوق الجوي لتحالف العدوان؛ الأمر الذي ثابرت الرياض ووسائل إعلامها على إنكاره، قبل أن يصدع جيمس ماتيس بحجم الوجع، الاثنين الفائت؛ في حين بدا وصفه للصواريخ بـ(الإيرانية) أميل إلى السخرية من محنة السعودية عوضاً عن التعاطف معها.
الرياض وتل أبيب يتشاطران حاجة ملحة واحدة إلى دخول أمريكا مباشرة على خط الاشتباك العسكري القائم في اليمن وسوريا، ورغم أن المملكة تبدي استعداداً لتغطية نفقات هذا الدخول، فإن حسابات الولايات المتحدة لا تقتصر فقط على فاتورة حرب، وتتعداها إلى ما هو أعقد بكثير من ذلك. على أن الحاجة الأمريكية المؤكدة حالياً هي لجهة تخليق محور شرق أوسطي عربي صهيوني يتمتع بديناميكية تشبيك عسكري جيوسياسي أمتن وأكثر فاعلية من كل وقت مضى، تغطي به فجوة عجزها عن الانخراط في حرب شاملة قد تضعها في مواجهة مع الصين وروسيا عوضاً عن إيران.
يتمظهر هذا المحور من مجموعة الدول التي يستهدفها جيمس ماتيس بجولته الشرق أوسطية (السعودية، قطر، مصر، الكيان الصهيوني + جيبوتي كقاعدة عملياتية متقدمة على البحر الأحمر).
وإذ تنسج إدارة ترامب علائق هذا المحور، ليعفيها من التدخل المباشر، تكتفي في الراهن بعملية إحماء تستنزف من خلالها خزائن عربان الخليج، موحية بأنها على وشك النزول إلى الملعب، دون أن تقطع وعداً صريحاً بذلك.
في سوريا تملقت الإدارة الأمريكية وكلاءها المذعورين، بضربة عسكرية محدودة على قاعدة الشعيرات بحمص، لم تغير شيئاً من موازين القوى على الأرض، لكنها استغرقت (800 مليون دولار) من خزائن السعودية.
وفي اليمن ساندت واشنطن مسار الاشتباك ذاته دون تحوير: زحوفات متعددة الجنسية متوغلة في البر المتاخم للساحل الغربي بمحاذاة المخا وميدي، تقتطع قوساً فسيحاً من اليابسة يفضي لعزل الحديدة عن الوسط والشمال، بالتوازي مع نشوب اضطرابات في المدينة البحرية تعمل قوى التحالف على تأجيجها.
لا شيء في هذا المسار أفضى لشيء بطبيعة الحال، وأحجام خسائر زحوفات العدوان تتضاعف بمتوالية هندسية عتاداً وبشراً، فيما لن يكون بمقدور المجتمع الدولي الاستمرار في التواطؤ بانتظار متغير ميداني غير كائن، وسيجد نفسه بحاجة إلى إحياء طاولة المفاوضات ولو لتبديد الوقت قبل معاودة الرهان على الحسم العسكري.
الكلب المسعور جيمس ماتيس لم يغفل حديث الحل السياسي في معرض كلمته، الاثنين الفائت، في الرياض.
مقرونةً بذكر الضربات الصاروخية اليمنية الموجعة للمملكة، جاءت دعوة ماتيس (أطراف الاشتباك) إلى معاودة التفاوض السياسي.
حتى وإن كانت واشنطن ترغب في ابتلاع اليمن عسكرياً، فإن قدرتها على إنفاذ هذه الرغبة تبقى مكبلة بكثير من العوامل، وإلى إشعار آخر، فإن إحياء التفاوضات هو الخيار الأرجح حالياً - في تقديرنا - بالنسبة إلى واشنطن.
يتعلق الأمر بمخرجات معركة الساحل الغربي التي تقول المعطيات الميدانية إنها لا أكثر من مجازر جديدة مضاعفة يتكبدها تحالف العدوان في العتاد والبشر، دون جدوى، فيما يقرع جرس الإنذار بشدة على عتبات ميناء جيزان، مشيراً إلى خطر داهم وشيك قد لا يكون بوسع واشنطن تلافيه إذا ما استمرت في رهان السيطرة على ميناء الحديدة.

أترك تعليقاً

التعليقات