مستصغر الشررْ
 

رئيس التحرير - صلاح الدكاك

في إدارات البحث الجنائي وأقسام الشرطة ومديريات الأمن العام، تنضج روح المواطنة والانتماء للوطن في نفوس المحكومين، أو تستعر نيران السخط والنقمة على كل شيء، مقرونة بالقهر والشعور المهين بفقدان الحيلة وانعدام الملاذ.
رأس المواطن ينبغي أن تبقى مرفوعةً حتى حين يمثل متهماً بين أيدي المحققين، فلا تنكِّسُها إلا البراهين الدامغة والأدلة القطعية، لا أكفُّ وهراوات ضباط محاضر التحقيق والاستجواب، على أن شكاوى مواطنين تعرضوا لتجارب مهينة في بعض المرافق الأمنية، تقطع بأن المهنة الشرطية والضبطية لا تزال لعبة عضلات لا لعبة أدمغة، في مفهوم معظم منتسبي الداخلية وأجهزتها الأمنية.
يخطئ من يتخذ من التحديات الراهنة في مواجهة تحالف عدوان كوني، ذريعة للإغضاء عن شكاوى من هذا القبيل، فعلى المقلب الآخر، يمكن القول إن هذه التحديات ذاتها توجب علينا ألا نغضيَ، فالإنسان هو القيمة العليا المستهدفة بهذا العدوان، وهو محور الرهان في مواجهته والانتصار عليه، والأمة التي تخوض معتركاً ضد القهر بإنسان مقهور من الداخل، هي أمة مهزومة سلفاً.
ندرك أن أية ثورة مهما بلغت من الصدقية، ومهما حسنت نواياها، ليس في مقدورها أن تحوز مطلق الكمال، أو أن تحدث انقلاباً جذرياً في طبائع البشر، إلا أن عليها أن تظل يقظة ومتقدة حيال محاولات الانحراف بها وتطويعها على أيدي المنافقين والانتهازيين وأنصاف الثوار، بما يجعلها محض مظلة للنقائض باسم نشدان الكمال..
إن الشارع اليمني الشريف الحر الصامد والبسيط في ذات الوقت، إذ يجيل بصره في فضاء المشهد اليوم، آملاً أو متألماً، لا يرى مجلساً سياسياً أعلى ولا حكومة إنقاذ، وإنما يرى (أنصار الله) وثورة الـ21 من أيلول، فيعلق عليها كل أملٍ يصبو إلى أن يحققه، وكل ألمٍ يريد له أن يزول؛ وترتيباً عليه فإنه ينسب إليها كل مفخرةٍ في مواجهة العدوان الكوني، بقدر ما يصمها بكل مثلبةٍ تصدر عن أيٍّ كان في أي مرفق لإدارة شؤون البلد، وعلى وجه الخصوص مرافق وزارة الداخلية الناشطة على التماس الأكثر حساسية من كل تماسات المناشط الإدارية والخدمية الأخرى.
إن التوافر على معطيات واقع الأداء الداخلي بهدف تصويب الاختلالات، أمرٌ تنتهجه القيادة الثورية كمبدأ، وتمثل محاضرات سيد الثورة السيد عبدالملك الحوثي الداخلية، برهاناً حياً على جريان دورة التغذية والتغذية المرتجعة بصورة دائمة، تبقي على العلاقة بين الشعب والقيادة الثورية في حالة اتصال وحضور صحيين.
وفي هذا السياق، فإن الصحافة كسلطة رابعة فاعلة يمكن أن تجسر المسافة أكثر بين الطرفين بمسؤولية تعي موجبات اللحظة الوطنية، بمنأى عن المزايدة والافتئات والتهويل أو التهوين أو الابتزاز، كما وبمنأى عن كيدية العلاقة التي انتظمت علاقة المثقف والإعلامي بالسلطة لعقدين آنفين، بحيث باتت تحيناً لئيماً للهفوات، ووقيعة رخيصة على حساب المشتركات الوطنية ومصلحة وأمن الوطن.
أياً يكن حجم العدوان القائم على البلد اليوم، فإن ذلك ينبغي ألا يجعل الأجهزة الأمنية تنظر إلى الشارع بوصفه عدواً، بل مستهدفاً بالعدوان، علاوة على أن أمن الدولة وأمن المواطن هما طرفا المعادلة الأمنية بالعموم، وهو ناظم يتعين أخذه في الحسبان وعياً بأن أمن طرف ليس مقدماً على أمن الطرف الآخر، وإنما يفضي إليه بالضرورة.
على الضفة المضادة من المواجهة، تنشط فقاسة تضليل إعلامي كونية جبارة، لا تكف عن تفريخ الأكاذيب والشائعات، وشقلبة الوقائع، فتجعل من الضحية جلاداً ومن الجلاد ملاكاً رحيماً، وانهماك الإعلام الوطني بتفنيد ودحض أباطيلها، لا ينبغي أن يجعله يغفل بروز مظلوميات يومية مصدرها المتمترسون خلف يافطات مواجهة العدوان، والطفيليات المتكسبة على جراح الشعب، والذباب الوالغ في دمه.
أفدح من العدوان نفسه أن نسدل ستارة مشروعية على نقائض المتواطئين مع العدوان عن قصد أو عن غير قصد، وبصورة مباشرة أو غير مباشرة، تحت ذريعة (شؤون يومية صغيرة لا أولوية لها).
شرف الثورة كله في إنسان هذا الشعب الصامد، وإذا هان بعضه فهوانٌ كل الثورة.

أترك تعليقاً

التعليقات