محمد ناجي أحمد

في ظل الاستعمار والاستقواء بتحالف العدوان، تصبح المطالبة بحق تقرير المصير تقريراً للباطل، ومع ذلك فما يدور في المحافظات الجنوبية ليس مطالبة بحق تقرير المصير، وإنما استقواء بالتحالف السعودي /الإماراتي لفرض الانفصال عملياً في ظل دولة فخرية يسعى عبد ربه منصور هادي لفرضها كمقدمة لانفراط عقد الوحدة الوطنية.
من أجل ممارسة (حق تقرير المصير) يشترط أن نكون أحراراً وذوي سيادة مستقلة، أي لابد من دحر العدوان والاتفاق على سلطة انتقالية لمدة عامين تعيد للحمة الوطنية وللاقتصاد وللثقافة الوحدوية خصوبتها، ثم بعد ذلك ندخل في استفتاء لجماهير المحافظات الجنوبية لتقرير مسارها، وهو باعتقادي إذا ما تخلصنا من كل الأهداف الاستعمارية، سيكون المسار هو المضي مع الوحدة اليمنية الاندماجية، وحدة الـ22 من مايو 1990م.
لقد اعترفت حكومة الشمال عام 1957م، وطالبت بإعطاء شعب الجنوب اليمني حقه في تقرير مصيره، وذلك على لسان ولي العهد الأمير محمد البدر، أثناء زيارته للندن.
وتقرير المصير ـ من وجهة نظري ـ سيؤدي إلى تقوية وتعزيز المسار الوحدوي، شرط خروج الاستعمار الغربي /الخليجي، وألا يكون له نفوذ سياسي أو مالي أو عسكري على خيار جماهير المحافظات الجنوبية من الوطن، مع حق الوحدويين في التوعية والعمل بين الجماهير لتوضيح أهمية وعلاقة الحرية بالوحدة والعدالة الاجتماعية والحياة الكريمة، خلال فترة انتقالية، بعدها يتم إجراء الاستفتاء، ويلتزم الجميع بنتائجه.
لكن الاستعمار الغربي الذي جاءنا بقفاز سعودي /إماراتي /قطري/كويتي /بحريني، إضافة إلى مرتزقتهم الذين جلبوهم إلى اليمن، لايريد استفتاء الجماهير في المحافظات الجنوبية عن الوحدة والانفصال، وإنما يريد أن يفرض عليهم مصيراً جبرياً، وهو الانفصال عن هويتهم وجغرافيتهم وتاريخهم ومصالحهم اليمنية!
فليكن استفتاء بإشراف دولي محايد، شريطة استبعاد الدول المشاركة في العدوان من هذا الإشراف، وأنا على يقين من أن إزالة عوامل الانفصال الخارجية والإقليمية والمحلية كفيلة بأن تجعل خيار الجماهير مع الوحدة الديمقراطية، لا مع الانفصال المستبد!
إن من يدعو إلى (حق تقرير المصير)، ويصر على أن هذا الحق هو باتجاه واحد، وهو الانفصال، ينكر على الناس حقهم الوحدوي، ويصادر حقهم في تقرير المصير مسبقاً بعلم ودولة لم يختاروها ولم يستفتوا عليها!
لم تكن الوحدة مخرجاً لأزمة علي عبد الله صالح في حكم الشمال من أجل استدامة حكمه على خلاف ما يراه الدكتور ياسين سعيد نعمان الذي اختزلها بهكذا تفسير اختزالاً يصادر الحقيقة. لقد كانت وحدة الـ22 من مايو 1990م طوق النجاة الوحيد لنظامي الشطرين، فلقد كان وجودهما مرتبطاً بالحرب الباردة. ومع بداية التحولات ثم السقوط للاتحاد السوفيتي منذ 1985-1991م، كانت العوامل الموضوعية لوجود النظامين في اليمن تتداعى. لهذا كانت الظروف الموضوعية داخلياً وخارجياً تقود نحو وحدة اندماجية وقيام الجمهورية اليمنية.
إن السلبيات والأخطاء الفادحة التي وقع بها النظام السياسي بفعل التقاسم ثم الاستفراد بالسلطة والثروة، ليس سببه الوحدة، وإنما استبعاد الشعب من الثروة والسلطة، وإفقاره بالخصخصة واقتصاد السوق ورفع الدعم عن الخدمات الصحية والتعليمية وحق العمل والمشاركة السياسية، كل ذلك جعل الجماهير تسير خلف لافتات ما قبل وطنية.
تم تغييب قسري للحامل الاجتماعي والاقتصادي والثقافي للوحدة، والتوعية بأهميتها المصيرية، فالتخلي عن الوحدة في مثل هذه الظروف من العدوان والاستعمار لايعني سوى فقدان الحرية والوحدة ورغيف الخبز والأرض التي نعيش عليها، وبالتالي فقدان الحياة الكريمة التي نراها بارتباط جدلي مع الحرية السياسية والاجتماعية...
لقد تحقق الأمل الوحدوي في الـ22 من مايو 1990م، لكننا لم نعمل على تحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية والشراكة الديمقراطية على أساس المواطنة.

أترك تعليقاً

التعليقات