محمد ناجي أحمد

حين تأسس (حزب الأحرار) في عدن عام 1944م، كان في هيئته التأسيسية محمد علي لقمان والجفري وشيخان الحبشي، إلى جوار الأستاذ أحمد محمد نعمان ومحمد محمود الزبيري وزيد الموشكي وأحمد الشامي ومطيع دماج وعقيل عثمان إلخ. كان (حزب الأحرار) في نضاله ضد حكومة صنعاء انفصالياً لايرى الترابط الوحدوي في التحرر من الاستعمار والاستبداد، فهو يتواطأ مع الاستعمار البريطاني في الجنوب ليطالب بشراكته كمشيخ وقضاء وتجارة في سلطة المملكة المتوكلية. لهذا كان رموز الانفصال (العدني) و(الجنوبي) ممثلة بمؤسس (الجمعية العدنية) من يسميه المفكر اليساري عبد الله باذيب (طفل الاستعمار المدلل) (محمد علي لقمان) صاحب صحيفة (فتاة الجزيرة)، يطالبون بالحكم الذاتي واستقلال عدن عن الاتحاد الفيدرالي وعن الشمال، وكان الجفري ورموز الرابطة الذين يتحدثون عن استقلال (الجنوب العربي)، ويطالبون بوحدته مع (الجمهورية العربية المتحدة)، في قفز والتفاف على الوحدة اليمنية، وإنكار لهويته الوطنية.. كل هؤلاء الجهويين الانفصاليين من (حزب الأحرار) و(رابطة أبناء الجنوب العربي) و(الجمعية العدنية) ومشتقاتها من (الحزب الوطني) و(حزب المؤتمر) الذي ترأسه (حسن بيومي)، كانت تجمعهم مصالح لا تتسع للوطن الوحدوي، وإنما لفئات طبقية تلتقي مع الاستعمار البريطاني في مصالحها وفي عدائها للمملكة المتوكلية.. لقد كان للأحرار اليمنيين مشاركة في ما سمي (المجلس الأعلى للجمعية العدنية)، كما كان محمد علي لقمان الداعية الأول للحكم الذاتي، عضواً في (حزب الأحرار)، وكانت صحيفته (فتاة الجزيرة) لسان حركة 1948م، بل هو من فتح أبواب (التفاهمات) بين الإنجليز في عدن وبين رموز (حزب الأحرار) و(الجمعية اليمنية الكبرى).
لقد حصر (حزب الأحرار) صراعه ضد المملكة المتوكلية، وكان موقفه من الاستعمار البريطاني يتسم بالسلبية والانعزالية والمهادنة والتواطؤ.
لم يغير من موقف (الأحرار) كما يرى (عبد الله باذيب) أن اليمن ارتبطت بسياسة جبهة الدول العربية المتحررة... ولم يغير من موقفهم حوادث الحدود التي اشتعلت من عام 1956م إلى 1958م، بين الإمام أحمد والاستعمار البريطاني، في مناطق الحدود الشطرية في قعطبة والضالع، ولم يستطع (الأحرار) أن ينظروا إلى المعركة مع الاستعمار في الحدود على أنها معركة مصير لا معركة حدود.
لقد كانت أزمة (الأحرار) في جعلهم الصراع مع الإمام صراعاً شخصياً، وكذلك كان قادة أحزاب (اللقاء المشترك) في انتفاضة 11 فبراير 2011م، حين جعلوا منها صراعاً شخصياً مع الرئيس علي عبد الله صالح، وليس إسقاطاً للنظام بكل مكوناته.
كانت غاية (الأحرار) تتمحور في تغيير الإمام يحيى وإحلال عبد الله الوزير بدلاً عنه، والانتصار للبدر ضد عمه عبدالله تارة، والحسن تارة أخرى. كذلك كانت 11 فبراير 2011م إسقاطاً لعلي عبد الله صالح واستفراد شركائه في الحكم، أي الحفاظ على كل أركان النظام الذي حكم طيلة أكثر من ثلث قرن، بكل توجهه السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ولهذا كانت تصريحات رموزهم القبلية والدينية والعسكرية، أن النظام لا يحتاج إلى تغيير في دستوره فـ(هو من أفضل الدساتير)، وإنما إلى إزاحة علي عبد الله صالح وفكرة التوريث.
لقد وقف قادة أحزاب (اللقاء المشترك) إزاء الاستعمار السعودي /الإماراتي وحلفائه، موقف التواطؤ والمساندة، بل اعتبروه فرصتهم لما سموه (تحرير) صنعاء من تحالف الحوثي /صالح. وأظهروا من النزعات والانتماءات ما قبل الوطنية ما أظهره (حزب الأحرار) في عدن من تخابر مع الاستعمار البريطاني وتواطؤ مع أهدافه. وكما وقف الأمين العام لـ(الاتحاد اليمني) في عدن عام 1957م، مع الحكم الذاتي لعدن، وعزلها إدارياً كي يكون قرارها بيد الاستعمار البريطاني مشروعاً ومطلباً (جماهيرياً)، وأصدروا صحيفة باسم (الشافعية)، كذلك وقفت أحزاب (اللقاء المشترك) مع العدوان الغربي /الخليجي على اليمن، وتدمير دولته السيادية، والسير خلف لافتات (شافعية) و(قحطانية) و(جهوية)، وسعوا لجعل السيادة اليمنية مُدوَّلة تحت (الفصل السابع)، ودعوا إلى بسط الاستعمار على جزر اليمن ومنافذه البحرية تحت ذريعة إسقاط تحالف الحوثي /صالح!
إن لسان حال ومقال أحزاب (اللقاء المشترك) منذ 2006م وحتى اليوم، هو المفاضلة بين علي عبد الله صالح والمؤتمر الشعبي العام من جهة، والتجمع اليمني للإصلاح وعلي محسن من جهة أخرى، لصالح الثاني وشيطنة الأول. وكأن نضالهم السياسي (قائم عمن يدعم العرش، وليس عمن يهدم العرش)، إذا استعرنا تعبير محمد أحمد نعمان في كتابه (الأطراف المعنية في اليمن)، وذلك في سياق نقده لانقلاب 1955م؛ أي البحث عمن يدعم النظام لا من يهدمه!

أترك تعليقاً

التعليقات