رئيس التحرير - صلاح الدكاك

للمرة الثانية خلال أسبوع، تعلن وزارة الدفاع الأمريكية أن إحدى مدمراتها تعرضت لاستهداف صاروخي مصدره الأراضي اليمنية، وبحسب زعمها فإن المدمرة الأخيرة جرى استهدافها بينما كانت في المياه الدولية المحاذية لباب المندب، وألقى بيان (البنتاغون) - كسالفه - بالمسؤولية على عاتق (أنصار الله). ما الذي تود الولايات المتحدة بالضبط أن تقوله أو أن توصله من خلال هاتين الواقعتين المشكوك في صحتهما، واللتين سبق للناطق الرسمي للقوات المسلحة اليمنية العميد شرف لقمان، أن نفى ضلوع بحريتنا فيهما، مؤكداً حرص اليمن على أمن وسلامة النشاط الملاحي البحري، وأنها ملتزمة به التزامها بحقها في الدفاع عن أمن وسلامة مياهنا الإقليمية؛ إزاء أي تهديد تتعرض له؟!
إدراك المغزى الأمريكي من وراء تسويق هاتين الواقعتين في هذا التوقيت، يقتضي الإقرار ـ بدءاً - بأن (واشنطن) لم تكن بمنأى عن إدارة دفة العدوان العسكري على اليمن منذ انطلاقه في 26 مارس العام الفائت، وهو إقرار لا تعوزه البراهين المادية، فمن العاصمة الأمريكية دشن (عادل الجبير) هذا العدوان، وكاشفت (واشنطن) الرأي العام العالمي بدورها (اللوجستي) فيه، وإسهامها في غرف عملياته العسكرية عبر مستشارين تابعين لـ(البنتاغون)، أما على مستوى العتاد الحربي المستخدم فإن (ماركات USA) ناتئة بوقاحة على جسم ترسانة القتل براً وبحراً وجواً، وصفقات التسليح الموقعة بين الرياض وواشنطن لم تبرح ممهورة بحبر طازج على الدوام.
غير أن الإدارة الأمريكية المنخرطة عملياً في إدارة العدوان من الكواليس؛ احتفظت بمسافة أمان لئيمة بينها وبينه على مستوى الواجهة، فنحَّت قبعة الكاوبوي جانباً، ودفعت بعقال وغترة البداوة العربية الوكيلة إلى أتون المحرقة، بدعوى أن إضرامها مصلحة عربية ينهض بتبعاتها سلباً وإيجاباً (تحالف عربي) في مواجهة (انقلاب مجوسي فارسي).
راهنت الإدارة الأمريكية على أحد أمرين من خلال هذا التكتيك: الأول أن تمطر غيمة التحالف الوكيل نصراً في غضون أسابيع أو أشهر - على أبعد تقدير - فيؤول خراج هذا النصر إليها، وتبسط نفوذها على اليمن مجدداً كملكية حصرية تراباً وقراراً؛ والآخر أن يغرق وكلاؤها في وحل الإخفاقات، فتتلافى هي تبعات هذا الغرق، وتشرع في سيناريو تفكيك الكيان الوظيفي الوكيل، وتحديداً مملكة بني سعود، بهدف إنتاجه بصورة متكيفة مع واقع ما بعد فقدان الجدوى الوظيفية الناجم عن الفشل الذريع في اليمن وقبلها سوريا والعراق.
لقد خاضت الإدارة الأمريكية حربها فعلياً في اليمن، وفشلت بفشل أدواتها بعد ما يزيد على 18 شهراً، وإزاء هذه الحقيقة، فإنها تحاول أن تتعاطى مع واقع جديد وغير إيجابي، يتطلب أن تضبط مسافة الاشتباك واللااشتباك معه عبر الدخول على خط متغيراته انفرادياً بوجه الأصيل لا بقناع الوكيل المهترئ.
أطلقت الولايات المتحدة العنان لشائعة استهداف مدمرتين تابعتين لبحريتها، قبالة باب المندب، وقبل أن ينهمك المراقبون في تخمين الخطوة التالية لها عقب هذا الاستهداف، لجمت وزارة دفاعها حبال التخمينات بالقول إنها سددت ضربات نارية (على رادارات عسكرية في الحديدة)، رداً على الاستهداف الفرضي، والخلاصة أنها ليست أحسن حالاً اليوم منها في 26 مارس 2015م، لتشن حرب كرامة مدوية ومدمرة، فهذه الحرب هي ما حدث ويحدث طيلة أكثر من عام ونصف العام، لا ما سيحدث عقب خبر استهداف مدمرتين أمريكيتين مجازاً، الأسبوع الفائت..
ترغب الإدارة الأمريكية - على الأرجح - في لفت الانتباه إليها كعقبة أمام أية تسوية سياسية في اليمن لا تضع اعتباراً لمصالح (واشنطن)، بناءً على مُعطى إخفاق أدواتها، وثبوت كفاءة القيادة الثورية والسياسية الوطنية الفذة في إدارة مجريات المواجهة العسكرية براً وبحراً، وعلى صعيد الدبلوماسية.
أجل ترغب أمريكا في احتلال اليمن، لكن توافر الرغبة لا يعني توافر القدرة، وفي هذا السياق من الخطأ النظر إلى الولايات المتحدة كقوة مطلقة بتوالي الدهر وأحداثه، كما من الغبن تبخيس ريع الصمود الأسطوري اليمني وفدائية المجابهة التي خاضها ويخوضها رجال الجيش واللجان، في حساب إثخان جسد السوبرمان الأمريكي الخارق بجروح غائرة يتعذر أن يتماثل معها للشفاء ويعود كذي قبل.
لقد قوَّض صاروخ (C800) وهم العجز العسكري البحري لليمن، وهيكل (سويفت) المحترق المنخور يعادل خسارة أسطول بحري كامل بمعيار استراتيجية الرد اليمني من حيث التوقيت ونوع المدخلات الحربية التي فاجأت العدو وأربكت حساباته، فلجأ لاستثمار (إنسانية سويفت) المزعومة أممياً، وأخفق، لتسفر (واشنطن) عن وجهها انفرادياً في مسرح المواجهة، كإله زائف مفزوع وآفل عَدِمَ كل حيلة لترميم ألوهيته المطعونة، فتجسَّد، ففقد ما تبقى له في نفوس الجبناء من مثاقيل اعتقاد بألوهيته.
إن بروز الإله الزائف للعيان هو عجز لا قدرة، وبرهان ذلك أن جبال باب المندب لم تتصدع فتصبح دكاً، ولن تصبح، وعلى ماكينة الارتزاق والعمالة أن تقطع الرجاء في أن يخرَّ شعبنا صَعِقاً..

أترك تعليقاً

التعليقات