محمد ناجي أحمد

في رواية (وردة) لصنع الله إبراهيم، المطبوعة في دار المستقبل عام 2000م، لا يحكي لنا الروائي الخارجي من خلال الروائي الداخلي (رشدي) الذي اتخذه الروائي قناعاً مطابقاً له في الأيديولوجيا، لا يحكي لنا قصة (شهلا) التي اتخذت لنفسها اسماً حركياً هو (وردة)، لكنه يحكي لنا قصة اليسار في الوطن العربي بشكل عام، وفي اليمن بشكل خاص.
منذ البدايات مع (حركة القوميين العرب) وتحولاتها اليسارية المتبنية للاشتراكية العلمية بماركسيتها اللينينية والماوتسية.
(شهلا/ وردة) ابنة تاجر عُماني كان يعمل بالتجارة في عدن والحديدة وصنعاء، امتزجت حياتها بحكم تجارة أبيها ثم انخراطها في (الجبهة الشعبية لتحرير عُمان والخليج العربي)، بالجغرافيا اليمنية والعمانية، وعادات وتقاليد ولهجات هذه المنطقة. ذهبت للدراسة مع أخيها (يعرب) في مصر، ضمن المنح المعطاة لجبهة ظفار، كانت هي وأخوها قد التحقا في (حركة القوميين العرب)، ثم انتقلا من مصر للدراسة في الجامعة الأمريكية بلبنان على نفقة أبيهما، وهناك تعرفا بشكل أوسع على الفكر القومي، ومؤلفات ساطع الحصري وقسطنطين زريق. كانت قد تعرفت في مصر على صحفيين شيوعيين هما (رشدي وعماد)، وقد أوصت بيومياتها أن تعطى لأحدهما، فكان (رشدي)، وكان تتبعه لليوميات ولحكاية وردة التي لم تنتهِ، وإنما اختفت في رمال الربع الخالي مع من اتخذته زوجاً لها (دهميش)، دون زواج تقليدي، وعند إحدى القبائل البدوية أنجبت (وعد) ويومياتها كأثر وحيد لأسطورة (الجبهة الشعبية لتحرير عُمان والخليج العربي) اسمها (وردة).
تناولت الرواية أحداثاً بمساحة زمنية متتابعة تبدأ من 1957م، وتمر بتلاشي (وردة) واختفائها مع (دهميش)، وهما يقطعان صحراء الربع الخالي، لينتهي بهما المطاف لدى إحدى قبائل البدو، ثم مخاض وردة ووضعها لـ(وعد) واختفاء أسطورة (وردة ودهميش)، وتستمر الرواية زمنياً إلى عام 1993م، حين غادر (رشدي) (مسقط) عائداً إلى مصر.
تعود (وردة) مع أخيها (يعرب) إلى عدن، ومنها إلى ظفار، ملتحقة بالجبهة، وتنخرط في قيادة العمليات القتالية والتثقيف السياسي.
كانت شخصية (يعرب) تعتمد في وعيها النضالي وموقفها الاجتماعي، على المقارنات التي يبدأها بلازمة في مبتدأ الحديث (تصوروا)، مقارناً وضع العُمانيين المدقع وعملهم في أحقر المهن، حتى إنه أصبح العماني في زمن السلطان (سعيد) يعرف بالوضاعة الاجتماعية.
يقول (رشدي) في القاهرة عام 1957-1959م: (كان ذلك بعد العدوان الثلاثي بعدة شهور، بعد أن أتممت عامي الـ19، كنت غارقاً إلى أذني في خضم عملية التمرد التقليدية، وقد انقطعت عن الذهاب إلى الجامعة، وكرست وقتي كله للنشاط السياسي، معتبراً نفسي واحداً من هؤلاء المكافحين الذين يتخلون عن حياتهم البرجوازية في سبيل هدف أسمى. وكنت أظنني قد عثرت على الطريقة المثلى للحياة: السبيل لتصحيح كافة أشكال الظلم والقهر المحيطة بي، نظرة واضحة للعالم تستند إلى تفسير علمي للتاريخ والاقتصاد (دون أن أدرك وقتها أن هذا التفسير العلمي بالذات يتطلب خبرة واسعة بالعالم)، ودور متفرد يضعني على الفور في مستوى أعلى بكثير من أقراني الكبار الغارقين في حيواتهم الضيقة المبتذلة).
تتماثل شخصية (وردة) مع شخصية (عبد الفتاح إسماعيل) من حيث الانتماء لحركة القوميين العرب والمآلات الماركسية للاشتراكية العلمية، ويتشابهان من حيث اختفائهما في الهزيع الأخير من الاشتراكية في جنوب الجزيرة العربية (إنهم يشيعون أن صاحبتك وردة كانت تدعو للتفاهم مع السلطة، والتخلي عن الكفاح المسلح، إنها شخصية أسطورية هنا. واختفاؤها ما زال لغزاً. لا أحد يعرف ما حدث لها بالضبط. أنا شخصياً أعتقد أنها أُعدمت على يد رفاقها. وهناك من يعتقد أنها موجودة على قيد الحياة، وستظهر في الوقت المناسب، مثل قصة المهدي). وكما اختفى عبد الفتاح إسماعيل بعد أن نجا من مذبحة المكتب السياسي داخل اللجنة المركزية، بعد استخدامه وعلي سالم البيض الستائر كحبال نزلا بها، ثم اختفى عبد الفتاح، وأصبح علي سالم البيض أميناً عاماً للحزب، وتعددت روايات اختفائه بين رواية لعلي سالم البيض قال بأنه احترق داخل مدرعة استقلها لوحده حين افترقا، وبين رواية علي ناصر محمد وجورج حاوي اللذين تحدثا عن تصفية عبد الفتاح من طرف رفقائه بالتواطؤ من علي سالم البيض الذي سلمه للرفاق من الضالع، وتم إعدامه وإخفاء جثته. كذلك (وردة) اختفت مع رفيقها (دهميش) بخيانة من أخيها (يعرب) حين تركها في رمال الربع الخالي، فتمت تصفيتها هناك، بعد أن وضعت ابنتها (وعد)، وسلمتها لإحدى قبائل البدو.

أترك تعليقاً

التعليقات