ثغرات قاتلة في جدار الصمود
 

رئيس التحرير - صلاح الدكاك

ثمة دخان ثرثرات إعلامية كثيف حول (مبادرة للحل السياسي في اليمن)، ولا نار ولا شرارة نار، أممية أو دولية أو محلية، رشحت في هذا الاتجاه حتى اللحظة..
الحقيقة الأكثر جلاءً وسط دخان أحاديث السلام في الراهن، هي أن الحرب مستمرة، وعدَّاد المجازر الأمريكية بحق شعبنا في ارتفاع!
اتكاءً على رصيد 3 أعوام من خبرتنا ـ كيمنيين ـ بذهنية العالم المنافق، بات بوسعنا القطعُ بأن آلام الجلادين ـ لا آلام الضحايا ـ كانت دائماً الحافز الأبرز بالنسبة إليه لإطلاق دعوات السلام ودعمه لخيار الحل السياسي!
يفصح الملك غير المتوج محمد سلمان، في حوار لـ(رويترز)، عن جوهر التسوية التي ينشدها التحالف الأمريكي السعودي لـ(الأزمة في اليمن)، حين يؤكد، كما يليق بدمية طيعة، أن الحيلولة دون ظهور (نسخة أخرى من حزب الله على حدود المملكة)، هو الغاية من حربه على اليمن، والناظم لسقفها الزمني..
المسكوت الصهيوني الأمريكي عنه في هذا التعرِّي السعودي الذي أطاح بالذرائع المعلنة للعدوان على اليمن، يمكن تلخيصه في (الانفتاح على كل مكون يقبل بالتعايش مع الهيمنة الأمريكية، ولا يرى في إسرائيل عدواً..) كمحور ارتكاز ورافعة لأية تسوية سياسية يباركها المجتمع الدولي، وقاسم مشترك للمكونات المنضوية فيها يكسبها الشرعية لديه!
إن إخفاقات تحالف الاحتلال لا تقاس بمساحة الأرض التي فشل في السيطرة عليها من خارطة الجمهورية اليمنية، فصلابة وخبرة (أنصار الله) المتعاظمتان مع عجزه في اجتثاث الحركة وتقويضها، عوامل تجعل من مجموع الجغرافيا التي نجح في احتلالها أرضاً بلا قيمة وعبئاً ثقيلاً عليه، لا رصيداً في حساب انتصاراته.
القوى الثورية بقيادة (أنصار الله) المناهضة للهيمنة الأمريكية والمعادية للكيان الصهيوني ـ إذن ـ هي المستهدفة من العدوان على اليمن، وهي العقبة أمام السلام الأمريكي الصهيوني المنشود من وراء دعوات الحل السياسي، والقوى الثورية هي وحدها (الانقلابية وغير الشرعية) في هذا الفهم، لأنها أسقطت بدءاً مشروع (الاحتلال الناعم تحت يافطة الأقلمة)، في حين باركته جميع المكونات وانخرطت فيه، كما تجابه اليوم وحيدةً، ترسانة الاحتلال الحربية، في اشتباك مباشر مع المدير التنفيذي الأمريكي، وتنوء وحدها بتبعات المجابهة قراراً وتدابير ودماً وتعبئة ونهوضاً بالمسؤولية على مختلف الأنساق والجبهات في محيط من الخذلان السياسي والتثبيط وتواكل ومكايدات المكونات الحليفة.
تريد أمريكا في الراهن تدوير ذرائع التدخل في اليمن من ذريعة الشرعية إلى مكافحة الإرهاب، غير أن الغايات هي ذاتها التي شن التحالف الأمريكي السعودي عدوانه على اليمن تذرعاً بها.
مكافحة الإرهاب بالمفهوم الأمريكي تتيح لواشنطن إدارة الأراضي التي تقع تحت سيطرة أدواتها في تحالف العدوان، خارج عملية التفاوض السياسي المزمع إجراؤه؛ باعتبارها أراضي تسيطر عليها داعش والقاعدة، ويتعين على الحكومة التي ستنبثق عن التسوية التشبيك مع واشنطن بغية استعادة هذه الأراضي من قبضة الإرهاب، وتبعاً لهذه الوجهة في الكواليس جرى إدراج شخصيات تعمل بمعية تحالف العدوان باسم (المقاومة) على قوائم الإرهابيين، ولاحقاً سيجري الإيعاز إليهم بإعلان دولة القاعدة وداعش تدشيناً لسلخ الجنوب وتعز عن قوام الجغرافيا التي سيتفاوض حولها أطراف (التسوية القادمة).
إن موقف (مؤتمر صالح) الذي يبدو أنه ضمن الرهان الروسي، سيكون مهماً في أية مفاوضات قادمة، لاسيما وأن هناك غزلاً دولياً خفياً بينه وبين الكواليس الدولية، وبالنظر إلى عقود حكمه المثقلة بمعاهدات واتفاقيات ضامنة للمصالح الأمريكية، أبرزها اتفاقيات مكافحة الإرهاب، فإنه يبدو آيلاً لتبني رؤية أقرب إلى الرؤية الدولية المتواطئة والمنحازة للعدوان منه إلى رؤية شريكه الثوري (أنصار الله) الذي لن يقبل تحت أي مبررات بإعادة اليمن إلى حظيرة الوصاية مجدداً؛ في مقابل (مؤتمر صالح) الباحث في أحسن الأحوال عن دور يعيده إلى الواجهة ولو تحت الوصاية، كما ويعفيه من عقوبات (الفصل السابع).
ليس المهم في علاقة الشريكين الوطنيين اليوم تأكيد الموقف من مواجهة العدوان فحسب؛ فالأهم من ذلك هو بلورة محددات وطنية لخوض مفاوضات محتملة كفريق واحد منسجم في أطروحاته ورؤيته لما ينبغي أن تكون عليه اليمن مستقبلاً.. رؤية تثمن تضحيات اليمنيين الشرفاء الجسيمة على مذبح الحرية والاستقلال ومناهضة الهيمنة الأمريكية؛ وتطمح إلى يمن وازن الحضور على الخارطة الإقليمية والدولية، يكون سيد قراره، لا رقماً ضئيلاً مضافاً إلى سجلات (اللجنة الملكية الخاصة) يدار بنزوات شيوخ البترودولار.
خلافات الشريكين في الحكومة ينبغي ألا تتعدى (البونية) إلى طاولة المفاوضات المحتملة القادمة؛ فرهانات العدوان اليوم لم تعد مصوبة تجاه تحقيق انتصار عسكري ثبتت استحالته طيلة نحو 3 أعوام من الاشتباك؛ وإنما تجاه استدراج المؤتمر إلى حلبة مشتركات تقربه لمعسكر أدوات العدوان، وتجعله في الضفة المقابلة لشريكه الثوري في المواجهة، وبالنتيجة في الضفة النقيض لشارعه الوطني والشارع اليمني بالعموم، فيفقد بذلك رصيد حضوره لجهة اختراق يستميت التحالف الأمريكي السعودي لإحداثه في جدار الصمود اليمني الفذ.
نتمنى ألا يغفل العقلاء عن مثل هذه الثغرات القاتلة في العلاقة بين الشريكين، والتي لا حاجة للتدليل على محاولات العدو النفاذ من خلالها صوب غايات أخفقت آلته الحربية في تحقيقها.

أترك تعليقاً

التعليقات