المرتزقة الجدد
 

عبد الحافظ معجب

يطلق مصطلح المرتزقة على الباحثين عن الرزق بالتجارة غير المشروعة في ظل اتساع دوائر التسلط والنفوذ الاستعماري في العالم، حتى أصبح مفهوم المرتزقة يرادف (الفارين) وشذاذ الآفاق وقاطعي الطريق الذين يمتهنون القتل كوسيلة للرزق، ويتفننون في احترافه للحصول على المال، وأصبح المرتزقة صناعة عالمية استعمارية تضم مئات الآلاف في أنحاء العالم، ولديها تسميات متعددة، منها الشركات العسكرية والشركات الأمنية الخاصة، واشتهر الكثير منها في أمريكا وبريطانيا وإسرائيل وجنوب أفريقيا وأميركا اللاتينية وجنوب آسيا والشرق الأوسط.
المرتزق هو أي شخص تائه يجري تجنيده خصيصاً محلياً أو في الخارج، ليقاتل في نزاع مسلح أو يشارك فعلاً ومباشرة في الأعمال العدائية، هكذا جاء تعريف المرتزقة في أول اتفاقية دولية تتناول بالتحديد موضوع المرتزقة. والمرتزق هو كل شخص يقوم بأي عمل بمقابل مادي، بغض النظر عن نوعية العمل أو الهدف منه، وغالباً يتم استئجارهم للمشاركة فى حروب لا مصلحة لهم بها، إلا أنهم يتقاضون أجراً على عملهم. أول من استعان بالمرتزقة في التاريخ هو رمسيس الثاني في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، حيث استعان بأحد عشر ألف مرتزق في معاركه، واستخدمت الإمبراطورية البيزنطية في القرن الرابع عشر الميلادي المرتزقة لمساعدتها على القتال ضد الأتراك.
وفي القرن العشرين، وتحديداً في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، استخدمتهم المخابرات المركزية الأمريكية والشركات الأمنية الخاصة في حرب فيتنام، ويستخدمون الآن لحماية المصالح الاقتصادية والنفطية الاستعمارية في أفريقيا وآسيا، ومن نماذج ذلك الشركات الأمنية في أفغانستان والعراق.
برزت قضية المرتزقة إلى السطح بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، خاصة بعد احتلال العراق الذي جلبت إليه واشنطن ما يقارب 60 شركة أمنية، جميعها تعتمد على المرتزقة، ويتقاضى أفرادها الذين يتمتعون بالحصانة رواتب عالية جداً.
بالرغم من اعتماد الأمم المتحدة الاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم، وجرمت كل مرتزق وكل من يقوم بتجنيد أو استخدام أو تمويل المرتزقة، إلا أنها لم تحرك ساكناً إزاء استخدام السعودية والإمارات للمرتزقة من شركتي (بلاك ووتر) و(داين غروب) وقوات (الجنجويد) في اليمن، بعد أشهر قليلة من انطلاق العدوان المسمى (عاصفة الحزم).
لدى الأمم المتحدة ومجلس الأمن معلومات دقيقة وتفصيلية عن ارتكاب الإمارات جرائم حرب عبر استخدامها مرتزقة في اليمن.
وكشف المحامي والخبير الدولي في ملفات جرائم الحرب جوزيف براهام، أنه لم يعد خافياً على أحد ما يتم ارتكابه من فظائع وجرائم بحق المدنيين اليمنيين منذ سنوات، إضافة إلى استخدام سلاح المجاعة الذي يهدد الملايين من الأطفال على يد قوات تحالف العدوان الذي تقوده السعودية.
وقال براهام خلال مؤتمر صحفي عقد في نوفمبر 2017 بباريس، إن الشكوى الجنائية التي قدمها لمكتب المدعي العام في لاهاي، تتعلق بقيام المرتزقة الذين توظفهم الإمارات المشاركة في العدوان على اليمن، بانتهاكات خطيرة وفظيعة ترقى لجرائم الحرب، تتمثل أساساً في استخدام أسلحة محظورة وهجمات عشوائية، وتنفيذ إعدامات خارج إطار القانون في حق مدنيين عزل، إلى جانب ارتكاب أعمال اختطاف وتعذيب لناشطين وحقوقيين في سجون سرية.
لا يقتصر عمل المرتزقة على العمل العسكري فقط، فالسعودية والإمارات جندتا الى جانب الكولومبيين والأفارقة والسودانيين المئات من المرتزقة المحليين (اليمنيين) الذين يعملون بصفتهم مسؤولين من الدرجة الأولى (كالدنبوع) عبد ربه منصور هادي وفريقه من (جمهورية الفندق) و(حكومة شارع الهرم)، بالإضافة الى المرتزقة العلماء والمرتزقة الصحفيين والمرتزقة الناشطين، وجميعها أعمال ارتزاق بحسب المهنة الأصلية.
منذ بداية العدوان على اليمن احتل حزب الإصلاح (الإخوان) المرتبة الأولى في الارتزاق من خلال الإيعاز لناشطيهم وكوادرهم بالانخراط في العمل تحت لواء العدوان وتقديم المعلومات والرصد وارتكاب جرائم الاغتيالات، وكان حزب المؤتمر متمثلاً بقيادته العليا ينافس (الإخوان) بأعمال المرتزقة، ولكن متخفياً بموقفه المعلن بمواجهة العدوان، حتى انكشف موقف قيادة المرتزقة الجدد بأحداث الرابع من ديسمبر 2017، ليعلن عدد من المسؤولين والإعلاميين حقيقة ارتزاقهم وعملهم في صفوف العدوان، كما أوضح ذلك المرتزق اللواء فضل القوسي الذي صرح أنه كان يعمل كمرتزق من العاصمة صنعاء، وبعدها انكشف كل مستور، وتطهرت العاصمة الصامدة من الكثير من الخلايا التي كان الأغلب يعتقدها وطنية.
في الوقت ذاته لا يزال هناك مرتزقة يعملون في صفوف أنصار الله، وآخرون رفاق يستظلون بمظلة اليسار، من خلال تحركاتهم وكتاباتهم يظهر واضحاً أنهم مجندون لدول العدوان، ولكن هل ستتركهم الأجهزة الأمنية حتى يكشفوا عن أنفسهم، أم ستبادر الى كشفهم ومحاسبتهم؟

أترك تعليقاً

التعليقات