محمد ناجي أحمد

جاءت انتفاضة 11 فبراير 2011م لتعبر من ناحية عن سخط شعبي، وضرورة التغيير السياسي والاقتصادي، ومن ناحية أخرى عبَّرت عن صراع مكونات النظام الذي كان تشاركيا بين قوى المشيخ والجيش، والإخوان المسلمين، وكبار البيوتات التجارية التي نشأت في خمسينيات القرن العشرين برعاية بريطانية!
وكان الرئيس علي عبد الله صالح رمزاً لهذا التحالف التحاصصي في الحكم، أو بحسب وصفه (مظلتهم) و(الراقص على رؤوس الثعابين).
حققت السعودية من خلال أدواتها تسوية 2012م، ليكون عبد ربه منصور هادي رئيساً مختاراً منها بحسب تصريح للرئيس صالح، حين قال بأن اختيار هادي كـ(أيدٍ أمينة) كان بقرار ورغبة سعودية، وهو امتثل لها، والحقيقة أنه قرار أمريكي، وجميع البيادق استجابوا وامتثلوا.
وليكون محمد سالم باسندوة رئيساً للوزراء، ولباسندوة علاقة متجذرة مع السعودية، كونه من قيادات جبهة التحرير، ورفيق عبد الله الأصنج، الذين استقطبتهم السعودية في ستينيات القرن العشرين، فقد بدأوا مع مصر عبد الناصر، وبعد هزيمة يونيو 1967م انتقلوا للعمل لصالح الأجندة السعودية، وقد كان ذلك سهلاً لقدم علاقتهم مع الاحتلال البريطاني في عدن.
حقق عبد ربه منصور هادي ما طُلب منه أمريكياً وسعودياً من تفكيك الجيش، وتسريحه، وضرب روح الالتزام والعسكرية اليمنية، واغتيال المئات من ضباط الدفاع الجوي والطيران، والأمن السياسي والقومي، وتفكيك الوحدة الوطنية إلى كيانات مذهبية وطائفية وجهوية من خلال ما سُمي نظام الأقاليم والدولة الاتحادية، وقد صرح هادي أكثر من مرة في صحف السعودية بأن معاييره في التقسيم كانت ثقافية وقبلية وجهوية، وأعطى في هذا التقسيم صلاحيات سياسية واقتصادية وعسكرية وأمنية سيادية للولايات والأقاليم، وبما يتعلق بالثروات وعقد الاتفاقيات!
كانت اليمن خلال حكم هادي تنهار اقتصادياً، مما جعل رئيس وزراء حكومته محمد سالم باسندوة يعلن عن إفلاس حكومته، وعدم قدرتها على دفع الرواتب، وتدهور الوضع الصحي والتعليمي بتوازٍ مع تجريف الوحدة الوطنية!
لهذا كان تحرك أنصار الله في 21 سبتمبر 2014م، وسيطرتهم على صنعاء والمحافظات اليمنية الأخرى، من أجل قطع الطريق على المشروع الأمريكي، الذي يستخدم مشيخات الخليج لتمزيق الكينونة اليمنية، تحت لافتة غير شرعية اسمها (عبد ربه منصور هادي)!
ولأن تحرك (أنصار الله) كان مفاجئاً وسريعاً وحاسماً، انتقل العدوان الأمريكي بقفازاته الخليجية والمحلية، تحت مسمى (التحالف العربي لاستعادة الشرعية)، إلى التدخل العسكري، وتدمير الطيران الحربي لليمن، وقصف البنية التحتية، وقتل عشرات الآلاف من المدنيين، وحصار وتجويع طيلة 3 سنوات بغرض كسر الصمود، لكنه بعد ألف يوم من العدوان وجد اليمني الصامد في وجه العدوان كفينيق يتخلق بشكل وعنفوان أقوى، وإرادة وصلابة لا تلين.

 (ألف يوم صمود ألف يوم يمن)
كانت كلمة قائد حركة أنصار الله السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، التي ألقاها مساء الثلاثاء ١٩/١٢/٢٠١٧م، تتويجاً لألف يوم من الصمود، فإذا كان الصاروخ الباليستي الذي سقط على قصر اليمامة بالرياض تعبيراً عن الإصرار على العيش بسيادة واستقلال وكرامة، فإن كلمة قائد الثورة كانت تجسيداً واعياً لهذه الروح الوثابة بإبداع سبل ووسائل واستراتيجيات التصدي للعدوان، وإصراراً على أن اليمنيين لن يتراجعوا عن حقهم بالحياة بكرامة وتحرر من التبعية.. بإيمان لا يتزعزع ولا يتزحزح عن ثوابت الوطنية اليمنية...
منذ عقد الثمانينيات وما بعدها، لم تكن هناك سيادة ولا استقلال عن الإرادة والقرار الأمريكي، بل كانت اليمن مجرد جغرافية أمنية لمصالح الغرب في البحر الأحمر، وحظيرة خلفية لمن سماهم قائد الثورة (عبيد الغرب) الذين يحركون (عبيد العبيد وأدوات الأدوات).
اليوم يواصل قائد الثورة تأكيده بعد ألف يوم من العدوان، أن شعلة الثورة تزداد اتقاداً ووهجاً، وتزداد الرؤية الثورية وضوحاً وإدراكاً لعوامل النصر طال الزمن أو قصر.
وأن الثورة تبدأ بدحر العدوان وإفشال أهدافه، لكنها بشموليتها وعمقها لن تكون إلا باستقلال سياسي واقتصادي، بيمن جوهره الوحدة الوطنية، وتنمية منطلقها وهدفها الإنسان، ثورة تنهض بممكنات اليمن زراعياً وصناعياً على قاعدة علمية لتحقيق الاكتفاء، والنأي باليمن من الارتهان.
كلمة منطلقها ثوري وغايتها أن يكون اليمن حراً مستقلاً ذا سيادة، ومسارها سعة في الرؤية ودقة في القرار وحكمة في القيادة.
بعد ألف يوم من العدوان الأمريكي، ما الذي حصدته أمريكا بمشيخاتها الخليجية؟
فككوا الجيش واستهدفوا المدنيين، ودمروا المدن، وقتلوا عشرات الآلاف من الأطفال والنساء والشباب والشيوخ الآمنين في بيوتهم وقراهم وأحيائهم في أعراسهم ومآتمهم، في الطرق والأسواق والغيول وحوافل المواصلات، واستهدفوا الوحدة الوطنية بأقاليم مذهبية وجهوية...
لكن القوة الدفاعية لليمنيين أصبحت بعد ألف يوم من العدوان، قادرة على الدفاع الهجومي، لتصل صواريخ الجيش واللجان الشعبية إلى مطار الملك خالد ومراكز الطاقة في أبوظبي وقصر اليمامة في الرياض.
ألف يوم من العدوان تعني لليمنيين المواجهين والمتصدين للعدوان، ألف يوم من تطوير القدرات القتالية والصمود في وجه ماكينة الموت الغربية بقفازاتهم العائلات المتحدة سعودياً وإماراتياً وبحرينياً الخ.
لاتريد أمريكا أن تعيد النظر في عدوانها على اليمن طالما أن كلفة الحرب تدفعها إمارات العائلات الخليجية من ثروات النفط العربية!
ينبغي مخاطبة أمريكا بعد كل صاروخ باليستي يحقق إصابته بنجاح، فالضرر سوف ينال ريع النفط الخليجي الذي يذهب جله لصالح الشركات الأمريكية والبريطانية، ولصالح تمويل حروب أمريكا في المنطقة الآسيوية.
فهل تعيد أمريكا النظر كرتين في عدوانها على اليمن قبل أن ينقلب عليها عدوانها بخسران لاتستطيع ترقيعه؟
تتطور وسائل واستراتيجيات الدفاع عند اليمنيين، لتصبح أعماق مشيخات الخليج في متناول أيديهم، وستكون بواخر الغرب وأساطيلهم في البحر الأحمر أهدافاً قادمة حين تضيق سبل السلام.
الحل لن يكون إلاَّ بسلام عادل يشمل معادلة السيادة على الأرض اليمنية الوحدوية وثرواتها والمصالح المشتركة، دون ذلك فاليمنيون لن يخسروا تضحياتهم، وسيستمرون ثابتين على موقفهم الوطني، حاملين جذوة التصدي للعدوان أجيالاً وأجيالاً، وتاريخهم يشهد على ذلك...

أترك تعليقاً

التعليقات