رئيس التحرير - صلاح الدكاك

لا مانع لديهم من أن يضعوا كرامة وسيادة وشرف واستقلال البلد وماضيه وحاضره تحت أقدام غلمان مشيخات البترودولار، نظير أن تضعهم هذه المشيخات على رأس البلد بوصفهم وكلاء حصريين لغلمانها.. عن (تجمع الإصلاح الإخواني) أتحدث، على أنني لا أستثني، من هذه الأهبة الفاجرة للمقايضة بالوطن كنهج، (دنابيع المؤتمر وعفافيشه) وأحزاب يسار ويمين السفارات الغربية ومعظم فصائل الحراك، مع فروق في التكتيك لا تفسد وداً لواحدية نشاط الفرقاء تحت سقف المصالح الامبريالية كاستراتيجيا لا مبدِّل لكلماتها ولا تبديل!
في 2014 أوجز القيادي الإخواني محمد قحطان أسباب مناصبة حزبه العداء لـ(أنصار الله)، ورفضه الانضواء معهم في حكومة شراكة وطنية.. حدث ذلك إبان انقلاب السلطة على مخرجات وضمانات (حوار موفنبيك).. وحينها انفجر قحطان في وجه الشهيد أحمد شرف الدين، قائلاً: (يستحيل أن تجمعنا بكم حكومة واحدة)، ثم أردف مفسحاً سبيلاً لا ثاني له للعدول عن هذا الموقف المتعنت بلا مسوِّغات: (اذهبوا وتفاهموا مع الرياض ثم عودوا واحكموا ولو على رؤوسنا!).
غير بعيد زمنياً عن هذه المكاشفة الإخوانية، قالت القائمة بأعمال السفير الأمريكي في صنعاء، في حديث صحفي، إن (أنصار الله يجب أن يتخلوا عن شعاراتهم الراديكالية إذا أرادوا أن يكونوا جزءاً مرحباً به من حكومة يمنية قادمة)!
خلال أكثر من منعطف وعلى تباين مواقع ومواقف فرقاء حظيرة الموالاة الأمريكية المحليين، فإن العداء للأنصار كان ولا يزال هو الثابت، وما عداه يبقى متحوِّلاً لا ثبات فيه، لا لشيء إلا لاستعصاء (الأنصار) على محاولات تدجينهم كجزء من حظيرة الهيمنة تلك، عبر عصا الحروب الغليظة دائماً وجزرة المساومات الناعمة أحياناً.
على محك الحقيقة الآنفة تتكشف دوافع الفرقاء للاختلاف والائتلاف، ويمكن ـ للتمثيل ـ أن نفهم انخراط الاشتراكي في عناق حميم مع (الإخوان) بالأمس، وبصورة أجلى مع (مشيخات الرجعية العربية) اليوم، كما وأن نفهم تشريع (الحراك الانتقالي) أحضانه لـ(طارق عفاش) في عدن.. فبرزخ القطيعة الافتراضي بين من نظرنا إليهم على الدوام بوصفهم نقائض ومتوازيات لا تتقاطع عند نقطة مشتركة مهما امتد بها الزمن، بات فجأة برزخاً مجسوراً بناظم حاجة المدير التنفيذي الأمريكي إلى إعادة موضعة أدواته الوظيفية المحلية على مسرح الصراع وفق مقتضيات تمليها نتائج الاشتباك سلباً وإيجاباً لجهة مشروعه في هذا المنعطف أو ذاك.
إن (الإصلاح) يتميز غيظاً وسخطاً اليوم على خلفية ما يسميه (إعادة إنتاج بقايا نظام عفاش في الواجهة، بدعم إماراتي وتواطؤ سعودي، على حساب مكونات ثورة فبراير والشرعية المنبثقة عنها)، لكن سخطه واستياءه ليسا دافعاً بأي مستوى له للتقارب مع (الأنصار) كمكون رئيس في ثورة فبراير، ولا للقطيعة مع دول تحالف عدوان كوني استجلبه (الإصلاح) لـ(تحرير اليمن) ليجد نفسه بعد 3 سنوات مذموماً مدحوراً خارج سلطة (الأراضي المحررة)... في المقابل فإن سخطه واستياءه مهما بلغا لن يحولا بينه وبين أن يضع يده في يد (بقايا عفاش) عما قريب في مواجهة (الانقلاب الحوثي) بإشارة من (إصبعي تحالف قوى العربان الأمريكي) إذا ما اقتضت حاجة واشنطن ذلك.
في حلبة فرقاء حظيرة الهيمنة الامبريالية لا قيمة حقيقية للافتات التي يتلطى خلفها كل مكون صداقة وعداءً في مقابل الآخر، فالقيمة الفعلية هي لمجموع ما تنهض به هذه المكونات المتباينة من أدوار لجهة إنجاز مشروع مركز الهيمنة بصورة أمثل...
لهذا فإن تبرير الائتلاف الحراكي مع جلادي (نظام 7/7) بـ(خدمة القضية الجنوبية) لا يعد تناقضاً، فالقضايا المحلية لا تعدو كونها محض لافتات لغاية عليا في نفس المشغل الأجنبي الذي يعود أمر كل الأدوات الوظيفية كله إليه.
لقد كادت هذه القاعدة التي تسري على مجمل مكونات منظومة الحكم والمعارضة بالوكالة عن الخارج، أن تشهد في 2015 شذوذاً وحيداً عليها في صورة انحياز (زعيم المؤتمر) إلى شعبه وبلده ضد تحالف عدوان مديره التنفيذي الأمريكي، فقد بدا أنه يعمل وفق مقتضيات الحاجة الوطنية إلى تمتين اصطفاف الجبهة الداخلية المناهضة للعدوان، حين انخرط في شراكة مع (الأنصار)، متجاوزاً ـ في الظاهر ـ خلافاته العميقة معهم، إلا أن أحداث (فتنة ديسمبر الخيانية) برهنت على نحو منظور وجلي للعيان الشعبي أنه لا شذوذ على قاعدة أداء المولودين من رحم الوصاية تحت أي ظرف، وبالعودة إلى زمن الحروب الـ6 فإن (نظام عفاش) كان يحارب ـ بطبيعة الحال ـ نيابة عن مصالح أمريكية، لأن الأنصار يمثلون خطراً على النظام الجمهوري طبقاً لإحدى مزاعمه المعلنة حينها!
إن تضارب وتضافر فرقاء العمالة لتحالف العدوان، بهذه الحدة والفضائحية والجلبة، ليس إلا نتاجاً لنجاح القوى الثورية الوطنية بقيادة الأنصار في إلحاق الهزائم الموجعة بـ(الأصيل الأمريكي) بصورة سحبت نفسها ارتباكاً في مجموع لافتات وكلائه.. وعليه فإن مجال الكسب الوطني ليس في محاولة توظيف مخرجات هذا الارتباك لصالح المواجهة أو الركون إليها كعامل حسم فيها، فمجال الكسب الفعلي هو في تعميق أزمة (الأصيل) باستيفاء وتطوير شروط وإمكانات ووسائط المواجهة الحاسمة معه على شتى المناحي والأصعدة، وفي بؤرة ذلك كسر وإزالة عوائق الاتصال المرن والمثمر بين القيادة الثورية والطبقات الشعبية صاحبة المصلحة الحقيقية في القطيعة مع زمن الوصاية، ورفد مد الوعي الثوري بما يجعله أكثر وأوسع زخماً، ويحول دون نكوصه جزراً.
إن الحجارة المتناثرة من قلاع الإقطاع والعمالة التي نسفتها ثورة المسحوقين والمستضعفين في 21 أيلول 2014، ولا تزال تنسفها تباعاً، لا يمكن الرهان عليها كمدخلات رئيسية في بناء يمن الحرية والاستقلال بمأمن من أن يتحول هذا البناء إلى قلاع جديدة للاستبداد تنتصب على أضلاع المسحوقين والمستضعفين..
إن الثورة التي تتسول عزتها بـ(أحد العُمَرَين) ولا عزة لها في ذاتها، هي مطية أخرى لـ(أبي سفيان).
ومن ينكص على عقبيه فلن يضر الله شيئاً.

أترك تعليقاً

التعليقات