خريـــف السعوديــــة
 

محمد ناجي أحمد

بعد خلو المقعد الرئاسي في لبنان لعامين ونصف، جاءت التوافقات الانتخابية بين الطوائف السياسية في لبنان، لتنتخب العماد ميشيل عون رئيساً للجمهورية اللبنانية، بما يعكس ضعفاً للدور السعودي الذي استمر حاضراً بقوة منذ اتفاقية الطائف، لكن الوضع الاقتصادي المتدهور في السعودية بسبب كلفة الحروب الأمريكية في المنطقة، لإعادة رسمها جغرافياً وسياسياً، قد جعل السعودية تتخذ خطوات تقشفية، وتتجه لعرض بعض شركاتها الكبرى كشركة (أرامكو) للخصخصة.
لقد نجحت السعودية في جعل النظام اللبناني وتداول السلطة فيه يقوم على أساس طائفي يعيد تدوير الطبقة الحاكمة وفق أسس عملت وتعمل على طمس المواطنة، وجعل الطائفة هي الممثل الشرعي الوحيد..
ولأن فاتورة الدور السعودي في لبنان مكلفة، فقد نأت بنفسها عن دفع التكاليف، وقبلت بتدوير للنظام الطائفي يصب لمصلحة خصومها، ولكنها تعلم أن فلسفة وأسس هذا النظام تتيح لها العودة في أي وقت شاءت، طالما أن نظام التوافقات والمحاصصات الطائفية هو أساس الحكم..
الإصلاح الذي يعد به العماد ميشيل عون يتجه نحو المطالبة باستعادة دور أكبر للطائفة المسيحية، ولا يعمل على نقض الطائفية السياسية، وإنما يتحرك وفق جوهرها الذي يراه مختلاً، وأن المسيحية المشرقية كما يراها يجب أن تستعيد دور الشراكة الفاعلة لا الفخرية!
لقد ذهب المواطن السعودي سعد الحريري إلى خصومه الشخصيين، ليتفق معهم على محاصصة الرئاسة والحكومة، وبتوجيه سعودي فحواه (دبِّر حالك)، فعاد إلى لبنان، وكانت التسوية..
على هذه الخارطة السياسية كانت التسوية السعودية في اليمن عام 2012م، وهو مسار ظلت السعودية ترعاه منذ انتخابات 2006م، فجاءت انتفاضة 11 فبراير 2011م كـ(ناقة) مأمورة في مسارها ومحطات توقفها، لتجعل من نظام المحاصصة في اليمن، والذي كان جذره الولاء للحاكم، ليصبح نظام محاصصات وتوافقات جذرها الانتماءات الطائفية والمذهبية والجهوية والمناطقية!
تعيش السعودية عهدها الخريفي، هذا صحيح، لكنها لم تكن صاحبة المشروع في تفكيك المنطقة، وإنما وكيل للغرب في ضرب مشروع القومية والوحدة العربية، وفي تكريس التمزقات الاجتماعية والتجهيل والإفقار الممنهج، ولهذا فإن نهوض الأمة لن يتأتى بسقوط الورقة السعودية فحسب، وإنما بإسقاط المشروع الطائفي برمته في المنطقة، والرهان على المواطن ورفع مستواه المعيشي والمعرفي، دون ذلك ما يحدث ليس سوى تدوير وتداول للنظام الطائفي الذي يغيِّب الشعب، ويلغي المواطنة والمواطن، ولا يعترف سوى بأمراء الطوائف وإعادة إنتاجهم لسيطرتهم وتوافقاتهم المهيمنة والمهينة والمصادرة لأية سيادة جامعة على أساس الوطن والمواطنة والمواطن..

أترك تعليقاً

التعليقات