أنا نازل أطوبر
 

عمر القاضي

شاهدت طوابير كثيرة لمواطنين ينتظرون الغاز في العاصمة صنعاء. فقط في الحي الذي أقطن فيه 4 طوابير متباعدة. وأنا عائد جذبني الطابور الرابع الطويل القريب لسكني لشدة الإثارة والمضرابة والصراخ فيه. قلت بجرب أطوبر مع خلق الله لدقائق من دون أسطوانة، استعداداً للأيام القادمة. ففي الأخير أنا نازل أطوبر من دون نقاش، لأن أسطوانتي باقي فيها (بجم) وستنفد قريباً.
جربت أطوبر في الطابور الرابع مع خلق الله، وهناك استقبلني أحد المطوبرين بسؤال: أين دبتك الفارغة؟ رددت عليه: بتلحق بعد شوي. لا تقلق أنت فقط انتبه لبقعتك حتى لا يسبقك أحد.  المطوبر هذا تحدث معي قال: شوف أنصار الله (كاوشوا) الجميع؛ علي صالح وعلي محسن وعبد ربه وبيت الأحمر، وقادرين يضبطوا كل صغيرة وكبيرة. ولديهم معلومات عن الداخل والخارج، وعن جميع اللصوص. وأضاف مستغرباً بقوله: على من هذه الحركة؟! واستدرك يقول: ذلحين بالله عليك أنت مصدق أن أنصار الله عاجزون أن يضبطوا اللصوص المتلاعبين بالغاز. رددت عليه: خيرة الله، أنا مش مصدق، فقط حضرت أجرب الطوبرة معاكم، عندما أنزل الأسبوع القادم أطوبر من صدق بنتحدث يا صديقي. ضحك وغادرت أنا.  
في الطابور الرابع الذي يتجاوز حارتين، يقف مواطن مجبراً تحت خيارين؛ الأول أن يدفع 3000 ريال مقابل تعبئة أسطوانة، لكن الغاز غير متوفر، يعني ينتظر شهراً، أما الخيار الثاني فالغاز متوفر بس يدفع 7000 ريال.
من افتعل أزمة الغاز يا خبرة؟ من دون مزايدة بالعدوان، لأن جميع المطوبرين هنا يعرفون أن العدوان قاتل ومجرم وحقير و... الخ.. هنا فقط نريد أجوبة مُقنعة عن أسباب الأزمة، ومن المستفيد منها؟ ونريد غازاً. فأيمانكم وتبريراتكم لن تشعل أفران و(شولات) المطوبرين الجوعى. 
الجميع يبرر ويحلف. أنصار الله يحلفون برأس الكعبة أن لا علاقة لهم بالأزمة. وأصحاب المحطات كذلك يحرمون ويطلقون أن لا علاقة لهم أيضاً بالأزمة.
 يعني أنت افتعلتها يا علي مدهش، لأن أسطوانتك تُهرّب في الليل وما تغلقها تماماً. يا جاري المطوبر انهض احمل أسطوانتك الفارغة، وعد بها الى منزلك، لا عاد تطوبر ولا شيء. لقد صادفت جاري علي مدهش عائداً من الطابور جوار إحدى المحطات، وهو بحالة يرثى لها. يحمل جوعه داخل جسده النحيل الذابل، ووجهه ناشف كما لو أنه عامل أجبرهُ الاحتلال على العمل الشاق. 
جاري مدهش قال إنه منذ أسبوع وهو مطوبر لأجل تعبئة أسطوانة واحدة، ولم يتخارج. وأضاف أن رقم أسطوانته بالطابور هو 142. يقصد في بداية الطابور. وهو على أمل كبير أنه سيعبئ أسطوانته سريعاً، مقارنة بأسطوانات زملائه المطوبرين خلفه. هم يحلفون أن لا علاقة لهم بالأزمة، وجاري مدهش يحلف يميناً بالله إن أسرته يأكلون طحينية وجبنة مالحة منذ أن نفد الغاز عليهم.
مدهش كعادته مع حدوث كل أزمة غاز يفزع للطابور جوار أقرب محطة. كل ما يهمه أن يكون في بداية الطابور. شعب مهووس بالطوبرة تحت حرارة الشمس، ويحرص جيداً على ربط أسطوانته في الطابور بقرطاس أحمر حتى لايفقدها. ثم يقعد جوارها يتحدث ويحلل وينتقد الوضع مع مطوبر آخر. بينما اللصوص مهووسون بصنع الأزمات حتى يتمكنوا من سرقة المواطن. 
منذ أسبوع ونصف والناس ذهاباً وإياباً بالحارات والشوارع يقلبون أسطواناتهم الفارغة على الإسفلت، وآخرون يتقطعون لهم ليسألوهم: عبيتم غاز؟ وهم يردون عليهم: لا، يرد المتقطعون مرة أخرى بسؤال أخجف: من أين؟ يعني قده يرد عليهم بلا، وهم يردون عليه من أين.
في الطابور الرابع مدرع تسمع نقاشاً ونكاتاً وانتقادات وغضباً و... الخ. وجميعها موجهة لكم يا أنصار الله ويا شرعجية الفنادق الحاقدة.
والله ما هي حالية الدعممة حقكم تجاه مواطن معدته ملصصة من الطحينية والجبن. دعممة مفرطة وكأنكم يا أنصار الله لا حاجة لكم بالغاز، والأزمة هذه لاتعنيكم. أما بعض المبررين والمزايدين منهم يشعرونك أنهم يستخدمون غاز ثاني أكسيد الكربون، وليس الغاز الذي نطوبر عليه أسابيع. فقط هم يتضايقون من الطابور، يعني أية حركة يا مطوبرين على الغاز سيكون طابوركم الرابع ملحقاً ضمن الطابور الخامس. تقرصوا العافية وطوبروا سكتة. 
في الطابور الرابع ستشاهد حرمة أغمي عليها من الجوع والعطش ومن حرارة الشمس. أيضاً في الطابور الرابع الطويل الذي يتجاوز حارتين ستسمع أن مواطناً فقد أسطوانته وعاد منزله ملبوجاً فارغاً. في الطابور الرابع اشتباكات ومضرابة حنان طنان لما يطير الغبار. في الطابور الرابع صاحب معرض غاز مطوبر بـ20 أسطوانة يعبيها بـ3000 ريال، ثم يعود يبيعها في معرضه بـ8000 ريال للمواطن. 
أما في الطابور الخامس فهناك تجار سوق سوداء وتلاعب واحتكار واستغلال وأكاذيب ينتهجها مجرمون استغلوا الحصار والحرب، وجميع المطوبرين يقولون إن أنصار الله متساهلون معهم، ويستفيدون منهم.

أترك تعليقاً

التعليقات