عن اغتيال الرئيس
 

أحمد الحسني

أحمد الحسني / لا ميديا

من الطبيعي أن تتأخر القيادة اليمنية في نعي الرئيس الصماد، ريثما يتم الترتيب لسد الفراغ في منصبه على رأس السلطة التنفيذية في الدولة؛ لكن ما الذي يمنع قيادة تحالف العدوان وحكومة المرتزقة من إعلان الخبر في حينه؟! ولماذا لم تتباهَ حتى بعد النعي الرسمي بأن طائراتها تمكنت من القضاء على الرجل الذي يشغل المنصب الرسمي الأول في حكومة من تسميهم الانقلابيين، والذي يشغل المرتبة الثانية في قائمة المطلوبين لديها، ورصدت 20 مليون دولار لمن يقضي عليه أو يدلي بمعلومات تؤدي إلى القضاء عليه؟
ثمة إجابات افتراضية لتكتم التحالف، منها عدم معرفة قيادة التحالف، وبمعنى أدق عدم تأكدها من وجود الصماد في الموكب الذي قُصف، لكن هذه الفرضية لا تمنع من تباهي التحالف بالعملية بعد صدور النعي الرسمي اليمني، كما أن التأكد ليس أصعب من رصد الموكب واستهدافه.
الاحتمال الثاني أن يكون سبب سكوت التحالف هو أن اغتيال الرئيس الصماد جريمة حرب استهدفت مدنيين داخل مدينة وحي سكني، لكن سجل التحالف الحافل بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية لا يضيره إضافة رقم إليه مقابل الصدى الإعلامي والمعنوي لعملية الاغتيال، وأثر الصدمة على جبهة الصمود، وقد سبق لقيادة التحالف أن اعترفت بجريمة القاعة الكبرى الأكثر بشاعة، ولم يكن ثمة ما يغري بالاعتراف كما هو الحال في اغتيال الصماد.
الفرضية الثالثة أن عملية الاغتيال نفذت من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، ولم تسمح لقيادة التحالف بتبنيها، وهذه الفرضية تكتسب وجاهتها من أن تنفيذ الاغتيال تم بواسطة طائرات بدون طيار، وليس بواسطة المقاتلات الحربية، فالزمن الذي استغرقه موكب الرئيس الصماد من مكان الاحتفال إلى مكان الاغتيال، لا يكفي لوصول المعلومات الاستخباراتية واتخاذ القرار بشأن وصول الطائرات من أقرب قاعدة جوية سعودية إلى مكان الاغتيال، إضافة إلى إمكانية رصد دخول المقاتلات وتنبيه الرئيس الصماد لأخذ الحيطة، والدرونز مرشحة لمثل هذه العملية لصعوبة رصدها، وقدرتها على التحليق فوق مكان الاحتفال وانتظار الهدف وملاحقته. وهذه الفرضية تطرح جملة من الأسئلة مثل: هل كان الصماد هدفاً للأمريكيين؟ ولماذا؟ أم أنهم كانوا كالعادة مرتزقة ينفذون العملية لحساب التحالف؟!
الفرضية الرابعة هي أن سكوت التحالف هدفه إطلاق العنان للتحليلات وتوجيه الاتهامات صوب الداخل لاستهداف تماسك الجبهة التي كان يرى التحالف منذ بدء العدوان ضعضعتها عاملاً مهماً لدعم عملياته العسكرية، ثم صار مقتنعاً بعد فشل ترسانته العسكرية أن ذلك هو سبيله الوحيد ورهانه الأخير في كسب المعركة، وإذا كان عدم تبني اغتيال الرئيس الصماد من قبل التحالف سيدفع بالأمور صوب تحقيق هذه الغاية، فهو أهم بكثير من التباهي بتنفيذ الاغتيال، وقد لاحظنا أن ماكينة الإعلام التابعة للعدوان ومرتزقته، بعد بيان النعي الرسمي للقيادة اليمنية، قد ركزت في التعاطي مع جريمة الاغتيال على مسارين: فداحة الخسارة وتوجيه التهم إلى الداخل اليمني طوراً بأنها صراع أجنحة داخل أنصار الله، وطوراً آخر بأن وراءها أيادي المؤتمر.
أربع فرضيات يمكن أن تشكل إحداها أو جميعها تفسيراً موضوعياً لعدم تبني قيادة تحالف العدوان رسمياً لجريمة اغتيال الرئيس الصماد. والفرضيات الأربع تؤدي إلى نتيجتين فقط: الأولى أن اغتيال الرئيس الصماد كان غاية العملية، وقد تمكن تحالف العدوان من بلوغها، واستطاع من خلالها أن يضيف إلى عدد شهدائنا رقماً آخر، وإلى قلوبنا النازفة على ضحايا ما سبقها من جرائم ومجازر ألماً جديداً، محققاً صدى إعلامياً بحجم المكانة القيادية والطبيعة الوفاقية للشخصية التي اغتالها، لكنه وبحجم الصدى الدعائي الذي حصده، أضاف إلى سجله جريمة حرب جديدة، وإلى فاتورة الحساب رقماً أكبر وحقداً أكبر، والذي علينا في هذه الحالة هو تضميد الجرح، وسد الفراغ السياسي الذي تركه رحيل الرئيس الصماد، والتحضير الجيد للرد.
النتيجة الثانية هي أن اغتيال الرئيس الصماد كان هدفاً غايته البعيدة استهداف تماسك فضاء الوفاق وتماسك الجبهة الداخلية التي بات العدو مقتنعاً أنها السبيل الوحيد والرهان الأخير لكسب المعركة، الذي عجزت الآلة العسكرية الجبارة عن تحقيقه في ظل تماسك جبهة الصمود الوطني، ما يعني أن جريمة اغتيال الرئيس الصماد حلقة أخرى في مسلسل استهداف الجبهة الداخلية، تضاف إلى حلقات الحصار وقصف المنشآت الاقتصادية والبنية التحتية والشحن الطائفي والإثني والمناطقي ونقل البنك المركزي وإغلاق المنافذ، وغيرها من الوسائل التي استهدفت تفجير الوضع الداخلي ونسف جبهة الصمود الوطني من الداخل. والأولوية في هذه الحالة هي الحيلولة بين العدو وغايته على طريق التحضير الجيد للرد على الجريمة.
خلاصة القول هي أن الرئيس الصماد بطبيعة واقع الحال لم يكن هدفاً عسكرياً، وعملية اغتياله سواء نفذت بواسطة مقاتلات التحالف كما يشيع إعلام العدوان ومرتزقته، أو بواسطة الدرونز الأمريكية لحساب التحالف كما ترجح الدلائل، ليست إنجازاً مؤثراً في مسار المعركة يغري بالتباهي أو التبني، وإنما هي جريمة حرب تستدعي التملص والإنكار، وليس مجرد السكوت فقط. لكن الصماد أيضاً كان على رأس السلطة التنفيذية بالبلد، ومن المؤكد أن لاغتياله صدى دعائياً ومعنوياً كبيراً للعدو، ومن المؤكد أننا خسرنا باغتياله قيادة سياسية نشيطة ومخلصة وشخصية وفاقية بالغة الأهمية لجبهة الصمود الوطني التي ماتزال في طور النقاهة بعد أحداث ديسمبر المؤسفة. وفي كلا الحالتين نحن معنيون أكثر بلحمة الصف الوطني والاحتفاظ بنهج الصماد من قبل خلفه في المجلس السياسي، كجزء مهم من الإعداد الجيد للرد، وحصر أضرار الجريمة في أضيق نطاق.

أترك تعليقاً

التعليقات