أطفال الأندومي
 

عمر القاضي

عمــر القاضـــي / لا ميديا

بعد المغرب تماماً، وبعد تخزينة عارمة، يبدأ هاجس الفيس يشتغل. تدخل الفيس على بركات النت الثقيل. يفتح بصعوبة لتصادف مرتزقة تركيا وفنادق الرياض يحدثون حالات ارتزاقهم يومياً. تسحب صفحتك لتتخارج منهم. يتحدث الفيس على منشور طارئ لطفل أندومي قاصر يحلل فيه عن الفيدرالية. يا عبود عيش طفولتك، ما دخل أبوك بتقسيم البلاد والفيدرالية؟! ما عرف يقسمها الدنبوع! المهم، الله يعلم الأندومي هذا على أي مريض لطش بوست الفيدرالية ونسبه لنفسه!
أطفال كثر من سلالة العتواني والآنسي وياسين، لا يستبعد أن أمهاتهم توحمت بهم. وعبود الأندومي يعتبر نسخة مصغرة لتلك الشاكلة المندثرة. بعد أن يخلع حفاظته، وبدل ما يدخل الحمام، يدخل صفحته بالفيس من أجل يقع عميق يملطط، وأحياناً يساند امه المفسبكة بتعليقاته لوالدته المهتمة كثيراً بنزع الألغام من الساحل الغربي. ركزوا جيداً، من الساحل الغربي، حتى لا تذهبوا إلى ساحل آخر. الأم تكتب بوست أو تنشر صورة أحد أصابع يديها، وعبود ابنها يعلق عليها: "يا سلام على تألقك وإبداعك". وهي ترد عليه بالشكر والثناء. ناشطة تسر المفسبكين آخر الليل ليعلقوا على صورتها: "منورة اصبعك اختي مادلين". وبالأخير تطلع الأم مادلين علي البخيتي. المهم كله يمشي عند المفسبكين حقنا.
الأم مادلين المرهفة تعاطفت في منشور سابق لها على صفحتها مع أسرة مكسيكية فقدت قطتها بحادث مروري. وأطفالنا يدهسهم التحالف بالصواريخ منذ ثلاثة أعوام، ومادلين تمكنها حياد ومعامسة. وللعودة لطفلها الأندومي العميق الذي يعتبر واحداً من عشرات الأطفال المملططين بالفيس الذين يلطشوا ويشاركوا منشورات طائفية ومناطقية لآخرين أكبر منهم سناً وحقداً، أطفال خلقوا فقط ليشاركوا أي شي، حتى حالات أمهاتهم بعد الدردشة للفجر. كله من الأم مادلين المفسبكة المفصعة الفارغة؛ بدل ما تدخل طفلها حديقة السبعين وإلا حديقة الحيوانات بحزيز يلعب، لحقته في زريبة مارك عبده ناجي.
لا يكمن هنا المأزق الافتراضي فقط، أيضاً ستشاهد ناشطين، كبار سن صغار عقول، معجبين وكرماء بمنشوراتهم وتعليقاتهم الحاقدة على كل شي. وكمان تصادف أحدهم في السوق ليعاتبك: ليش ما تدخل الفيس؟! سمعتم؟! هذا الاهبل يريدك تدخل الفيس تفعل له إعجاب على بوسته القذر الذي يحرض فيه على أبناء الشمال والهضبة! طبعاً هؤلاء المرضى يحصدون عدداً كبيراً من اللايكات والتعليقات. فتشاهدهم يتعالون على بقية المفسبكين والمواطنين، إنهم شوية صعاليك وفرغ! وصولاً للمسخرة وتوزيع الشتائم لكتاب ومفكرين كبار... الخ.. قسماً إننا سمعت مفسبك فارغ يتعالى على آينشتاين، قال: "هذا انشتاين لم يكن واقعي في نظريته النسبية إلى حدٍّ ما"! ركزوا! قال واقعي! سهل! أنا فقط أريد أفهم "إلى حدٍّ ما" هذه، وايش يقصد فيها هذا الأخجف! ما لك يا إلى حدٍّ ما؟! اول اجلس مثل الرجال وبعدين اهدر على آينشتاين! على أساس أن آينشتاين من البلاد، بن عبده مهيوب، زميل دراستك. ومفسبك آخر ينتقد الشاعرين مظفر النواب والماغوط، قال عليهم "انهم مهرطقين". أنا أهرطق الفيس...! 
لقد كشف لنا الفيسبوك حالات مرضية كثيرة، وجعل من أطفال قناتي "طيور الجنة" و"كراميش" وجيل البسكي والأندومي يتعمقوا بالفيدرالية والأقلمة مبكراً، بدلاً من إكمال حلقات الشجعان الثلاثة وعبقور والكابتن ماجد والكابتن صالح... من حصل على 150 لايك وهمية بالفيس عبر التحريض، راح يشقدف للروائي العملاق محمد عبد الولي أو باكثير أو الشاعر الكبير عبد الله البردوني، الرحمة لأرواحهم! هذا هو الفيسبوك عندنا، يجعل من المقبلي خبير، ومن هشام عبير، ومن الشرعجي المفسبك نذير سفير في بلاد السند، ومن المرتزق مع الإمارات بطلاً لهم. 
كارثة مجملها أطفال وكبار يفسبكوا بطريقة خاطئة ومبتذلة، وقلك أطفال اليمن يعانون سوء تغذية! كله من مارك، الذي جعل ناشطين أقفال يرون أهميتهم عبر وهم اللايكات! مفسبكين خُرنج، حلفاء اللحظة والفراغ والمشاركات المقيتة، يجيدون المكارحات والسهر يومياً للفجر في صفحاتهم. البعض يشعرك أنه إذا لم يكتب 20 بوست يومياً ستحل علينا الكارثة. ارقد يا وهم! هذا هو الفيسبوك عندنا، الدمار والإرهاق، سوق للتجريح والتشويه والصراع والفرز، مقلب للشتائم أو أسماء الإخوان المستعارة الكثيرة، مكان للفرز والتسلق والزيف وللفقاعات، والحظر. المقيل يجمعهم نهاراً، والفيسبوك يشتتهم ليلاً.



أترك تعليقاً

التعليقات