تعز والاحتلال التركي
 

محمد ناجي أحمد

محمد ناجي أحمد / لا ميديا

ليس صحيحاً القول بأن تعز خضعت للاحتلال التركي بملء إرادتها ورغبتها، فالقارئ لأحداث القرنين العاشر والحادي عشر من الهجرة سيجد أن احتلال الأتراك لتعز وُوجه بمقاومة وانتفاضات لم تتوقف طيلة الاحتلال العثماني الأول لليمن، في العديد من المناطق والقضوات والنواحي والعزل. 
اعتاد الاحتلال التركي أن يصطنع لنفسه كتبة يوثقون الأحداث وفقاً لمشيئته. فلقد جند العثمانيون من أبناء البلاد المحتلة في اليمن للكتابة التاريخية ورصد أحداثهم المعاصرة كبيرها وصغيرها، مثل عبد الله صلاح بن داعر في كتابه "الفتوحات المرادية" ومحمد بن يحيى المطيب الزبيدي في كتابه "بلوغ المرام" وغيرهما. 
ويأتي في مقدمة هؤلاء الكتاب القاضي شمس الدين عبد الصمد اسماعيل بن عبد الصمد الموزعي اليمني، صاحب كتاب "دخول العثمانيين الأول إلى اليمن المسمى الإحسان في دخول مملكة اليمن تحت ظل عدالة آل عثمان". وفي هذا الكتاب نجد العديد من التفاصيل، أحداثاً وشخصيات وأمكنة وانتفاضات وحروباً وأشكالاً بشعة من وسائل التعذيب التي استخدمها الأتراك لإخضاع نواحي اليمن. 
القاضي الموزعي من مواطني مدينة تعز، هو ووالده وأسرته، سكن (حافة المرباع)، وكان نائباً لقاضي تعز "نائب الحاكم الشرعي" في عهد الاحتلال العثماني الأول لليمن. 
يعرض المؤلف طريقة العثمانيين في التمثيل بالقتلى والمغضوب عليهم، وكانوا قد أدخلوا أساليب من القتل لا يقرها العرف ولا الشرع، كسلخ جلد الضحية وهو لا يزال على قيد الحياة، وكوضعه في كيس وإلقائه من شاهق، وكالخازوق، وغيرها من الأساليب. 
بعد مقتل عامر بن داؤود، على صاري المركب، بعد أن غدر به سليمان باشا، حكم الإمام شرف الدين وابنه مطهر من كوكبان إلى عدن، وظلت زبيد بيد الأتراك، وعليها مصطفى باشا. 
وفي شهر رجب 943 هجرية بنى مطهر شرف الدين سور (مدينة تعز) باللِّبن الزابور، وأحكم بنيانه، ورفع نُوَبَه، وشيد أركانه، وحفظ به أموال العباد وأرواحهم عن الحرامية والمعتدين، وقد كان العمل بهذا السور في رجب من سنة 943 هجرية، والانتهاء منه في شهر شوال 950 هجرية. وقد كُلِّف ببنائه الأمير يحيى النصير. 
وفي هذه المدة التي حكم فيها الإمام شرف الدين أمر ابنه مطهر شرف الدين بقلع أشجار القات وإخراج جذوعها وعروقها من بين التراب، فقلعت جميع أشجار القات التي في (جبل صبر)، وبعد زوال دولة شرف الدين وابنه غُرس من جديد في جميع القرى والأودية. 
تم احتلال تعز من قبل الأتراك بدخول عثمان باشا وأخذها من أمراء مطهر شرف الدين بمساعدة رؤساء ووجهاء مدينة (تعز) حين راسلوه واتفقوا معه على أن يفتحوا له (الباب الكبير) عند اقترابه منه، وهو أشار لهم بأن يعتموا بالعمائم السود حتى لا يصابوا بأذى، وكذلك ساعدهم في الدخول من الجهة الغربية من سور المدينة، من (الأجيناد) التي تسمى الآن (الأجينات)، الصوفي جمال الدين محمد مقاتل وأعطاهم سلماً يصعدون به من الجهة الغربية للسور و"باب المداجر" فاعتبرها العثمانيون بشارة خير تساعدهم على أخذ تعز. 
بنى العثمانيون العديد من السمسرات والأسواق والتكايا والزوايا والمشاهد والمساجد الصوفية، وأوقفوا العديد من الأراضي والدكاكين والبيوت لخدمتها، فالصوفية كانوا عونا لهم في احتلال تعز. 
في سنة 995 هجرية توجه الكتخدا سنان إلى الحجرية، لأنها ثارت عليهم ورفضت تسليم الأموال والغلال، ورفضت السمع والطاعة والامتثال، فدخلها قهراً وحاصر (العزاعز) في حصنهم المشهور (يُمين)، ثم توجه إلى بقية بلاد الحجرية ففتك فيها فتكاً وجعلها دكاً دكا، وقبض من أهلها الأموال والعواشر، وهدم أماكن الفساد ورسومها والمآثر، ثم دخل المقاطرة، العاصية المكابرة... قبض الرهائن من كل مطيع وخائن، وختم بأن تكون الرهينة مثلثة العدد، زوجة وبنتاً وذكراً من الولد، بحسب تعبير الموزعي في كتابه آنف الذكر.  

أترك تعليقاً

التعليقات