برفقة الـ500 الريال الملصقة
 

عمر القاضي

عمر القاضي / لا ميديا

خرجت من التخزينة وبجيبي 500 ريال ملصقة مهضمرة وحالة أبوها حالة.
خبطت الطريق رجل وأنا أفكر كيف باستثمرها في شراء طلبات البيت. اقترحت لنفسي أن أشتري بـ150 ريالاً روتي، وعلبة فاصوليا حمراء بـ270 ريالاً. تبقى من المبلغ 80 ريالاً فقط. يا لعينة الجن، طيب وبقية الطلبات؛ كرت النت، والحبة السيجارة والماء الكوثر، وطلبات أخرى إضافية لم تدخل في الحسبة. و80 ريالاً متبقية من المبلغ لن تفي بالغرض.
أحاول إلغاء شراء الفاصوليا، مبرراً ذلك بإقناع نفسي أن تناول الفاصوليا ليلاً خطير على القولون. ومن هذا الكلام الفاضي حق الأخصائيين وغثاء التنمية البشرية.
أقترح استبدالها بشراء طبيخ أرخص، ومكانها مغلقة.
أحياناً الحوشة تجعلك تلغي نفسك، وليس فقط الفاصوليا. وترغمك أيضاً أن تشاهد كل شيء حولك بتذمر وأنه مضر للصحة. 
وعندما يكون الجيب حقك دافئ تأكل حتى الحجر، ولا يحدث أي شيء من هذا الخطر، والتفكير بـ500 الريال غير المجدي، في بلد محاصر، عملته تنهار يومياً، يرافقها ارتفاع جنوني لجميع السلع والأدوية والمشتقات. 
500 ريال تجعلك تكمل الطريق كلها رجل وأنت مشغول كيف بتجيبها دقص.
مرة تقترح تشتري فيها فاصوليا مغطس، ومرة أخرى تلغيها وتشتري بدلها فول مدمس. ومكانها مغلقة.
أنشغل في تقسيم المبلغ هذا حتى أتوقف جوار البقالة. وهناك أناول صاحب البقالة الـ500 الريال المهضمرة. ثم يكتشف عيبها ويعيدها. مع رده غير المطمئن خالص يرد هكذا: شاهدها كيفها ملصقة ومجمعة كل نصف فيها من مكان ومغاير للنصف الآخر.
شاهدتُ عيبها بدا واضحاً. ورددت أيوة. يا لعينة الجن. محاولاً إقناعه.. طيب يا أخي حاول تمشيها بين الزلط حقك، أهم شيء أنها مجمعة من ورقة الـ500 شبيهها، وليست من ورقة أخرى. بتمشي معك. محاولة غير موفقة، مع بائع وجهه شاحب لا يبتسم إلا لعملة الشرعية الجديدة، وينزعج من ورق عملتنا المهضمرة، بعد أن يتفحصها أحياناً يقبلها بثقالة دم، وأحياناً يرفض كما حدث معي بالضبط.
رفض موحش، على إثره يرتفع عندك الضغط فجأة الى 270 درجة، ليوازي سعر الفاصوليا تماماً.
عدت إلى منزلي مفرغ القامة يمشي. مرة أحاول أن أقنع نفسي أن العشاء يومياً ليس جيداً على الصحة، وتارة أتمنى لو أصادف ذاك الشخص الذي ألصق الـ500 الريال بهذه الطريقة المشوهة والاحتيالية. أمانة لألصق أبوه عرض جدار البقالة بعجينة كصورة مرشح ناصري أو اشتراكي ترشح في الدائرة السابعة وخسر.
لا أرد اللوم كله على المواطن المُلصق لعملتنا المهضمرة، وبطريقة تسيء لتاريخ عملتنا التي أصبحت تبعث رائحة غريبة وخطيرة على الجيوب الأنفية والصدر، لكننا ورغم ذلك نحبها كثيراً.
سأعفو عن المُلصق، لأنه يعتبر أحد ضحايا السياسة الدولية والأهداف القذرة التي ينتهجها عدوان محتل وشرعجية مرتزقة لديه تركتنا هنا تحت الحصار والقصف نلصق عملتنا وجراحاتنا. إيش نفعل. الـ500 الريال قرحت جو. وقرح معها العشاء والسيجارة وكرت النت والماء الكوثر والبفك حق أسار ابني، جميعها قرحت جو. تتقرص العافية وتعود إلى منزلك وأنت تشاهد الـ500 الريال المشوهة حقك بزعل وحزن. وكيف أوصلها الحصار والشرعجي عبد ربه والدولار الحقير إلى هذا الحال. دولار دخيل أجهض قيمة عملتنا المحلية، وجعلها ولا تسوى بصلة. حتى الأطفال ماعد يقنعوا بالألف الريال!
الأسعار ترتفع بشكل جنوني. يا أنصار الله يا دولة كيف قارورة المياه الصحية الكبيرة تباع بـ250 ريالاً، والحليب البقري الكبير يباع بـ280 ريالاً. الصباح نشتري الزبادي بسعر، وفي المساء نشتريه بسعر آخر مرتفع.
نشتري روتي ونحزن للحال النحيل الذي وصل إليه، وأصبح حجمه مشابهاً كثيراً لحبة البفك. يا أنصار الله هناك الكثير من المتلاعبين والمستغلين من أصحاب المصانع والتجار الكبار وأصحاب محلات الجملة والسوبرماركت والبقالات الذين يتلاعبون بالأسعار بدون مبرر. فقط مستغلين ارتفاع الدولار والحصار وصمت الجهات الرسمية.

أترك تعليقاً

التعليقات