الحديدة والمؤامرة الأمريكية
 

محمد طاهر أنعم

محمد طاهر أنعم

فاجأنا موقع انتلجينس الاستخباري الفرنسي، بنشر أخبار، نهاية الأسبوع الماضي، عن تنسيق قيادات عسكرية رفيعة المستوى في الجيش الأمريكي، مع غرف عمليات تحالف العدوان السعودي الإماراتي ضد اليمن، وذلك في التنسيق والترتيب والتهيئة لمعركة الحديدة التي شنها تحالف العدوان في الأسبوعين الأخيرين.
وذكر الموقع أن التنسيق حول تحديد مواقع ومخازن عسكرية للجيش اليمني في الحديدة وحولها لاستهدافها، وكذلك التزويد المستعجل بطائرات تجسس ورصد حديثة للتهيئة للعملية.
ومبعث المفاجأة –للكثيرين- أن هذا الأمر ترافق مع تصريحات لوزير الدفاع الأمريكي، وأخرى لوزير الخارجية الأمريكي، بوجوب وقف الحرب في اليمن خلال شهر، وكذلك مشروع قرار تعده بريطانيا بالتنسيق مع الولايات المتحدة، في مجلس الأمن، للدعوة إلى وقف الحرب في اليمن.
يقولون شيئاً ويفعلون شيئاً آخر!
هذا الأمر يدل على أحد شيئين: إما أن هناك لوبيات متعددة في الإدارة الأميركية لها مصالح متناقضة في المنطقة، كما يذكر المعارض السعودي د. محمد المسعري، أستاذ الفيزياء النووية، والمقيم في لندن، فيقول في أكثر من حديث إن الإدارة الأمريكية منقسمة بين لوبي (المجمع العسكري الصناعي الأمريكي) ولوبي (العولمة الذي يتفرع عنه التيار الأمريكي المتصهين).
ولكل لوبي من هذين مصالح كبرى، وتوجهات براغماتية ممنهجة، ويحصل أحياناً بينها تعارض في السياسات والمواقف، وإلى هذا يمكن تفسير إقالة الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، لعدد من الوزراء والمسؤولين (منهم وزير الخارجية السابق تيلرسون)، بسبب تعارض توجهاتهم مع مواقفه بناء على الخلفية اللوبية لكل منهم، رغم انتمائهم لنفس الحزب الجمهوري.
وإما أن يكون هذا الأمر دلالة على النفاق الأمريكي المنسق والمرتب مسبقاً، والمقتضي اتخاذ مواقف سياسية معلنة تتماشى مع الرأي العام ودعوات حقوق الإنسان، وموقف أمريكي خفي وترتيبات غير معلنة مع الدكتاتوريات الفاسدة في العالم الثالث، من أجل تحقيق أهداف ومصالح الأمريكيين، بغض النظر عن المبادئ التي يتشدقون بها ويطبقونها داخل حدود بلدهم فقط.
لقد كان الدعم الأمريكي لتحالف العدوان السعودي الإماراتي على الحديدة، مؤخراً دافعاً لاستماتة السعوديين والإماراتيين ومرتزقتهم المحليين في التقدم وتحقيق أي نصر قبل جولة مفاوضات قادمة يحاول المبعوث الأممي تنفيذها في نوفمبر الجاري أو في ديسمبر القادم بحسب التأجيل الأخير.
كما أنها محاولة للتغطية على الهجوم الإعلامي المتنامي ضد النظام السعودي بعد جريمة مقتل المعارض السعودي جمال خاشقجي في تركيا، قبل شهر من الآن.
وفي النهاية، فإن الاستبسال والتصدي الذي يبديه اليمنيون في الحديدة ضد العدو السعودي والإماراتي ومرتزقته، هو أمر كبير ومذهل رغم فارق الإمكانيات، وقد عبر الرئيس الأمريكي، قبل أشهر قليلة، عن استغرابه من هذا الأمر، بشكل غير مباشر، حين قال إن معركة اليمن تعتبر لغزاً عصياً على الفهم!
وستبقى كذلك إن شاء الله.

أترك تعليقاً

التعليقات