شهادة مفكر عن «الإخوان»
 

محمد طاهر أنعم

نشأت جماعة الأخوان المسلمين سنة 1928 في القاهرة على يد الشيخ حسن البنا ومجموعة من رفاقه، وانتشرت لاحقاً في عدد من البلاد العربية والإسلامية، جاذبة الكثير من الشباب بناء على الشعارات الإسلامية الجميلة.
وتفاوت أداء الإخوان المسلمين في الدول التي تتواجد فيها بين غلبة الإيجابي أو غلبة السلبي، وبين الصدام مع الأنظمة أو العمل السلمي والعلاقة الإيجابية، وبين التطرف في بعض الدول والاعتدال في دول أخرى.
وقد اطلعت على شهادة مهمة عن جماعة الإخوان المسلمين ومسيرتها في الأربعينيات والخمسينيات الميلادية أيام مرشدها الأول المؤسس حسن البنا ومرشدها الثاني حسن الهضيبي، وهذه الشهادة من شخص محب للجماعة في بدايتها، كان يحضر لقاءاتها ودروسها، ويعرف الشيخ حسن البنا جيداً، وهو صديق للشيخ سيد سابق (أحد المفتين في الجماعة وصاحب كتاب "فقه السنة" المشهور والمعظم لدى الإخوان) وكذلك صديق للشيخ محمد الغزالي العالم المشهور الذي كان عضواً في الإخوان المسلمين سابقا قبل أن يتم فصله لاحقا إبان حملة الخلافات والانشقاقات في الإخوان المسلمين المصريين في الخمسينيات.
صاحب هذه الشهادة هو الأديب والمفكر والداعية الكبير خالد محمد خالد رحمه الله، صاحب الكتب الكثيرة المشهورة، والذي كان لها صيتها وتأثيرها الكبير في مصر والعالم العربي في السيتينيات والسبعينيات والثمانينيات، ومازالت لها قيمتها ومكانتها حتى اليوم لدى كثير من المتابعين، وهي كتب فكرية ودينية وأدبية.
شهادته تلك جاءت في كتابه "قصتي مع الحياة" في فصلين تحت عنوان: "لقائي بالإخوان المسلمين)" و"فذكر إن نفعت الذكرى".
وقد نصحني أحد الإخوة قبل أشهر بالاطلاع على تلك الشهادة، فبحثت عن الكتاب حتى وجدته، وقرأت بتمعن، وهو موجود بنسخة (بي دي إف) على النت للتحميل المجاني لمن يشاء.
تحدث المفكر خالد محمد خالد في الفصل الأول عن حسن البنا، مادحاً إياه، متحدثاً عن إيجابياته وأوصافه الجيدة ونشاطه وإخلاصه وهمته، وتحدث عن ترافقه مع الشيخ سيد سابق لحضور محاضرات البنا والسفر معه لبعض المناطق للدعوة، ومرافقة الشيخ الغزالي لهم أحياناً، وعن عدد من مشاهداته حينها.
ثم تحدث في الفصل الثاني عن الخطأ الكبير الذي وقع فيه الإخوان المسلمون فجعلهم يتصادمون مع المجتمع ويصيرون خطراً على أنفسهم وعلى الآخرين بشكل متكرر ودائم.
وذلك الأمر هو تشكيل التنظيم السري للإخوان، أو ما يسمونه التنظيم الخاص، وهو تنظيم يرتفع لديه منسوب التعصب والاندفاع، ويبدأ في التصادم مع الآخر المخالف دائماً، وهذا ما حصل منذ أيام حسن البنا الذي أنشأ ذلك التنظيم فبدأ في الصدام منذ بداية الأربعينيات مع الأحزاب السياسية في مصر، ومع الحكومة ورموزها، وقرر حمل السلاح والتوجه لاغتيالات للمخالفين.
وتطورت اغتيالاته المتكررة منذ سنة 1945 حتى وصل لاغتيال رئيس الوزراء المصري النقراشي باشا سنة 48 بسبب أمره بحل جماعة الإخوان بعد سلسلة اغتيالاتها السابقة، وهذا الأمر الذي أدى لاغتيال الأجهزة الأمنية في نفس العام للشيخ حسن البنا انتقاما لقتل رئيس الوزراء.
واستمر التنظيم السري لاحقا في سياسات الاغتيال في العهد الملكي حتى سقوطه سنة 52، ثم استمر في أيام الثورة والجمهورية وحاول اغتيال الرئيس عبدالناصر، وتمرد التنظيم الخاص على المرشد الثاني الهضيبي، كما كان يتمرد سابقا أحيانا على حسن البنا، وصار يجر الجماعة للصدام والدمار والسجون والمعتقلات والإعدامات، دون أي فائدة إيجابية، كما في خلاصة شهادة الأستاذ خالد محمد خالد.
وللأسف الشديد فإن هذا العمل التنظيمي العسكري هو الذي يسيطر على الإخوان المسلمين في عدد من الدول العربية ويدفعها للصدام الفاشل والمسلح، مثل سوريا في السبعينيات والثمانينيات، وقد صادف أنني سمعت في الأسبوع الماضي شهادة أخرى للأستاذ معاذ الخطيب (الزعيم السوري المعارض السابق) في إحدى القنوات الفضائية (البي بي سي) والذي أكد على خطأ الإخوان المسلمين في اندفاعهم العسكري غير المدروس في تلك الفترة في سوريا.
ويبدو أن اليمن مثال صارخ لإشكالية الاخوان المسلمين وجناحهم العسكري الذي يصادم جميع الخصوم، وتعز شاهدة اليوم على صراعهم السابق مع الدولة اليمنية، ثم مع السلفيين، والآن مع الناصريين، والحبل على الغارب.

أترك تعليقاً

التعليقات