الفنكوش في زمن العدوان
 

عبد الحافظ معجب

عبدالحافظ معجب / لا ميديا

من المسؤول عن إغراق الرأي العام بالقضايا الجانبية؟ ومن يتحمل المسؤولية أمام تحول اهتمامات الناس من القضايا الوطنية والهامة إلى القضايا التافهة والسطحية، والتي أصبحت تحظى بالاهتمام الأكبر؟ الحكاية كلها تشبه (الفنكوش) الذي كان يروج له الفنان عادل إمام في فيلمه (واحدة بواحدة)، قبل أن يكتشف الجميع في النهاية أنه لا يوجد شيء اسمه (الفنكوش).
فهل الصور الدعائية أمام المحلات تستحق أن نخلق منها موضوعاً يتداوله الجميع من شعب وحكومة؟ وهل وصلنا لهذه الدرجة من السطحية لأن تعقد أمانة العاصمة اجتماعات مخصصة لمناقشة صور فساتين الأعراس غير المحتشمة؟ وهل قضية الغناء في صالات الأعراس تستحق أن نناقشها لأكثر من سنة، ونبحث عن قوانين تضبط مخيمات الأعراس وقاعات الزفاف؟ وهل الوقت والظروف مناسبة لأن نقضي أوقاتنا في النقاش حول الكافيهات ومحلات تدخين الشيشة، وهل هي شرعية أم مخالفة للشرع؟ وهل انتهت كل القضايا المجتمعية والمطلبية حتى تتفرغ أمانة العاصمة للبحث عن المطاعم العائلية، وتغلقها بدعوى دخول الزبائن رجالاً ونساءً من باب واحد، ونسمي هذا اختلاطاً وفسقاً ومجوناً؟ وغيرها من الأخبار التي شغلت الجميع، وجعلت الكثير ينسى أننا لا زلنا نعيش في زمن العدوان والحصار وقتل النساء والأطفال، والطابور الخامس والفساد الذي ينخر مؤسسات الدولة.. ماذا حدث؟ وما الذي يحدث حتى نستبدل قضايانا الرئيسية بتوافه الأمور؟ ومن الذي يجر الرأي العام ويدفعه إلى هذا الأمر؟ 
للإجابة على هذه التساؤلات، علينا أن نضع سؤالاً كبيراً: من الذي خلق هذا النوع من القضايا؟ ولا داعي لأن نسأل عن أغراضه وأهدافه، لأن الإجابة معروفة، فالذي يدفع بالناس الى هذه الزاوية هدفه معروف، ودوره في خدمة العدوان واضح وجلي، ولا داعي لاتهام (المفسبكين)، لأن مواقع التواصل الاجتماعي من (فيسبوك) و(تويتر)، لا تتحمل أية مسؤولية تجاه الترويج لبعض القضايا التافهة. الإشكالية ليست إشكالية إعلامية، ولكنها إشكالية حكومية، فالذي يخلق هذه القضايا ويحركها ويثيرها في أوساط المجتمع، هو من يتحمل المسؤولية.
ارتبط مفهوم الحرب الإعلامية بالحرب النفسية، وذلك من خلال خلق أزمة عامة على نحو متزايد، من خلال إيجاد ثغرات في نظام الحكم يترتب عليها شن حملة إعلامية ذات استراتيجية مدروسة، تهدف إلى تهديد ونسف الأمان المجتمعي والاستقرار اليومي للفرد، وتهديد حياته اليومية التي يفترض أنه يمارسها بشكل طبيعي، بهدف تعزيز حالة الفوضى وعدم الاستقرار المجتمعي، وخلق صورة نمطية معينة عن السلطة الحاكمة حتى تتزايد حالة الغضب تجاهها، ويسهل إسقاطها من قبل المجتمع.
وهنا يأتي دور السلطة السياسية وأجهزتها الأمنية في البحث عمن يقف وراء تهديد الأمن المجتمعي، ويخدم أجندة العدوان بإضفاء صورة (داعش) على نظام الحكم القائم في البلاد، فهل يقبل (مشاط السياسي الأعلى) أن يعمل بعض الموظفين الصغار في أمانة العاصمة على تنميط السلطة بأنها جزء من مشروع داعش الذي يضيِّق على حياة الناس وحرياتهم الشخصية، ويلاحق أصحاب المطاعم والمقاهي بدعوى الاختلاط، وهل سيتقبل ساسة البلاد وقادة ثورتها هذه التصرفات الهوجاء التي تصرف الناس عن مواجهة العدو الذي يتربص بصنعاء في نهم، ولا يزال يحاصر الحديدة، ويتهدد ميدي ومأرب والجوف، وتشغلهم بقضايا سطحية..؟

أترك تعليقاً

التعليقات