الحكم في تصور الزيدية 1-2
 

محمد ناجي أحمد

"ليس الإمام منَّا من أرخى عليه ستره، وإنما الإمام من شهر سيفه" (زيد بن علي).
تميز اليمنيون على المستوى المذهبي بالتسامح، فيما بينهم وفي مواقفهم من معتنقي الأديان الأخرى. وفي ما ينقله لنا الدكتور أحمد قائد الصايدي في كتابه "المادة التاريخية في كتابات نيبور عن اليمن"، الصادر عن دار الفكر – دمشق، 1990م، سجل نيبور انطباعه عن تسامح اليمنيين تجاه الفرق الدينية الأخرى والأديان المختلفة. وقد "سجل انطباعه هذا عبر العديد من المقارنات، فالشيعة والسنة في كل من إيران وتركيا لا يطيق بعضهم بعضا، ولا يصلي أتباع مذهب في مساجد المذهب الآخر. أما اليمنيون فلم يؤثِّر اختلاف المذاهب في علاقاتهم، وليس هذا وحسب، بل إن اليمنيين لا يكرهون أتباع الأديان الأخرى".
الإمامة في الفكر الزيدي مرتبطة بـ"السيف"، أي الثورة والخروج على الحاكم الظالم كشرط للإمامة. "يمارس (الإمام) الاجتهاد في نطاق النص الخالص متحرراً من الوصاية المرجعية لأهل البيت، 
الثورة السبتمبرية بين كماشة (الجنادل) ومطرقة (العاصفة)
وهو موقف إسلامي صحيح من حيث المنهج والموضوع، لأن النص في الإسلام طليق من كل أنواع الوصاية والكهنوت، لا يعرف الأسرة الحاكمة" على مستوى التفسير، كما لا يرحب بها على مستوى الحكم والسياسة" (عبد الجواد ياسين: السلطة في الإسلام، المركز الثقافي العربي، 2000م، ص96).
لا يختلف تصور الزيدية للحكم عن التصور السني في التاريخ العملي للصراع السياسي. فما ذكره الماوردي في "الأحكام السلطانية"، وهو توصيف للتاريخ السياسي وليس تنظيراً للمثال، نجده لدى الزيدية في اليمن. 
 استعرض الماوردي آراء الفقهاء في هذا الموضوع فسرد ما قالوه من أن الإمامة تعقد للرجل الذي سبق منافسه بأخذ البيعة من الناس، أو أن تحسم الإمامة بالقرعة بين المتنافسين، أو أن يتنازل أحدهما للآخر طلبا للسلامة وحسماً للفتنة، ليختار أحدهما أو غيرهما. كذلك قالت الزيدية ما يشبه كلام الماوردي، إلاَّ أنهم أضافوا الأفضلية من حيث شروط الإمامة من علم واجتهاد وشجاعة وسخاء، وقد بدؤوا بأربعة شروط ثم تكاثرت مع الزمن لتصبح 14 شرطاً.
لكن واقع الصراع السياسي على السلطة في اليمن لم يكن يخضع لهذه المفاضلات، وإنما إلى السيف، الذي يردي خصمه قتيلاً أو سجيناً، وهو الأعم الأغلب، مع وجود استثناءات لبعض من دعا لنفسه بالإمامة ثم انسحب لغيره لأنه رآه أعلم منه وأفضل.
لم تكن إدارة شؤون الرعية تخرج عما قاله ابن خلدون في "مقدمته" عن السياسة العقلية التي "يحمل عليها أهل الاجتماع هي لسائر الملوك في العالم من مسلم وكافر، إلاَّ أن ملوك المسلمين يجرون منها على ما تقتضيه الشريعة الإسلامية بحسب جهدهم، فقوانينها إذن مجتمعة من أحكام شرعية، وآداب خلقية، وقوانين في الاجتماع طبيعية، وأشياء من مراعاة الشوكة والعصبية، ضرورية" (محمد عابد الجابري: في نقد الحاجة إلى الإصلاح، 2005م، ص215).
صحيح أن المثال السياسي للزيدية قام على شروط يجب أن تجتمع للداعي إلى نفسه بالإمامة، لكن الواقع التاريخي للممارسة العملية فيه تنوع، ابتداء من تصور الإمام يحيى بن الحسين الذي بدأ حكمه منذ 285هـ، وانتهاء بالإمام محمد البدر الذي انتهى حكمه في 26 سبتمبر 1962م إثر ثورة أطاحت بنظامه. لم يشترط الإمام يحيى بن الحسين في الإمامة سوى الخروج على الحاكم الظالم وتحقيق العدل والتوحيد. وعلى ذلك جاءت المطرفية (نسبة لمطرف بن شهاب)، فلم تقل بحصر الإمامة بالبطنين، وإنما في الأقدر والأفضل في تحقيق العدل والخير للناس. وهو قول على النقيض منه ما قال به الإمام عبد الله بن حمزة، الذي مارس القتل والتفسيق والتكفير لكل من لم يسلم بالإمامة في البطنين. وهنا كانت المطرفية هي الامتداد لمدرسة الهادي يحيى بن الحسين، الذي لم يقل باحتكار السلطة في البطنين، ولم يفسق أو يكفر من لم يقل بالإمامة والوصية، فقد كان فكره متماثلاً مع المعتزلة، وكان يعين القضاة من الحنفية على الجهات والنواحي التي تخضع لسلطته. ولهذا يرى البعض أن المطرفية هي الأكثر التزاما بنهجه الكلامي وموقفه من الخلفاء.
ترى الباحثة سلوى علي قاسم المؤيد، في رسالتها المقدمة لنيل درجة الدكتوراه، أن مذهب الإمام الهادي يحيى بن الحسين تميز بـ: استقلاله بمذهبه في الأصول والفروع، ومخالفته زيد بن علي، وسائر علماء عصره، انطلاقا من أفكار شيخه أبي القاسم البلخي البغدادي المعتزلي.
إن أساس الإمامة في الزيدية هي الدعوة، وتثبت بالعقل والاختيار. 
تطورت الإمامة الزيدية في اليمن بحسب مقتضيات السلطة وتدبير الملك، بمعنى أنها لم تكن فكرا جاهزا وإنما تدويناً لمسار تاريخي في اليمن. ومن هنا كان التباين والاختلاف بين الأئمة وأفكارهم، وهو ما يجعل رؤية الدكتور عبد الكريم جدبان للإمامة على أنها ليست أصولية قطعية، وإنما مسألة اجتهادية، مما يعني أنه لا يترتب على منكرها أن يفسق أو يكفر، امتداداً لهذه المدرسة التي تثبت الإمامة بالعقل والاختيار. وعلى هذا النهج كانت إمامة يحيى بن حمزة في القرن الثامن الهجري والإمام عز الدين بن الحسن في القرن التاسع الهجري والإمام محمد حميد الدين ويحيى حميد الدين والإمام أحمد ومحمد البدر، يحكمون وفق مقتضيات السياسة لا قطعيات المذهب. وبحسب المطرفية فإن "الإمامة تقوى".
بحسب الباحثة سلوى علي قاسم المؤيد في بحثها سابق الذكر فإن الموقف من فكر الإمام الهادي يحيى بن الحسين انقسم إلى رأيين: فالمطرفية لا ترى في الإمامة أصلاً من الأصول، كما لم يؤمنوا بأن الله أوجب للأئمة مثل الذي أوجبه للأنبياء، فلا الخطاب القرآني يؤيد هذا القول الذي تزعمه بعض الزيدية، ولا واقع الممارسة السياسية المعاشة للأئمة في اليمن يعززه. ويأتي على النقيض من هذا الموقف ما سار عليه الأئمة: القاسم العياني وأحمد بن سليمان وعبد الله بن حمزة وآخرون.

أترك تعليقاً

التعليقات