أقواس النصر
 

طاهر علوان

طاهر الزريقي / لا ميديا -

صمود شعبنا، وانتصاراته، أسقطت الاعتقاد الخاطئ بأن أمريكا هي التي تحدد مصير الشعوب والثورات، وأن بإمكانها اعتقال الثورات التي هي في طور الخروج عن إرادتها. هدف أمريكا من العدوان على اليمن إخضاع ثورة أيلول للإرادة الأمريكية والسيطرة على قرارها السيادي، حيث عبأت دول الاستعمار الامبريالي بأكمله، وفرضت على أدواتها في المنطقة لحصر مجهودها، وسلاحها، واقتصادها، ومالها، وحقدها الدفين مرة واحدة، ودفعة واحدة، كي لا تستجمع ثورة أيلول أنفاسها، ولكي لا تدع لأفكارها فرصة الانتشار، واتهمتها بالتوحش والتخلف والإرهاب، وغالباً ما تعتمد واشنطن ربط تلك الاتهامات بدول اختارت طريق التحرير والنضال كالثورة الكوبية وفنزويلا وإيران، لأن تلك الشعوب أرادت أن تستعيد حقوقها في الأرض كما في الاستقلال، في الاقتصاد كما في السياسة، في الحرية كما في العقيدة، لا أكثر ولا أقل. 
صمود شعبنا وانتصاراته كشفت الوجه القبيح والبشع للنظام السياسي الأمريكي وأدواته في المنطقة، الساعي للتحكم في مقادير الشعوب، ومستقبل الأمم، والهيمنة على حضارتها وثقافتها، واستخدام شعوب العالم كرهائن لقوانين النظام العالمي الذي تقوده أمريكا. 
أمريكا هي الكابح الحقيقي أمام حركة تحرر الإنسان في العالم كله، والعدوان الكوني على اليمن حلقة من حلقات ذلك الصراع الذي يخوضه شعبنا بكل فئاته وطوائفه للخروج من دائرة الإملاءات الأمريكية الإمبريالية، والنضال من أجل أفول القطب الواحد من الساحة العالمية.
لو انتهجت ثورة أيلول سياسة الرضوخ، والاستسلام، والتنازل عن الثوابت، والركوع عند أقدام من اعتدى عليها، وجعلت استقلالها السياسي المعلن مجرد شكل لا مضمون وواجهة تخفي وراءها علاقات الماضي بكل أبعادها وتفاصيلها، لحظيت بما حظي به البعض من مساعدات وأسلحة، أما وقد وضعت موقعها ودورها وفكرها موضع الصدام مع الامبريالية، والصهيونية، فإنها بذلك (خالفت) توجهات الدول الكبرى.
خيارنا، ومواقفنا واضحة وثابتة، وبصمودنا أفشلنا كل مخططات العدوان الكوني البائس، واقتربنا من الانتصار النهائي بفضل القيادة الشعبية الحكيمة ومسيرتنا الثورية التي تصنع وترسم البدائل والخروج من منطق "الأمر الواقع" وحساباته الضيقة، والانتقال إلى "الأمر المتوفر" وإمكاناته؛ الإرادة والعزيمة وخيار الصمود والمثابرة، والنضال اليومي، والتصدي والتصعيد والخيار المستقل عن ظروفه المحلية والجغرافية، إنها المعادلة التي أسقطت موازين القوى التقليدية بالرغم من كل المعطيات المادية التي كانت تشير إلى استحالة انتصارنا على العدوان والتحالف الكوني نظراً لوجود كثافة بشرية وسلاح حديث، وتقنيات متطورة، مقابل سلاح متواضع وإمكانيات شحيحة، بل إن كل المعطيات كانت تقول بهزيمة مروعة.
انتصاراتنا عظيمة استمدت عظمتها من المثال الذي اجترحته: الشهادة، ذاك هو مثال شعبنا المجاهد الصامد في لحظة انتصار دمه المراق على جلاديه، لا بوصفها لحظة خلوده، بل أيضاً لحظة انفتاح التاريخ أمام خلاص الشعب اليمني، فقد لا يستقيم الخلاص إلا بالدم، وما كان لشعبنا أن يملك أكثر من دمه كي يهبه غير عابئ بتحكم موازين القوى، لأن التوازن الحقيقي يكمن في معادلة أخرى، وهي الإيمان في مواجهة السلاح، والحرية في مواجهة العبودية والوصاية.
دماء شعبنا هي الواحة التي أزهرت فيها الانتصارات والحرية. 

أترك تعليقاً

التعليقات