رئيس التحرير - صلاح الدكاك

صلاح الدكاك / لا ميديا -

يقدم خطاب سيد الثورة في ذكرى استشهاد السيد القائد، إجابة عملية شافية لسؤال يتهامس به البعض خفية: كيف خَلَفَ عبدالملك الحوثي أخاه حسين الحوثي في قيادة المسيرة، وتبعاً لأي معيار؟! 
التمثُّل الحي والعملي للمشروع القرآني الذي يتمظهر للعيان في شخصية وسلوك وقرارات سيد الثورة، بدءاً من أحلك منعطف في "2004 عقب استشهاد السيد حسين"، ووصولاً إلى راهن العدوان الكوني على اليمن كأكثر المنعطفات حلكة على الإطلاق.. هذا التمثُّل المنظور لطيف المراقبين أنصاراً وخصوماً ومحايدين، هو الإجابة على سؤال الخفية حول طبيعة العقد المنظم لتداول قيادة المسيرة القرآنية بين خلفٍ وسلف وبين سيد الثورة السيد القائد أبو جبريل والشهيد القائد المؤسس السيد حسين رضوان الله عليه..
لا يمكنك أن تقف - بطبيعة الحال - عند نقطة من نهر دافق، فتشطر انسيابه إلى سابق ولاحق وخلف وسلف، وتجزم أن دور تسليم من نوعٍ ما قد حدث عند هذه النقطة، بحيث أخذ ما يليها من ماء دافق شكلاً وهوية وصفاتٍ مغايرة لما قبلها من ذات ماء النهر الذي يشبه حاله إلى حد بعيد نهر المسيرة القرآنية في اتصالها بالنبع المحمدي، وفي جريانها من الأنساغ الزاكية للشهيد القائد السيد حسين إلى الأنساغ الزاكية لسيد الثورة عبدالملك الحوثي، بوصفها مجرى واحداً موصول الوشائج، وبوصف هذه الوشائج فوق قربى الدم، وإن كانت جرياناً في الدم ذاته، كما وفوق ذهنيات التداول التقليدي لمقاليد الحكم والرئاسة والزعامة في المفهوم السياسي المحض.
إنه صدق التولِّي لمشروع قرآني في مضامير عملية تتكشف في خضم تحدياتها مستويات الصدق والكفاءة وجدارة القابض على الدفة بهذه القيادة من عدم جدارته، فيغدو موقع المتولي للمشروع موقع غرم حقيقي لا طاقة لذوي الأنفس الهيابة الميالة إلى الدعة، به.. موقع فضَّاح لعزائم الرجال ومقادير إيمانهم بمقتضياته كموقع الإمام علي عليه السلام في حرب الخندق، إذ برز لمقارعة "عمرو بن عبد ود العامري"، بينما جبن أكابر الفرسان من المسلمين عن البروز، لا لقلة حيلة حربية لديهم، ولا انعدام دربة ومراس عسكري، وإنما لأن إيمان علي كان محمدياً صرفاً وصلباً مطلق الوثوق بنواميس الله، فكان ساعده - تبعاً لذلك - فتاكاً، وضرباته مميتة ناجعة رغم حداثة سنه، وبهذه القوة الإيمانية الفارقة ذاتها، أمكن للإمام علي أن يردي "مرحب" ويقتلع "بوابة خيبر"، وقبلها أن يضطجع في فراش رسول الله في مكة لحظة عزمه على الهجرة إلى يثرب.
لكل ذلك آلت لسيد الثورة قيادة المسيرة القرآنية وولاية المؤمنين بمشروعها، كما آلت للإمام علي الإمامة على المؤمنين إلى أبد الآبدين، في حين وقعت إمارة المسلمين نهباً للتداول بين مستحق ومغتصب لها عنوة لا طوعاً ولا شورى.
لم يكن سيد الثورة أبو جبريل، وهو يلملم شمل من تبقى من جماعة المكبرين بالصرخة، عقب استشهاد السيد القائد حسين رضوان الله عليه.. لم يكن أكبر الرجال سناً ولا أقواهم شكيمة، بل كان فتى يافعاً مصاباً بالربو تختلج روحه بإيمان لا يضاهيه إيمان، وتتقد بصيرته بوعي لا يناظره وعي، وتسري في عروقه شكيمة لا تبزها شكائم كل الرجال مجتمعة، فأمكنه لملمة الشمل الثائر المؤمن، وخوض 5 حروب دفاعية ضروس في مواجهة ترسانة حرب غشوم تشنها سلطة الوصاية برديف من ممالك وإمارات النفاق، ورعاية عميمة من الشيطان الأكبر: الولايات المتحدة الأمريكية..
واليوم، فإن المشروع هو ما يتمظهر في خطاب سيد الثورة لذكرى استشهاد السيد القائد، بما يجعل جمهرة المشاهدين يعجزون عن استحضار رابطة قرابية بين المتكلم وصاحب الذكرى، لغلبة رابط المسار الإيماني وتماهيه فكراً وعملاً لدى القائدين، وهذا هو بعينه معنى قول الله عز وجل: "إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَ?ذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا ? وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ"، وقوله تعالى في آية أخرى: "قالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ? قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي ? قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ".
إنها "مسؤولية أهل البيت" التي بسطها الشهيد القائد في سلسلة محاضرات، وخصَّها بالعنوان الآنف، حتى لا يلتبس العهد بالذرية، بل بموجبات هذا العهد وزكاء نفس حامله، الأمر الذي يجعل من مزية الانتساب لأهل البيت حملاً ثقيلاً لا ينهض به إلا أهلها حقاً..
إن إحدى النبتات الاستعمارية التي استزرعتها بريطانيا وفرنسا، وتباركها أمريكا وإسرائيل اليوم، بوصفها رافعة لمصالحهما، هي نبتةُ "هاشمية النسب" التي يحكم المتلطون خلفها مملكتين كأميري مؤمنين ينحني الرعايا لتمسيد وتقبيل ركب صغار ذريتيهما، وينحنيان هما لتمسيد رُكب الغرب الاستعماري من باريس إلى لندن وواشنطن، متخمين بالطاعة المطلقة لأوامره ونواهيه بوصفها عهداً على رقابهم كابراً عن كابر منذ "نابليون وبلفور ولورانس العرب".
فبأي دافع جهنمي رمى الغرب الاستعماري ولايزال يرمي بكل ثقله لاجتثاث "مسيرة الشهيد السيد حسين" بالأمس واليوم؟ ولماذا يمقت الغرب هاشمية هذا الأخير وحامل لواء المسيرة بعده السيد عبدالملك، في الوقت الذي ينظم الغزليات السياسية المطولة في هاشمية الشرق الأدنى والمغرب؟!
ببساطة، لأن هاشمية المسيرة هي هاشمية العهد المحمدي، لا هاشمية عهد الطاغوت ووصايته وهيمنته، ولأنها ولاية النهوض بالأمة من حضيض هوانها ودرك تبعيتها لعدوها، إلى معراج زكائها القرآني ديناً ودنيا وسياسة واقتصاداً وعسكرة وثقافة وفكراً وعملاً وحرية واستقلالاً وكفاية ذاتيةً وإنتاجاً وعصامية ومبادرات مقتدرة لإعمار الأرض بالخروج من ظلمات الطواغيت إلى أنوار ولاية الله وأوليائه الحادين لمسيرة الانعتاق من رق العوز الآدمي في حظائر المستكبرين إلى الغنى بالله والسعي في مناكب أرضه الواسعة المنذورة للمستضعفين الكادحين في سبيله رفضاً لعبودية غيره، واعتصاماً بحبله طياً لحبائل سواه من الجبابرة مهما بدت وثيقة ومضمونة المنعة، فكل من عز بغير الله ونواميسه الحاكمة للوجود والموجودات، ذل، كحال المشيخات العربية الرابضة على بحيرات نفط، والذليلة حد مباهاة ملوكها بكونهم أبقاراً حلوبة في المزرعة الأمريكية..
لقد فرز فرقان صرخة البراء القرآنية المحمدية الحسينية، واقعنا اليمني الموات في كنف الوصاية، إلى مسارين: أن نكون أو تكون أمريكا ولا نكون؛ فامتازت الشعارات الزائفة من الحقة الوازنة، وامتاز عبدة بلاط الوصاية عن عشاق الحرية، والمتاجرون بأنواط الوطنية عن الراسخين في تربة الوطن الغيورين عليه المنحازين لشعبه المستضعف الحر.. وما تسميه معامل التضليل الفكري والإعلامي اليوم "فتنة ماضوية طائفية نفخت الحركات الدينية فيها الروح"، و"حرباً أهلية بين الإخوة"، هي إحالات تدليسية لجوهر وطبيعة الصراع من واقعه المنظور إلى التجريد تمويهاً على سفور المدير التنفيذي الأمريكي والصهيوني في مسرحه عياناً، بالضد لشعبنا وبلدنا وحقنا في الحرية والاستقلال، كما وسفور انحياز تجار الدين والوطنية والقومية والاشتراكية من يمنيين وعرب ومسلمين إلى ضفته كأدوات ينتظمها مشروعه المعادي للأمة.. في مقابل سفور المشروع القرآني المحمدي عياناً كعمود فقري للمستضعفين، ورافعة للآدمية الحرة بمستويات وجودها المتعددة تدرجاً من الوطني إلى القومي إلى الديني فالإنساني الفسيح.
ما كان هذا الفرز الصحي، رغم كلفته وتبعاته، ليتمظهر بهذا الوضوح للعيان لو أن فرقان صرخة البراء لم يضرب بعصا الوعي والفكر والموقف بحيرة الركود والاستكانة الأحادية الآسنة، فتنفلق إثره زبداً جفاءً ونفعاً ماكثاً، في أُتون جدلية صراع قديمة قِدم البشرية، وليست وليدة "فتنة ماضوية" حد معامل التضليل.
إن غضب أدعياء الحداثة على "الحركات الدينية" ليس غضباً موجهاً ضد كل حركة بالعموم، وإنما يستهدف تحديداً ما شذَّ من هذه الحركات على صراط أمريكا المستقيم، وخرج عليه نشأة وفكراً ومساراً ثورياً، فاستوجب غضب المدير التنفيذي وغضب أدواته بالنتيجة.
إن "اشتراكية الأمانة العامة للحزب الاشتراكي اليمني" هي نسخة طبق أصل من "هاشمية ملك الأردن وأمير المؤمنين محمد السادس"، بحساب التبعية للهيمنة الأمريكية ومشروع التعبيد والوصاية الامبريالية الكونية، ولا فرق في هذا المصاف بين "ياسين نعمان وأبو بكر البغدادي" و"برهان غليون وأبو مصعب الزرقاوي".
في المقابل، فإن "تشافيز ومادورو" هما رفاق درب أصلاء لـ"السيد حسن نصر الله والسيد عبدالملك الحوثي"، وخصوم ألداء لـ"رفاق عاصفة العدوان الأمريكي الصهيوني" بجدلية الصراع الراهن ذاتها..!
إن ما يلوح كشرخ "بين الإخوة" على طرفي الاشتباك في اليمن، هو عملية فصد مفيدة وقاسية للفاسد من الدم والنقي منه، ولإخوة التراب والقضية العادلة وإخوان أمريكا، كحصيلة لسطوع صرخة البراء في العتمة الموارِبة لحقيقة توجهات ومواقف التيارات والحركات والمكونات الوطنية واليسارية والعلمانية والدينية في اليمن والجزيرة العربية وعموم المنطقة، وأما اقتتال الإخوة وتناحرهم فكان قائماً كمشروع للوصاية، وكان مخططاً له أن يأتي على كامل النسيج الاجتماعي اليمني باسم الأقلمة كرؤية استعمارية تفتيتية، قبل أن تجهضها ثورة أيلول الأنصارية بوعيها القرآني المحمدي الذي أوقد جذوته سيد الشهداء حسين الحوثي..
إن سبيل الحرية يخضر ويبرعم ويرحب منفسحاً اليوم عن أفق خلاص أممي بفعل صرخة صاحب هذا المثوى الشامخ في أعالي "مران - صعدة"، بما هي نفخة روح خلاقة في موات تاريخ الأمة، وأما سبيل الرق والعبودية فيذوي ويضمحل عياناً بما هو خروج على قوانين حركة التاريخ وفطرة الله التي فطر الآدمية عليها، مهما اكتظ وتزاحم السائرون فيه...
"اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ? وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ? أُولَ?ئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ? هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ".

أترك تعليقاً

التعليقات