قحصة سوداني
 

عمر القاضي

عمـر القاضي / لا ميديا -

كل ما أصادفه يسألني: كيف الوضع يا عم عمر؟!
شوفوا هذا الأصوع! تكون أنت وهو تعيشوا سوا بالعاصمة وبنفس الشارع، وتحت القصف والحصار، وأنت وهو بدون رواتب ولا إغاثات، ومستأجرين، وبدون تلفزيونات، إذا صرفوا نص راتب يبلغني هو ونذهب سوا نستلم، صرفوا غاز عند العاقل نذهب أيضاً سوا لنطوبر، إن نزل مطر نتبلل سوا... حتى في حملات التلقيح حق الحصبة نلقح للجهال سوا... ايش عد باقي غير هدا الوضع حتى يسألنا صديقي عن الوضع بشكل عام عندما أصادفه؟!
سؤال موحش كهذا لا أدري من أين أرد عليه، ولا أعرف ما الذي يريده بالضبط! أحدثه عن آخر المستجدات، وبالأخير يرد عليك: ما عد درينا كيف!! حدثته عن المجزرة الأخيرة حق سعوان، ولا أعرف إن كان متعاطفاً أو مرحباً، فتقاسيم وجهه متشابهة في الحزن والفرح أيضاً. أي شي أحدثه فيه، سواء كان مجازر وإلَّا في الرياضة أو في الاقتصاد... بالأخير يرد بنفس العبارة الجامدة حقه: ما عد درينا كيف!
بالله عليكم، شخص مثل هذا تكلمه عن مجزرة واضحة ارتكبها التحالف القذر في سعوان، ويرد عليك: ما درينا كيف! أمانة يكلفك تسوق أبوه ملطام عشان يعرف أنك تحدثه عن جريمة بشعة، مش عن قضية شائكة تعرقلت في المحكمة الجزائية، حتى يرد بعبارته المقيتة والمحايدة: "ما درينا كيف"!
 عبارته الباردة والعقيمة هذه التي تسد النفس من الحديث، أرغمتني أن أنتقل لأحدثه عن ثورة السودان، وكيف انقلب الجيش السوداني عليها باعتقاله للبشير وإغلاقه لجميع مؤسسات الدولة وفرض فترة انتقالية لمدة سنتين... لقد تفاجأت وهو يتفاعل لأول مرة وبشكل غير مسبوق!
بدأ يمدح بإفراط مبالغ فيه الشعب السوداني الذي يريد أن يلحق بقية الثورات العربية السابقة التي ما شاهدنا بعدها أي خير، بثورته التي قوضها الجيش السوداني. 
لقد انتقل صديقي يمدح السودان كمساحة وأرض خصبة، ثم انتقل يمدح المعلمين الذين درسونا وقحصونا أيضاً في مرحلة الثمانينيات والتسعينيات داخل المدارس. 
أذكر أنه قال إنه لولا المعلمين المصريين والسودانيين لما كملنا الدراسة. الجميع يتذكر ايش كانوا يدرسونا السودانيين والمصريين! يدرسونا منهج مصري بحت، وكأنك طالب مصري من الصعيد! بالله عليكم ما دخل أفكاري أنا كيمني أحفظ عرض وطول نهر النيل وتضاريس مصر؟! بالله عليكم ما دخلنا بالأهرامات وخفرع ومقرع ومسرع والمومياوات الملطوشة من المومياوات اليمنية؟! بالله عليكم ما دخل أبوه الطالب اليمني ليحفظ النشيد الوطني المصري، وعلى إثره يُلبج من المعلم المصري لما يطير الغبار. 
صديقي قال: لولا هم لما درسنا! الله لا عاد درسنا ولا تعلمنا ما دام التعليم على يد خفرع المصري ومسرع السوداني! ما زلت أتذكر الرعب الذي كان يصدره المعلم عبد المنعم السوداني مدرس مادة الإنجليزي. كان بعد أن يكلفك بقراءة قطعة فارغة من كتاب الـ"وورك"، يقترب منك وهو فاتح فمه الموحش، ليقف جوارك ينتظر متى ستخطئ لأجل يثبت رأسك ويقحصك بالرأس قحصة معلم سوداني مغترب باليمن منذ عشر سنوات، لأجل القحص فقط! وأنت تخيل القحصة كما تشاء يا صديقي! كله يهون إلَّا أن يدرسك أجانب تاريخ وحضارات بلدانهم، بدلاً عن تاريخ وحضارة بلدك، ويزيدوا يقحصوك بالرأس قحصة تشوه راسك، على إثرها تروح تحلق صلعة لإخفاء ذلك التشوه الذي أحدثه معلم سوادني أجعد الشعر.

أترك تعليقاً

التعليقات