عن السعودية والسيادة اليمنية
 

محمد ناجي أحمد

(السلطة لا تفسد الرجال، وإنما الأغبياء، إن وضعوا في السلطة، فإنهم يفسدونها) جورج برنارد شو.
منذ أن تم تنصيب هادي رئيساً بقرار من الكيان السعودي ومبايعة جماعية من أفرقاء النظام (السلطة) وما يسمى خطأً المعارضة، لأن النظام في اليمن متعدد الرؤوس، أصبح الامتثال للكيان السعودي ليس له سقف، مما أتاح للسعودية أن تدمر كل منجزات ثورة 26 سبتمبر، فلا سيادة ولا جيش ولا تنمية ولا وحدة وطنية، وتفتيت للوحدة اليمنية، واحتلال الأرض والبحر والجو، وجعل اليمني عدو اليمني لعقود قادمة، سواها الإرادة الحرة المستبسلة في صمودها والمصرة على استعادة الذات اليمنية مكتملة دون نقصان، محلقة في غاياتها نحو التحرر العربي المناوئ للاستعمار الغربي وأدواته...
لا أريد أن أوغل في التاريخ لأعود إلى حرب 1934م، ودخول الأمير فيصل بن عبد العزيز، محتلاً للحديدة، ولا أريد أن أتحدث عن موقف السعودية من حركة 1948م، ورفضهم دعم الحركة رغم المؤشرات والوعود التي أرسلوها لبعض قادة 1948م، من إمكانية الدعم قبل قيامهم بحركتهم! بل لقد كان غضب الملك عبد العزيز مثيراً لرعب الوفد الذي ذهب إليه ممثلاً للإمام (عبد الله الوزير)، لقد كانت طريقة قتل الإمام يحيى حميد الدين، بتلك البشاعة، حين تعرضوا له في الطريق، ورموه بما لا يقل عن 200 رصاصة، تبقت 50 رصاصة في جسده، إضافة إلى قتل حفيده، ورئيس وزرائه، والسائق، كل ذلك كان ذريعة للملك عبد العزيز، كي يظهر غضبه!
لقد كان نهج السعودية مع كل حركة سياسية، أو انقلاب في اليمن، سواء انقلاب 1955م، أو ما يسمى الثورة السبتمبرية المشهورة بالمباركة، يقوم على أساس الانتقاص من السيادة اليمنية، فحركة 48م جعلت الإمام أحمد أضعف من أبيه، وأطوع للسعوديين، وكذلك كانت نتائج انقلاب 1955م، انتقاصاً أكثر للسيادة، واستقلالية القرار اليمني، سواء تجاه السعوديين، أو تجاه البريطانيين...، وحين استطاع حلفاء حركة 5 نوفمبر 1967م، وبوقوف السعودية معهم، إسقاط الرئيس (عبد الله السلال) ونفيه من اليمن، أسست الحركة جمهورية، هي من أضعف الجمهوريات استقلالاً في القرار السياسي، وحين ضاق الرئيس عبد الرحمن الإرياني ذرعاً بهيمنة السعودية على القرار اليمني، من خلال ذراعها المشيخية في اليمن، ورفض أن يتماشى مع هيمنتهم على القرار اليمني، بما يتجاوز قدرته على التنازلات المستمرة، كان انقلابهم عليه بواسطة الشيخ (عبد الله بن حسين الأحمر) الذي أدار الانقلاب من غرفة نومه، حسب وصف الشيخ (سنان أبو لحوم)..
وكان الشيخ سنان، وأقرباؤه هم الممسكين بمفاصل الجيش وقتها، مما سهل الانقلاب، وكذلك الإتيان بـ(إبراهيم الحمدي)، نائب القائد العام، متوهمين أنه سيكون طوع بنانهم، والرجل بما يمتلكه من خبرة تنظيمية، اكتسبها من (الديمقراطيين الثوريين)، وبتواصله مع الناصريين، في زيارته إلى مصر، قبل الانقلاب، ولقائه بعيسى محمد سيف، الزعيم الناصري الشاب آنذاك، استطاع أن يخدع الجميع، إلى أن تولى الرئاسة، وبعدها تنبه السعوديون من خلال تقارير الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، وعبد الملك الطيب، وسنان أبو لحوم، ومجاهد أبو شوارب، وآخرين، إلى أن الحمدي في علاقة شراكة مع المشروع الناصري، وأنه أكثر خطورة على السعودية، في موضوع السيادة واستقلال القرار اليمني، والتنمية اليمنية! مما جعلهم يتخذون قرار اغتياله، ولم يكتفوا بذلك، بل واصلوا الاغتيال للرئيس (أحمد الغشمي) الذي وافقهم على اغتيال (الحمدي)، لكنه أراد استبعاد ذراع السعودية المشيخية، في الحكم، فكان قرار اغتياله أيضاً!
لقد قامت السعودية بتصفية كل الرموز التي أرادت سيادةً وذاتاً يمنية مستقلة، سواء حين اغتالوا محمد علي عثمان، الرافض لتجديد اتفاقية الطائف، أو اغتيالهم لمحمد أحمد نعمان، في لبنان، أو اغتيالهم لعبدالله الحجري، رغم أنه كان وراء تجديد اتفاقية الطائف، لكن بما يحقق سيادة اليمن، لا أن ينتقص منها، فالحجري حين تولى إبراهيم الحمدي الرئاسة، كان من أشد المناصرين له، ولقد قام بإقناع بعض زملائه الرافضين لتولية الحمدي للرئاسة، مع ذلك تم تلفيق تهمة قتل الحجري والنعمان الابن ضد الرئيس إبراهيم الحمدي، كما لفقوا قبلها اغتيال عضو المجلس الجمهوري (محمد علي عثمان) ضد اليسار، وحكومة الجنوب!
لقد كان الحجري من الأركان الأساسية الداعية إلى السيادة، والحفاظ على الذات اليمنية، وهو الشأن الجامع لكل من الرئيس (عبد الرحمن الإرياني، ومحمد علي عثمان، ومحمد أحمد نعمان، وإبراهيم الحمدي، وأحمد الغشمي)...
ليس لدينا ترف الاختيار، فإما أن نكون يمناً حراً مستقلاً ذا سيادة على بره بحره وجوه، يمناً بجيش قوي وتنمية مستقلة ووحدة وطنية، ويمناً يسعى لوحدته العربية.. أو لا نكون.

أترك تعليقاً

التعليقات