الشاعر الكبير حسن عبدالله الشرفي لــ(لا) :
ادّعاء الحياد في هذه المحرقة ادّعاءٌ مدفوع الثمن..والصورة البائسة لليسار تتجلى في الرياض

يحتارُ قارئه من أي نوافذه الإبداعية يُطل.. هل يبدأ (من الغابة)؟ أو يشيرُ إلى (أصابع النجوم)، أو يتوقف بُرهةً ليتذوق (ألوان من زهور الحب والبن)، ويتأمل (سهيل وأحزان الجنتين)، أم يصغي (للبحر وأحلام الشواطئ)، أو ينتبه لما (تقول ابنتي)، أو يواصل (الطريق إلى الشمس)، و(كان حفر الباطن)، ليفاجأ بـ(الهروب الكبير)، فيصمت مبتهلاً أمام (عيون القصيدة) و(عيون القصائد)، ليغوص في (شُعب المرجان)، ويناغي (بنات الثريا)، فيتغنَّى بـ(صهيل الورد) ويسعد بـ(كائنات الوصل)، ليبحث في (نصف المعنى) ويقف بهدوءٍ لـ(حديث الليل).. إلخ دواوينه التي أثرت المكتبة الشعرية محلياً وعربياً، حيثُ يعتبر من أهم القامات الشعرية اليمنية في القرن العشرين، تميّز بغزارة إنتاجه الأدبي، ومقدرته الفذّة على تطويع اللغة، لدرجة أن قارئه باتت لديه القدرة على معرفة القصيدة ليقول: هذه للشاعر حسن الشرفي، قبل أن يعرف اسم شاعرها، فيطلق عليها بجدارة القصيدة (الشرفية) على غرار القصيدة (النزارية)، وتلك ميزة لا يمتلكها إلا من أسسوا مدارس شعرية خاصة بهم، وتركوا بصمة في عالم الشعر والإبداع الفريد.. 
كتب للوطن وللسواقي والحقول والجداول، كتب لزميلة (المرعى) التي ألهمته وألهبت مشاعره وخياله، فكانت قصائده الرائعات، تغنّى بكل مَواطن الجمال وقضايا الحب بأبهى صوره، ولم يغفل قضايا أمته ووطنه، فتجده سباقاً إلى كل ما يُشغل الرأي العام. أخلص للقصيدة حتى النخاع، فبادلته الوفاء بالوفاء، تفرّغ لها وخصص جل وقته معها، تبتل في محرابها من وقتٍ مبكرٍ ومازال حتى اللحظة، شاعرٌ تعجزُ أن تحتويه السطور. إنه الشاعر حسن عبدالله الشرفي، زارته صحيفة (لا) ودردشت معه، فخرجت بحصيلةٍ هي عُصارة فكره وخبرته الطويلة مع القصيدة والحياة..  
 مجدداً يسعدني القدر بلقائكم، حيث كانت المرة الأولى عبر صحيفة (الثقافية) في منتصف العقد الماضي تقريباً، كيف تصفون الحركة الشعرية من تلك الفترة حتى الآن؟
سأتناولها بإيجاز من عام 1990م حتى عام 2010م، فأقول إنها كانت فترة الإبداع في الشعر خاصة، وبالعودة إلى ما أثمرته المطابع وفي ما تحقق في صنعاء عاصمة الثقافة عام 2004م، نجد ما هو مفيد وجميل.. كذلك وبنسبة جيدة في القصة وما جادت به الصحف وصحيفة (الثقافية) تحديداً.
 دكوا الجبالَ وزلزلوا الأركانا ـ هيهات أن نستشعرَ الإذعانا.. قصيدة ذاع صيتها مؤخراً عبر قناة (يوتيوب) بعنوان (أيها الجبناء).. كيف تقيمون الإنتاج الشعري المحلي في ظل العدوان؟
الإنتاج الشعري المحلي عام 2015م وما بعده، سار على خطين، خط الفصحى وخط العامية.

 ما تقييمكم لليسار بعد أن كان في مواجهة الإمبريالية وارتمائه في أحضان الرجعية العربية؟
كما هو معلوم بالضرورة، فإن لليسار في بلادنا بكل مسمياته، وعبر نضاله المزعوم، مواقف لا يحسد عليها، ومن شبَّ على شيء شاب عليه، وعند (الرياض) وغير الرياض كل الصور البائسة لهذا اليسار.

 قلتم في إحدى مقابلاتكم الأخيرة (لو بيدي لألغيتُ ثلاثة أرباع من الأدباء).. ما الذي استفزكم لقول ذلك؟
لم تكن الإجابة على ذلك السؤال حينها مقتصرة على الأدباء وحدهم، فقد شملت سواهم ممن كانوا غارقين في مستنقع التماهي مع الفساد والسكوت على من فيه وما فيه.

 برأيكم لماذا يجنح بعض الشعراء إلى (موقف الحياد) في ظل الظروف الحرجة التي يمر بها البلد؟
الله المستعان.. العدوان يذبح كل شيء في هذا البلد، ويدمر ويحرق الأخضر واليابس.. وتقولون لي هناك من يجنح إلى موقف (الحياد)؟ ادّعاء الحياد في هذه المحرقة هو ادّعاءٌ مدفوع الثمن، وسيأتي الزمن ويكشف كل الصفقات المقيتة.
 
 ظهرت مؤخراً أصوات شعرية شابة جديدة، ما تقييمكم لدورها كجبهةٍ جديدة لمقاومة العدوان؟
نعم هي جبهة جديدة وفاعلة لمقاومة البغي والعدوان الذي لا مبرر له.. وما (توكلنا على الله بالبلاجيك) و(ما أهجم أهجم) والعشرات مما سمعنا ونسمع إلا الوجه الحقيقي لرجال الرجال في الميدان.

 (أنت جنبي ورنات الوتر).. (ليتني في جباكم عصفري).. (مساك بالخير مساك وصبحك بالمحبة).. وغيرها من روائعكم الغنائية التي انتشرت بين الفنانين.. هل تقدم إليكم أحد المنشدين بإنشاد زواملكم المواكبة للظروف الحالية، كنوعٍ من الأدب الشعبي المقاوم الذي فرض نفسه بقوة على المرحلة الراهنة؟
لم أكتب زوامل طيلة الفترة من عمر عامٍ ونصف من يوم جاء الغزاة ومعهم التحالف من كل دول العالم. وحقيقة أنا أجد نفسي في ما كتبت ونشرت صحيفة (الثورة).

 ما أسباب اشتهاركم بالفصحى رغم أن لكم قصائد بالعامية جميلة جدًا؟
حقيقة أنا موجود بالفصحى وبالعامية بشكل متساوٍ، بدليل أن الدراسات تناولت هذا وذاك باهتمام جيد.

 من وجهة نظركم ما سر تألق (الزامل) في هذه المرحلة عما سبق، كون المراحل النضالية السابقة (كثورة 26 سبتمبر) و(14 أكتوبر) و(الجلاء)، تألقت معها الأناشيد الوطنية غالباً على ما سواها من ألوان الفن الشعبي؟
كان الزامل السبتمبري وزوامل الوحدة متألقة في حينها وفي مرحلتها تلك بشكل لافت.. ولكن الزامل الآن زاده تألقاً أكثر هذا الجمهور العريض الطويل في الشارع وفي البيت، مدفوعاً بضرورة حمل السلاح والدفاع عن الأرض والعرض.

 عودة إلى المحور الأبرز.. مواقف (النُّخب) من العدوان، هل كنت تتوقع مواقف أدباء ذهبوا مع العدوان؟ ما رأيكم في ذلك؟
بالأساس لم أكن أتوقع حصول العدوان أبداً، لأنه لا توجد مشكلة مع الجيران المعتدين، ولم يحصل أن اعتدينا في الحدود وفي غير الحدود. بعد بداية العدوان بأسابيع نعم توقعت وقوف بعض المحسوبين على الأدب إلى جانب المعتدين، وهذا ما حصل.

 حياتكم الشعرية مليئة وزاخرة برصيدٍ أثرى المكتبة الشعرية، كيف هي علاقتكم بالشعراء؟
أجبت على هذا السؤال في أكثر من حوارٍ بالصحف، وعلاقتي بالجميع لم تتغير، وإن كانت نظرتي قد تغيرت بسبب مواقفهم ضد الوطن.

 (زميلة المرعى).. (الشاهل).. (المحابشة).. (المفتاح).. (جبال الشرفين).. وأنتم تقفون على شاطئ مرحلةٍ عمريةٍ ثرية بغزارة الإنتاج الذي طالما تغنّى بتلك الربوع في قصائدكم وروائعكم الخالدات، هل مازلتم تحنّون إليها بنفس ذلك المستوى؟
الحنين إلى تلك البقاع هو الحنين الذي كلما تقدم به العمر كانت لواعج الشوق أكثر رغبةً في البوح.

 الوقوف بين يدي شاعرٍ عظيم بحجم حسن عبدالله الشرفي، ومدرسة متفردة من مدارس الشعر، جعلني أحتار بوضع الأسئلة، ما هو السؤال الذي تمنيتم طرحه عليكم ولم أتطرق إليه؟
كل ما قل وَدَلَّ فيه كل الفائدة، أتمنى لصحيفتكم كل التوفيق، مع خالص التحيات لكل العاملين بها، وهي بوجه أخص للرائع المجاهد الأستاذ صلاح الدكاك. 
واخترنا لقراء (لا) قصيدة عنوانها (بذاكرة المرعى)، من آخر ديوان صدر للشاعر عنوانه: (حديث الليل).. 


بذاكرة المرعى
كأي فمٍ مليءٍ بالمياهِ
ومن باب الفضول كتمتُ آهي
ورحت مع القريب من التلاشي
وقربتُ البعيد من التماهي
ولم أنطق بحرفٍ من كتابي
وكل الأبجدية في شفاهي
قرأتُ بنصف نومي نصف حلمي
وأجلتُ القصيدة لانتباهي
وحين صحوتُ من صحوي بدا لي
بأني قاب نجمٍ من تماهي
إلى أن أدركتني ثرثراتي
بشيءٍ من يقيني واشتباهي
هناك دنوتُ من أمني وخوفي
ومن بعض الأوامر والنواهي
ومثل ابن اللبون طرحتُ حالي
على رَفِّي بمالي لا بجاهي
دخلتُ حديقة الحيوان يوماً
وفيها المعريات من الملاهي
وكنتُ قريبَ عهدٍ بابن آوى
وشُلّته وكان بها يُباهي
وجدتُ حليمة الأولى أمامي
ومازالت عوائدها كما هي
رجعتُ إلى زماني مطمئنًا
وفي بالي _ إلى أجلٍ_شياهي
لمحتُ جوانبَ المرعى يباباً
وصغراهن تهتفُ: يا إلهي
وما في النفس إلاّ كيف كانت
مع الأيام ناعمةَ الجباهِ
لقد طال الشتاءُ فليس فيه
سوى ما في المسالخ من دواهي
تزوجها رجال الله منّا
فقلنا: بالبنين وبالرفاهِ
وما كانوا رجال الله إلاّ
لأن الطرف في الحارات ساهي
ونحن نريدُ أن نلقى مُنَانَا
 (بباقي كشمةٍ وبكوب شاهي) 
تساوينا قديماً في خطانا
ونحن الآن نعجز أن نضاهي
هنا لغةٌ مع الأيام أخرى
تمدُّ الصوت في كلِّ اتجاهِ