3 ملايين طفل محرومون من الالتحاق بالمدرسة
العائل الصغير: من مقاعدِ الدراسة إلى إعالةِ أسرة!


ترك العدوان جروحاً غائرة، تحتاج عشرات السنين لمعالجتها، حيث وصل حقده الدفين إلى تدمير المدارس على مستوى اليمن، مما أدى إلى تسرّب الكثير من التلاميذ؛ إما بسبب تدمير المدارس، أو بسبب فقدان عائل الأسرة، سواءً في جبهاتِ الدفاعِ عن الوطن، أو أثناء قصف طيران العدوان الذي لم يفرق بين أهدافٍ مدنية وعسكرية... فيما تؤكد تقارير جديدة أن عدد التلاميذ الذين تركوا مقاعد الدراسة بلغ 3 ملايين طفل باتوا محرومين من الالتحاق بالمدرسة... وأضاف التقرير أن نحو 2.9 مليون طفل آخرين مهددون بالتسرّب في حال لم يحصلوا على المساعدات، ما يعني أن 78% من الأطفال سن التعليم لن يكونوا قادرين على الالتحاق بالمدرسة، إذا لم يتم إيجاد الحلول ومساعدتهم على العودة إلى مقاعدِ الدراسة..
لا يوجد غيري
نزلت (لا) إلى بعض الجولات التي يوجد فيها أطفال بعمرِ الزهور حملوا على عواتقهم إعالة أسرهم، حيث يمارسون عدداً من الأعمال كبيع المناديل الورقية، أو المياه الصحية، أو البيض المسلوق، وغيرها من الأعمال الأخرى التي تفاقم أعداد المتسربين من مقاعدهم الدراسية وتضعهم في خانة عمالةِ الأطفال، حيث معظم أولئك الأطفال يذهبون للبحثِ عن أعمالٍ لا تتوافق مع أعمارهم الصغيرة، ناهيك عن حرمانهم من حقهم في التعليم..
(عاصم)، 15 ربيعاً، يحملُ بين كفيّه مناديل ورقية ويبيعها في إحدى الجولات بالعاصمة، يحكي لـــ(لا) بمرارةٍ عن حُلمه الدراسي الذي تبخَّر رغماً عنه، كما يقول: إذا لم أبع المناديل الورقية، وآتِ كل صباح إلى هنا، ستهلك عائلتي من الجوع، فليس لديهم غيري يوفر لهم ثمن الخبز والإدام، ومساعدتها في الاحتياجات الضرورية، فوالدي استشهد أثناء قصف طيران العدوان لمصنع (إسمنت عمران)، وهو يؤدي عمله هناك، وأنا الوحيد بين 4 شقيقات.
(عاصم) تمنى أن يحقق حلمه في مواصلةِ تعليمه مهما وقفت الظروف في وجهه وقذفت به إلى عمالةِ الأطفال. ويعد عاصم أنموذجاً يؤكد أنه ليس معظم المتسربين من التعليم برغبتهم، وإنما ظروف عائلية أجبرتهم على ذلك.

كِسرةُ الخبز.. والعائل الصغير
يرى مراقبون أن ظاهرة عمالة الأطفال تتسعُ بصورةٍ مخيفة في اليمن بسبب العدوان والحصار والأوضاع الاقتصادية السيئة التي يمر بها البلد نتيجتهما، والتي أجبرتهم على نسيان طفولتهم من أجلِ لقمةِ العيش.. وفي ما يبدو أن الآلاف من الأطفال في مختلف المحافظات حسموا مستقبلهم بالانضمام المبكر إلى سوق العمل، بعيداً عن حلم التعليم، وتحت ضغط الأوضاع المعيشية المتردية في البلد، والحصار الاقتصادي منذُ بدء العدوان، ويجوب آلاف الأطفال أزقة المدن اليمنية يومياً لبيع البضائع الرخيصة مقابل مردود يومي لا يتجاوز 500 ريال في معظمِ الأحوال، وغالباً ما يكون ذلك المبلغ الصغير، المختلط بألمِ الطفولة الضائعة، من نصيب الأسرة التي تنتظر عودة الأب الصغير مساء كل يوم.
ويمتهن بعض هؤلاء الأطفال مهناً شاقة تضر بصحتهم وأجسادهم الصغيرة، كالعاملين في ورش الهندسة الميكانيكية، واللحام، والكهرباء، والنجارة، أو رش المبيدات الزراعية التي تؤثر على الجهاز التنفسي، وتسبب لهم عدداً من الأمراض، وهو ما يمثل انتهاكاً صارخاً لحقهم في الحياة.

لقصف المدارس والنزوح
 دور في المشكلة
يؤكد مختصون في مراقبةِ الوضع التعليمي أن قصف العدوان للمدارس في مختلف المحافظات، وكذا النزوح بسبب قُرب بعض المناطق من خط النار، أسهم بشكلٍ كبير في تفاقمِ عمالةِ الأطفال، وتسرّبهم من المدارس، حيثُ بلغت المدارس التي تم تدميرها جزئياً وكلياً 1643 مدرسة، في حين أغلقت 1621 مدرسة في مختلف المحافظات، وهنا يتطلبُ من القائمين على العمليةِ التعليمية إيجاد حلول عاجلة لإنقاذ 3 ملايين طفل سيكونون خارج أسوار المدارس، كذلك المنظمات الدولية التي تدعو لإبعاد الأطفال عن العمل في السن الصغيرة وغير المتناسبة مع أعمارهم، عليها أن تساعدهم في العودةِ إلى مقاعدِ الدراسة، وتقوم بمهامها ودورها الذي أشغلت الدنيا والعالم به.

وللفتيات نصيبٌ من التسرّب!
فيما يكون تسرّب الإناث لأسبابٍ غير الأسباب المعروفة للذكور، وأغلبها تتعلقُ بوعي الأسرة بالدرجةِ الأولى، إذ بعض الأسر تكتفي بتعليم الفتاة إلى الصف السادس فقط، وذلك بحجة أن المرحلة الإعدادية تطلبُ إدارة المدرسة صوراً شخصية للتسجيل، فيجعل الأغلبية من أولياء أمورهن يوقفون تعليم بناتهم عند صف سادس... مثلما أوضحت لـ(لا) سهير (16 عاماً) التي تحكي بغصةٍ وألم: خرجت من المدرسة بعد إكمال سادس ابتدائي، فقد عارض والدي وإخوتي مواصلة تعليمي بحجة أن المرحلة الإعدادية فيها صور تكشف الوجه، حسب تعبيرها. تواصل: حاولتُ إقناعهم أن ذلك أمر طبيعي لكل من يتعلمن، إلا أنهم رفضوا رفضاً قاطعاً أن أواصل تعليمي، وقالوا لي: (البنت ما لها إلا الزوج أو القبر)، وهاأنذا أعمل في المطبخ ليل نهار دون رحمة، ولم يصغِ أحد لتوسلاتي الموجعة لتحقيق حلمي ككل فتاة واصلت تعليمها.
إضافة إلى حالة (سهير)، بعض الأسر تُخرج الفتيات من مقاعدِ الدراسة بحجةِ أن الأم لا يوجد من يساعدها بأعمال المنزل والحقل، وهذه أغلبها تكون في المناطقِ الريفية وأطراف بعض المدن، والقليل منهن يتسرّبن بسبب الحالة الاقتصادية للأسرة.

منعطف أخير
تلك إذن صور من معاناة أطفالٍ بعمرِ الزهور باتوا خارج أسوارِ المدرسة، يبحثون عن أحلامهم الضائعة..
3 ملايين طفل على مستوى اليمن عدد مهول، ويحتاجُ لوقفة جادة من قبل جهاتِ الاختصاص، وإعادتهم إلى مقاعدِ الدراسة ليواصلوا رسم صورة جميلة لوطنٍ يحتاجُ لأهم شريحةٍ ستعيدُ بناء ما هدمه الأعداء الذين يتربصون باليمنِ شراً، ويستهدفون مدارسه وجامعاته، بغية تجهيله، وضياع مستقبل أبنائه، ولكي يفوّت عليهم هذا الشعب الأسطوري الصامد فرص ذلك، على المعنيين بالأمر الاهتمام بإعادةِ المتسربين إلى مقاعدهم التعليمية، وإيجاد الحلول بأقرب ما يمكن.