أجواء مخيفة تخيم على مدينة تعز منذ سيطرة العصابات على مساحات داخل المدينة، فتهم التجسس والعمالة، سريعة وجاهزة، بين فصائل المرتزقة المتناحرة، تحولت معها حياة المواطنين إلى جحيم، يشتعل بنيران الارتياب، فقد على أساسها أناس كثيرون حياتهم. والقتل أمر يحدث وفق أي تصورات قد يعتقدها هذا الفصيل أو ذاك ضد المواطنين المستضعفين.
ألغام الخوف تنتشر في كل مكان
 كثرة التهم جعلت حركة الناس معقدة بألغام المخاوف، في مناطق سيطرة العصابات داخل مدينة تعز، بسبب التوتر السائد بين العصابات، وانتقالك من حي إلى آخر يجعل الجماعة المسيطرة على ذاك الحي، تمحص في وجهك قبل أن تبادر إلى توقيفك ثم اعتقالك في حال لم يعجب كلامك من يستجوبونك، فقد تتهم بأنك جاسوس لصالح عصابة أبو العباس، ضد عصابات الإصلاح، وقد تحتجز بتهمة أنك جاسوس لصالح عصابات الإصلاح ضد أي فصيل من فصائل المرتزقة المتعددة داخل المدينة.

المزيد من الموت المتربص
من تعز وردت أبشع قصص القتل في الآونة الأخيرة، لطفل ابتسم عندما مرت جواره سيارة تحمل مسلحي عصابات التحالف، فأردوه قتيلاً لأنه ابتسم، وإحراق، وسحل للجثث، قتل معاقين وتقطيع أطرافهم بأيدي العصابات، وفي تعز تقتل النساء ويعثر على جثثهن ملقاة في ممرات السيول، أما جثامين الرجال التي يجدها الأهالي فقد أصبحت أمراً عادياً، من كثرة جثث القتلى الذين يرمى بهم في ممر السيل، ليكتشف الأهالي وجود الجثث صباحاً، بينما يكتفي أهالي الضحايا بالدعاء على القاتل المجهول، قبل دفنه بصمت، بدون أن يجرؤوا على البحث عن القاتل خوفاً من انتقام العصابات، وفي الساعة الـ5 عصراً يجب على جميع النساء البقاء في البيوت، بعد أن كثر الاختطاف والقتل للنساء.
وفي الأسبوع الماضي تطورت عملية الاغتيالات داخل المدينة باستخدام مسدسات كاتمة الصوت، قتل فيها مرافق مدير مصلحة الهجرة المعين من قبل حكومة فنادق الرياض، وأصيب أحد العاملين في مجال الإغاثة، في جريمتين منفصلتين، ويعتقد الأهالي أن تزويد العصابات بكواتم الصوت، سيسهم في إقدام العصابات على ارتكاب المزيد من جرائم التصفية ضد بعضها، واغتيال المواطنين.

يشتبك المسلحون ويقتل المشاة
اندلاع الاشتباكات النارية بين المجاميع المسلحة داخل مدينة تعز، أصبح أمراً يومياً يحصل على أتفه الأسباب، فقد يتشاجر شخصان ينتميان للعصابات فيقوم أحدهما بإغلاق الشارع مستعيناً بأفراد مسلحين من جماعته، وعندما يحاول فصيل آخر فتح الشارع، تحدث اشتباكات عنيفة بين الطرفين، ضحاياه في العادة أشخاص عابرون.

المرتزقة يستولون على تفاصيل الحياة
الأماكن القليلة التي كان يمرح فيها الأطفال مثل حديقة جاردن سيتي الكائنة في العرضي، والنادي السياحي (المنتزه)، أغلقت بسبب المبالغ الضخمة التي فرضتها العصابات على أصحاب هذه الأماكن وأصبحت مستعمرة للعصابات، وتحولت مقرات الأندية الرياضية إلى ثكنات لعصابات المرتزقة، العمارات الكبيرة استولى عليها القياديون في عصابات المرتزقة، ويجبر المستأجرون فيها على دفع الإيجارات للمرتزقة رغم وجود ملاكها الحقيقيين الذين عجزت مساعيهم عن تخليص أملاكهم من العصابات.
أكبر مدارس المدينة اصبحت ثكنات لتجمعات العصابات، وسجوناً، ومخازن للسلاح الذي تتلقاه عصابات المرتزقة من دول تحالف العدوان.
أما المقاهي التي كانت تعج بالنقاشات والآراء المتنوعة، فقد أصبح الناس يقعدون فيها مثل الرجال الآليين، وعليهم أن يغدقوا بالمدح على العصابة التي تسيطر على المنطقة، والويل ثم الويل لمن سيحاول حتى التلميح بتذمره من الأوضاع داخل المدينة، فالجميع متوجسون من الجميع، خوفاً من الوشايات التي يدفع الناس ثمنها سجناً وتنكيلاً حتى إن كانت وشايات كاذبة.

البعض نجا من إعدام محقق
 قصة (خ.ع.ص) تمثل نموذجاً عن حكايات أشخاص نجوا من إعدام محقق، فقد عايش (خ.ع) أياماً عصيبة عندما ألقت به العصابات في سجن مكتب التربية، بتهمة العمالة (للحوثيين)، وحكم عليه بالإعدام، لكن بالمصادفة تعرف أحد أفراد السجن على (خ.ع)، وبادر إلى الاتصال بمعارف السجين من قيادات المرتزقة.
الوساطات والمال الذي دفعه (خ.ع) الذي يعمل في التجارة، أنقذه من إعدام محقق، وفي ليلة الإعدام، تشاجر وسيطه القيادي مع قيادي آخر كان يصر على الإعدام.
 قبل الفجر والصراخ يملأ المكان بين العصابات حول الإفراج عن (خ.ع) أو إعدامه، فتح أحدهم باب السجن وأمره أن يغادر. لم يصدق السجين، خرج إلى الساحة والدماء جامدة في عروقه، خطا عدة خطوات باتجاه البوابة المفضية للشارع، وهو يعتقد أن أحدهم سيطلق عليه النار ويرديه قتيلاً، وكانت تلك الخطوات أطول مسافة قطعها الرجل في حياته، وبمجرد أن أصبحت قدماه في الشارع خارج أسوار المكتب (الثكنة)، أخذ يركض ثم يركض، لايحمل سوى نصف روح، والنصف الآخر كان قد قتل في السجن رعباً في انتظار لحظة الإعدام، غادر (خ.ع.ص) مدينة تعز، وبدأ يمارس نشاطه التجاري من منطقة الحوبان، وقد أقسم ألا يعود لبراثن الموت، بعد أن نجا من الإعدام بتهمة لا علاقة له بها.
المدينة تعج بقصص كثيرة عن أشخاص فقدوا حياتهم، بناء على وشايات وهمية، لكنهم لم يكونوا يمتلكون المال والواسطة.

مجرمون يديرون الأمن
وسط هذا الركام من المعاناة لا يوجد فصيل يريد أن يبرهن أنه الأجدر بثقة الأهالي، فكل فصيل يعمد إلى التمادي أكثر في ممارسة القهر واستضعاف المواطنين، الذين أصبحوا بلا معين، ولا أحد قادر على وضع حد للفوضى المتزايدة، مجاميع حزب الإصلاح قامت بتعيين أشخاص عرفوا بالإجرام، مدراء للأمن، تنظيم القاعدة الذي يدعي إقامة الشريعة الإسلامية، قام بتعيين لطف العزي قاضياً شرعياً للتنظيم، مع أنه عرف بكونه أحد أكثر كتبة محكمة استئناف تعز فساداً.

من الاحتماء إلى الانغماس
القهر الذي تقوم به عصابات المرتزقة ضد الأهالي، دفع بكثير من الشباب للانخراط مع العصابات، هرباً من بطشها عبر الاحتماء بها، بعض الشباب ما يزال مكتفياً بالانتماء للعصابات بغرض الاحتماء، لكن البعض الآخر أخذ مع الوقت في تبني مواقف متعصبة مع الجماعة التي انتمى إليها.

الفصائل المتناحرة تقصف المدينة
على الناس داخل المدينة أن يعيشوا حالة ضغط نفسي على مدار الوقت، فرضته أجواء التوتر السائدة بين فصائل المرتزقة ضد بعضها، فعصابات المرتزقة تتبادل الاتهامات بالتخاذل في المواجهات مع الجيش واللجان الشعبية، وينظر كل فصيل من المرتزقة للآخر بأنه مجرد جماعة للجريمة وممارسة النهب والسلب على المواطنين، وقد تنامت حالة التعبئة العدائية مع الوقت إلى درجة دفعت كل مجموعة من عصابات المرتزقة إلى وضع المتاريس الرملية في أماكن سيطرتها، خوفاً من بقية الفصائل، حيث قامت جماعة أبو العباس ـ على سبيل المثال ـ بإغلاق الأزقة التي تؤدي إلى داخل المدينة القديمة، ولم تترك سوى معبرين في باب الكبير يمكن المرور خلالهما سيراً على الأقدام من وإلى المدينة القديمة، أما معابر السيارات على أطراف المدينة القديمة فهي تخضع لحراسة شديدة، وتفتيش دقيق، والأمر نفسه يطبقه كل فصيل على حدة في الأماكن الخاضعة لسيطرته، خوفاً من التعرض للاقتحام من قبل فصيل آخر من المرتزقة.
 وقد وصلت هذه التوترات حداً غير مسبوق، الجمعة قبل الماضية، عندما تعرضت حارات المسبح والضربة والتحرير الأسفل لقصف عنيف من مدفعية (أبو العباس) لم تعرف له المدينة مثيلاً من قبل، بعد أن تنازعت عصابات أبو العباس مع العصابات التابعة لحزب الإصلاح للسيطرة على شارع ديلوكس من أجل الاستحواذ على الجبايات الباهظة التي تفرضها العصابات على بائعي القات وأصحاب المحال التجارية في هذا الشارع الواقع وسط مدينة تعز.

السلع نقداً لتعز وليس بالآجل
الشركات التي كانت تتخذ من مدينة تعز مقراً رئيسياً لها، غادرت المدينة بعد تسيد العصابات، وتدير أعمالها حالياً من المدخل الشرقي للمدينة الواقع تحت سيطرة الجيش واللجان الشعبية، وترفض الشركات المجازفة ببيع بضاعتها بالآجل للتجار المتبقين داخل أماكن استحواذ العصابات، نظراً للأوضاع المضطربة داخل المدينة، والتي لايستطيع أحد ضمان أن يتحصل أموال تجارته لاحقاً.

الدفع أو السطو المسلح
تنتشر حالات السطو المسلح على محلات التجار، وخصوصاً في الأماكن التي تسيطر عليها مجاميع حزب الإصلاح، مما اضطر التجار إلى استئجار مسلحين ودفع أجور كبيرة لهم مقابل خدمات الحماية من عمليات السطو، وهناك الكثير من القصص عن تجار قتلوا وآخرين أحرقت محلاتهم ومخازنهم بسبب رفض التجار زيادة المبالغ التي تطالب بها عصابات المرتزقة ثمناً للحماية، بينما احتلت العصابات مباني الشركات الكبيرة مثل شركات هائل سعيد أنعم، وجعلتها مقراً لها.

زفاف بلا فرح
تجيد عصابات المرتزقة صناعة الأحزان لأهالي المدينة، وتخنق الأفراح، فلم يعد الناس قادرين على الاحتفال بالأعراس كما كانوا سابقاً، وفي مناطق سيطرة (أبو العباس) يمنع الناس من الغناء والرقص فرحاً بالعريس كما جرت العادة، وعند كل زفاف يأتي أفراد من جماعة (أبو العباس)، ويضعون قائمة من الشروط حول حفل العرس، مسموح فيها إطلاق النار، ويمنع الغناء والرقص.