أعاد القصيدة الشعبية نبضها الحي المتجدد وقدرتها على الصمود أمام هذا العدوان القبيح. فجَّر من خلال قصائده حساً عصرياً ورؤية أكثر توهجاً واشتعالاً، وتجربة شعرية لا تقف عند مجرد مناطحة القمم الشعرية، ولكن هذه التجربة اتخذت لها مسارها المتفرد وشموخها النوعي ولغتها التي يصعب تقليدها ومحاكاتها، لأنها زاخرة بكل ألوان التحدي واقتحام الفضاءات الجديدة والاحتشاد برصيد السخط والغضب ومقاومة العدوان ومرتزقته.
ما يلاحظ في قصائده هو خروجها على المناخات الشعرية إلى نبض مقاوم.. إن شعره لا يتبجح ولا يضج، بل يمشي إلى هدفه كما البراكين الباليستية التي تصل إلى أهدافها.
قصائده بالغة التوهج واحتشاد فني شديد الإدهاش، عامرة بالإشارات واللفتات والتضمينات.
جاء إلى الشعر أو جاء الشعر إليه.. إنه الشاعر الكبير عبدالرحمن الخطيب..
لا ترقى إلى الفصحى
ـ هل اكتمل للقصيدة الشعبية كل المقومات لكي تبقى وتستمر؟
في البداية، نيابة عن أبناء محافظة صعدة، أتقدم بالشكر والتقدير عبر صحيفتكم الموقرة للأستاذ العزيز صلاح الدكاك والشاعر الكبير معاذ الجنيد والأستاذ القدير ضيف الله سلمان ومن برفقتهم، على ما أولوه من اهتمام بالمحافظة المكلومة (صعدة الإباء والشموخ) ونزولهم الميداني إليها وإقامة فعالية (هنا تعز من صعدة)، بما يعبر عن القضية المشتركة والهم الواحد والأخوة الراسخة والترابط الوثيق، ونقول لهم كتب الله أجركم وإلى الأمام إن شاء الله في ما يحقق روح الألفة ويعزز العلاقة المتينة بين أبناء البلد الواحد، ومما يزيدنا سعادة مقابلتنا مع صحيفة (لا) شاكرين القائمين عليها مقدرين جهودهم واهتمامهم بالمثقفين والشعراء والمنشدين.. وأخص بالتقدير الأستاذ عبدالرقيب المجيدي.
وبالنسبة لسؤالك.. هي كرديفتها (الفصحى) مع اختلاف في الوزن والتفعيلة وارتباطها بعادات وتقاليد المجتمعات من منطقة إلى أخرى وطقوس معينة، لكن هي في حد ذاتها بالإمكان أن توصل الرسالة التي نريدها على نطاق واسع إذا قمنا بتقليص اللهجات العامية فيها وصغناها بأسلوب عربي فصيح،  إلا أنها رغم ذلك تبقى مفتقرة، ولا تستطيع أن ترقى إلى المقومات التي تتمتع بها (الفصحى). أما الاستمرارية والبقاء بلا شك أنها ستبقى وتستمر.

رسم المشهد البطولي
ـ ماذا تعني لك قصيدة (ألا يا ماحلا الغزوات)؟
هذه القصيدة كتبتها في بداية العدوان بعد الإعلان عن عاصفة الحزم مباشرة، آخذاً بعين الاعتبار المعركة غير المتكافئة في ما يتعلق بالتسليح والإمكانات، فالعدو كما تعلمون لديه الإمكانيات العالية والأسلحة المتطورة والتكنولوجيا الحديثة، والرصد الدقيق والدعم والمساندة من دول الاستكبار في هذا العالم، والتدخل المباشر وغير المباشر من قبل أمريكا وإسرائيل بهدف إحراز أي تقدم على أرض المعركة والكيد الرهيب الداخلي والخارجي على هذا الشعب، ولكن مقابل ذلك كنت على يقين من النصر الحاسم والنتيجة الحتمية التي سيؤول إليها هذا العدوان الهمجي الغاشم من الهزيمة والخسران. معبراً عن الشموخ والتحدي اللذين لا نظير لهما، والعزم والحسم اليمانيين وقوة الإرادة وصلابة الموقف ورسوخ الإيمان وسلامة الأهداف ووضوح القضية للمقاتل اليمني. واستطعت من خلال هذه القصيدة إبراز المشهد البطولي، ورسم ملامح المعركة الحقيقية والمواجهة الأسطورية على أرض الواقع، وسرد مقارنة بين ما يمتلكه العدو من غطرسة وتخبط، وما يمتلكه المقاتل اليمني من صدق وصبر ومعنويات مرتفعة، مدرجاً ذلك في لائحة شعرية موجزة تختزل بداخلها صوراً فنية راقية استطاعت أن تستكمل الفكرة وتصل إلى المقصود.

الزامل يخاطب العالم
ـ هل يستطيع الزامل أن يخاطب العالم؟
نعم بإمكان الزامل أن يخاطب العالم إذا كتبناه بالشكل المفهوم والأسلوب الفصيح كما أسلفنا، كما أنه إذا ارتبط بقوة المواقف وصلابة الإرادة يطرق مسامع العدو، فما بالك بالصديق. فإذا ما كانت مواقفك قوية فالعدو من يبحث عنك ويفتش عن ثقافتك وتراثك وسر صمودك، بل قد ينشد إليك.

ميل إلى الفصيح
ـ أين تجد نفسك أكثـر في كتابة القصيدة الشعبية أم الفصحى؟
إذا توفرت الإرادة لكتابة أي من الجانبين تتوارد الأفكار ويكتمل بناء القصيدة، لا توجد مشكلة. إلا أن تذوق الشعر العربي الفصيح والميول إليه أرجح بالنسبة لي.

لم أواجه صعوبة
ـ  لنعد بالذاكرة إلى البداية كيف كانت بدايتك الشعرية؟
منذ وقت مبكر لم أشعر بصعوبة في كتابة الشعر كغيره من المقالات، وكان هذا في المتناول، وعندما شعرت بالحاجة إليه كتبته.

دور تكاملي
ـ هل الحضور الطاغي لبعض المنشدين يلعب دوراً كبيراً في إظهار الشاعر؟
بالطبع، وقد يكون العكس، قد يكون للشاعر دور كبير في إظهار المنشد وصقل مواهبه. وقد يكون هذا الشيء تكاملياً، وقد يكون الشاعر يتحكم في مسألة الظهور من عدمه.
ـ ما هو الزامل الذي تردده؟
(صنعاء بعيدة) للجرف.

لا عذر لهم
ـ ماذا تقول للشعراء المحايدين من العدوان؟
أقول لهم كفى تجاهلاً تجاه ما يجري من جرائم ومجازر وحشية، وأن أشلاء الأطفال وأجساد الضحايا الممزقة كفيلة بأن تحركهم إن كان لا يزال لديهم ولو نسبة ضئيلة من الدين ودماء تنبض بالحرية، وأن يكون لهم موقف مشرف في مواجهة العدوان إن بالكلمة بالكلمة وإن بالسيف بالسيف، وأن الحياد لا يجدي، وأنه ليس لهم عذر أمام الله عز وجل.

دور فعال
ـ هل القصيدة الشعبية واكبت المشهد الشعري بالقدر الكافي؟
كان للقصيدة الشعبية دور كبير جداً في المشهد الشعري وفعَّال، إلا أنه يبقى للقصيدة الفصحى مكانها وأهميتها القصوى في مواكبة المشهد الشعري بالقدر الكافي، بل إنها في هذا الإطار أهم بكثير من القصيدة الشعبية.

يستفزني المتشدقون بالوطنية
ـ ما الذي يستفزك؟
الانتهازيون والنفعيون الذين ينتحلون اسم الوطنية وهم عبء على الوطن والمواطن اليمني.

ـ هل تستمع للموسيقى؟
أستمع للأناشيد والأهازيج الشعبية.

ـ ما الذي يبكيك؟
المجازر المأساوية والمشاهد المؤلمة.

واقع الأمة يؤرقني
ـ ما هو الجرح الذي يؤرقك كإنسان وكشاعر؟
ما يؤرق أي إنسان لا زال يحمل الضمير الحي والوازع الإنساني، وتنمو في قلبه بذرات الإباء والحرية، ومما يبعث الحسرة والألم ويؤرق الفؤاد أيضاً سياسة الاستهجان والاستغفال والاستحمار والجرجرة التي يعتمدها العدو تجاه أمتنا.. وفي مقابل ذلك الغباء الرهيب والتماهي والخنوع والرضوخ لمخططات العدوان من قبل الكثير داخل أمتنا الإسلامية، ما عدا القلة القليلة في هذا العالم كشعبنا اليمني العزيز ومحور المقاومة في العراق وبلاد الشام.

آمال وتطلعات الشعب
ـ عندما تكتب القصيدة هل تريد إرضاء فئة معينة؟
عادة ما يكون الشعر ركيكاً إذا كتب لإرضاء جهة معينة سوى رضا الله سبحانه وتعالى، لهذا فأنا أكتب القصيدة بقناعة تامة، حاملاً آمال وآلام وتطلعات هذا الشعب، معبراً عن عراقته وأصالته وعقيدته الراسخة.

وعي بمخططات العدو
ـ ما هو الشيء الذي تمنيته وتحقق؟
وعي الشعب اليمني ومعرفته للمخططات الأمريكية والإسرائيلية، وحمله للقضايا الكبرى، وسيره في دروب العزة والانتصار.

فقط التحدي والصمود
ـ هل تكتب القصيدة العاطفية؟
لا مكان للقصائد العاطفية في ظل العدوان، فالعدو لم يبقِ لليمنيين ما يتحدثون عنه إلا المواجهة والاستبسال ولغة الصمود والتحدي.

صدارة المشهد الفني
ـ من هو المنشد الذي يتصدر المشهد الفني اليوم؟
هناك الكثير من المنشدين يخطر ببالي منهم عيسى الليث في الجانب الحماسي والجهاد المقدس، وعبدالعظيم عز الدين في الجانب الروحي، وكذلك الجميع، الكل رائع ومبدع.

انتصار العدالة
ـ بماذا يحلم الشاعر عبدالرحمن الخطيب؟
أحلم بانتشار المشروع القرآني وانهيار مشاريع الظلم وانتصار القضية العادلة والفتح القريب والفرج العاجل لشعبنا اليمني الحبيب.

النصر آتٍ لا محالة
ـ رسالة أخيرة..
أقول لشعبنا اليمني العزيز مزيداً من الصمود ومزيداً من الاستبسال، فالنصر آتٍ آتٍ لا محالة، وأن على الجميع توحيد الكلمة في مواجهة العدو. وأقول للقادة السياسيين أن ينظروا إلى الشعب بعين الاعتبار والاهتمام، وأن يقدروا جهود المستضعفين، فهم الموعودون بالنصر والتمكين والغلبة، وخير الكلام ما قل ودل.
نسأل الله التوفيق والسداد لنا ولكم، وأن يرحم الشهداء ويشفي الجرحى، وأن يمن بالفرج العاجل للأسرى.. إنه على كل شيء قدير.