تمثل عملية السيطرة التي نفذها أبطال الجيش واللجان على معسكر الجابري ومواقع الفريضة وملحمة والغاوية، نقلة نوعية على صعيد معارك جبهات ما وراء الحدود، تختلف عما كان سابقاً، وتفتح المجال أمام إسقاط المزيد من المواقع بيد الجيش واللجان، نظراً للأهمية الاستراتيجية والعسكرية لتلك المواقع. 

جغرافيا جديدة تحت السيطرة 
الصحفي يحيى الشامي قال لصحيفة (لا) إن المواقع التي سقطت، تقع في نطاق جغرافي متصل، وجميعها جبلية، باستثناء المعسكر، وفيها تقع عشرات المواقع العسكرية الصغيرة (ثكنات، تحصينات متاريس، حاميات، خنادق)، وتُعد ضمن الخطوط الدفاعية السعودية جنوب منطقة جيزان، وتتبع إدراياً محافظة الحرث.

30 كيلومتراً في العمق 
وتكمن أهمية هذه المواقع في أنها أمنت تواجد قوات الجيش اللجان على عمق 30 كيلومتراً مربعاً داخل جيزان، وجعلت مساحات شاسعة من شرق محافظة الحرث وشمال محافظة أحد المسارحة تحت السيطرة النارية للجيش واللجان، الأمر الذي أدى إلى حرمان الجيش السعودي ومرتزقته من حرية الحركة في مناطق شاسعة من محافظتي الحرث وأحد المسارحة جنوب جيزان، وسحبت المواجهات إلى مناطق أكثر عمقاً جنوب المملكة، إضافة إلى أنها أجبرت الجيش السعودي على إدارة عدوانه من مناطق أكثر بعداً عن الشريط الحدودي، الأمر الذي سيجعل ردة الفعل الدفاعية بطيئة بالتصدي لأي توغل جديد للجيش واللجان داخل العمق السعودي، مما سيمنح أبطال الجيش واللجان القدرة على تعزيز تواجدهم في المساحات التي باتت تحت السيطرة.

الجابري.. انتكاسة لمشاريع العدوان 
إحكام السيطرة على معسكر الجابري يعتبر انتكاسة كبيرة في مشاريع العدوان على اليمن، حيث يعد واحداً من أهم معسكرات الجيش السعودي جنوب جيزان، وتكمن أهمية المعسكر بأنه المقر المتقدم لإدارة عمليات العدوان على اليمن من قطاع جيزان، ويتولى قيادة عدد من المواقع العسكرية جنوب جيزان، ويعد مركزاً لاستقبال وتوزيع إمدادات السلاح والتموين الغذائي للمواقع التي يديرها المعسكر جنوب جيزان، إلى جانب الإشراف الإداري على حركة وحدات جيش العدو والمرتزقة وحركة الآليات العسكرية. ويمتد معسكر الجابري على مساحة واسعة تقدر ببضعة كيلومترات مربعة على سهول منطقة الخوبة، تحيط به 5 مواقع عسكرية في جبال القائم وخقاقة والمروة والمعنق والظهيرة وحامضة التي تم تطهيرها خلال العملية الأخيرة، إلى جانب أن معسكر الجابري كان يتولى مهمة قمع الاحتجاجات الحقوقية الكثيرة التي كان يطالب بها أبناء جيزان المهمشون في المناطق المجاورة للمعسكر.


معادلة التصعيد مقابل التصعيد 
الخبير العسكري اللبناني شارل أبي نادر وصف العمليات الأخيرة للجيش واللجان بـ(معادلة التصعيد مقابل التصعيد)، والتي قال في حديثه لصحيفة (لا) إنها (معادلة جديدة ولافتة تضمنها الخطاب الأخير للسيد عبد الملك الحوثي قائد حركة (أنصار الله) اليمنية، وحيث عوَّدنا السيد في قيادته لمعركة المواجهة التي يخوضها اليمنيون في الحرب التي تشن عليهم، وخاصة في خطاباته وقراراته ومقارباته، على مواكبة مراحل هذه الحرب بكافة تفاصيلها بشكل دقيق وفاعل، تخطيطاً وتقريراً وتنفيذاً، جاءت معادلته هذه، اليوم، لتشكل نقطة مفصلية في هذه الحرب).

الانتقال إلى ميدان السيطرة الشاملة 
وأضاف أبي نادر، معلقاً على سيطرة الجيش واللجان على معسكر الجابري ومواقع ملحمة، الفريضة، الغاوية، قائلاً: (ما لاحظناه مؤخراً - بعد معادلة التصعيد مقابل التصعيد - أن حركة مقاتلي الجيش واللجان الشعبية وقوات أنصار الله قد توسعت أبعد نحو العمق السعودي بشكل لافت، وحيث كانت عمليات هؤلاء في السابق تستهدف مواقع معينة في ذلك العمق القريب من الحدود مع اليمن، بعد أن يتم اختيارها لأسباب ميدانية أو عسكرية لخدمة معركة الحدود أو لإحداث ضغط على الطرف الآخر في تلك المواقع المستهدفة، أصبحت تجري العمليات اليوم من خلال تنفيذ خطة واسعة تستهدف مناطق وتلالاً وودياناً واسعة تتعدى المواقع المحددة إلى السيطرة على ميدان شامل، وعملية هؤلاء الأخيرة في السيطرة على موقع الجابري الاستراتيجي بعد السيطرة على سلسلة حيوية من الجبال (ملحمة والغاوية والفريضة) في محافظة جيزان الحدودية، جاءت لتثبت معادلة التصعيد وتفسرها بأنها تصب في إطار ميداني متطور يتخطى اقتحام المواقع العسكرية إلى السيطرة أو استعادة السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي التي هي تحت سلطة المملكة حالياً، الأمر الذي يأخذنا باتجاه تغيير معادلة الحدود الدولية).

أفضل المحاربين في الشرق الأوسط 
الانتصارات الأخيرة، والتطور النوعي لأبطال الجيش واللجان في مواجهة العدوان، كانت محل إعجاب  عدد من الخبراء والمحللين العسكريين على مستوى العالم، فقد اعتبر الخبير العسكري الروسي إيفان كونوفالوف، في حديث لقناة (روسيا اليوم)، أن مقاتلي الجيش اليمني واللجان الشعبية (أفضل المحاربين في الشرق الأوسط)، وأن (التحالف بقيادة السعودية وصل إلى طريق مسدود، ولن ينتصر على الجيش اليمني واللجان الشعبية أبداً)، وأضاف كونوفالوف أن (اليمنيين نقلوا الحرب إلى الأراضي السعودية نفسها، وتمكنوا من تنظيم عمليات حرب عصابات داخل العمق السعودي في عسير، جيزان ونجران، التي ضمتها السعودية إليها عام 1934. لكن ما زال سكانها من اليمنيين).

 انتصارات مثيرة للإعجاب رغم تفاوت ميزان القوى 
حديث الخبير الروسي، جاء بعد يومين من معركة السيطرة على معسكر الجابري والمواقع الثلاثة الاستراتيجية في جيزان، التي حدثت بينما الجيش السعودي على أهبة الجاهزية والاستعداد في خضم معركته للعدوان على اليمن، فارتدت إلى حرب ضروس يخوضها الجيش السعودي من أجل التصدي لعمليات توغل الجيش اليمني واللجان الشعبية داخل الأراضي السعودية، إلا أن الاستنفار في صفوف الجيش السعودي بدا غير مجدٍ أمام إرادة أبطال الجيش واللجان، ويضاف إلى ذلك عامل فارق التسلح بين الجانبين، حيث يمتلك الجيش السعودي أحدث أنواع الأسلحة والتجهيزات الحربية البرية والجوية والبحرية، بينما يقاتل أبطال الجيش واللجان ويسيطرون على المواقع والمعسكرات بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة، لكن التفوق في مستوى التسليح لدى الجانب السعودي لم يضمن له أي انتصار، ولم يؤمن له حتى القدرة في الحفاظ على معسكراته ومواقعه من التساقط بيد الجيش واللجان، وهو الأمر الذي جعل من انتصارات الجيش واللجان محل إعجاب الخبراء العسكريين على مستوى العالم.

الصواريخ.. قصفت العدو وأسمعت العالم 
أداء القوة الصاروخية جذب اهتمام المحللين والخبراء العسكريين من مختلف أنحاء العالم، فقد قال الخبير العسكري اللبناني شارل أبي نادر، في حديثه مع صحيفة (لا): يظهر تصعيد اليمن بشكل صارخ، من خلال متابعة دقيقة لمسار تطور مناورة القدرة الصاروخية اليمنية، في النقاط المستهدفة داخل العمق السعودي، والتي وصل مدى إحداها الى 1300 كلم في (ينبع) الساحلية على البحر الأحمر، أو في نوع ومضمون وحساسية الأهداف المستهدفة (مطارات وقواعد جوية وموانئ نفط وطاقة)، أو في تعدد النقاط المستهدفة ببضعة صواريخ باليستية من الأنواع المختلفة في نفس الوقت، كما حدث في استهداف قاعدة الملك فهد الجوية في الطائف (مدى يتجاوز الـ600 كلم)، أو في تطوير القدرات التقنية لهذه الصواريخ لكي تتجاوز، والى حد كبير، القبة الحديدية التي تتكون من منظومات الصواريخ الأميركية المضادة للصواريخ (الباتريوت وغيرها).

الضغط في البحر
وعلى صعيد المواجهات البحرية، أشار أبي نادر إلى أن الضربة الصاروخية التي استهدفت البارجة الإماراتية في 29 يوليو الفائت، قبالة سواحل المخا على البحر الأحمر، والتي تشترك في الحرب والحصار على اليمن، جاءت (لتعطي شكلاً مميزاً لهذا التصعيد من خلال نقل المعركة ومعادلة الردع والضغط الى الممر المائي الاستراتيجي المواجه للساحل اليمني).

 خبرة وكفاءة 
من جهته، يرى الخبير العسكري الروسي إيفان كونوفالوف، أن اليمنيين لهم باع طويل في استخدام الصواريخ، وهذا يعطيهم نقاط قوة في صراعهم مع المملكة السعودية من خلال خبرتهم وكفاءتهم بتحديث الصواريخ ورفع قدراتها، إلى جانب دقتهم في استعمالها وضربها لتحقيق الإصابات المباشرة.

الثبات سيفرض هزيمة العدو 
وفي ما يخص النتائج المتوقعة للصمود الذي أظهرته اليمن، وقدرتها على تطوير قدراتها الرادعة، قال الخبير العسكري شارل أبي نادر: من خلال كل حدث في الآونة الأخيرة، يمكن تلمس مستوى هذا التصعيد الذي بدأ يلامس أو حتى يتجاوز الخطوط الحمر الإقليمية والدولية، والتي كانت لفترة طويلة، مصانة ومضمونة ومحمية من قبل قوى كبرى، وحيث يبدو أن مدى المواجهة (اليمنية - غير اليمنية) بعد معادلة التصعيد مقابل التصعيد هذه، سوف يتوسع ويتطور، ربما تكون هذه المعادلة التي فرضها الصمود والثبات اليمني نقطة تحول في الحرب على اليمن، وقد تشكل مفصلاً استراتيجياً يفرض انكفاء المملكة العربية السعودية أولاً عن هذه الحرب، ويفرض ثانياً إقتناع المحور الإقليمي والدولي الذي يدعم هذا العدوان على اليمن، بأنه لم يعد من حل لهذه الأزمة المستعصية التي قد تطيح بالعديد من الأنظمة الهشة في الإقليم، إلا الحوار والمفاوضات والتسويات التي تحفظ حق جميع الأطراف، وخاصة حق الطرف اليمني المعتدى عليه.