في تطور غير مسبوق أعلنت 5 أحزاب سياسية يمنية موالية للعدوان الأمريكي السعودي، مطلع الأسبوع الماضي، عن تشكيل ائتلاف سياسي جديد بمعزل عن حزب الإصلاح. 
الحلف السياسي الجديد الذي تم الإعلان عنه في العاصمة المصرية القاهرة، والذي ضم الحزب الاشتراكي والتنظيم الوحدوي الناصري واتحاد القوى الشعبية والتجمع الوحدوي والعدالة والبناء، أثار تساؤلات كثيرة داخلياً وخارجياً، إذ اعتبره كثيرون خطوة تحمل العديد من الأبعاد السياسية، والتي تعكس المشهد السياسي والعسكري القائم داخل معسكر تحالف العدوان وأدواته.. ما الغرض من تشكيل ائتلاف سياسي جديد بعيداً عن حزب الإصلاح؟ وما علاقة توقيت الإعلان عنه بالتطورات الأخيرة في المشهد العسكري اليمني؟ 
تساؤلات عدة أثارت ضجة في الشارع اليمني، تزيح الستار عنها صحيفة (لا) خلال جولة استطلاع رأي مع عدد من المحللين والمراقبين، والتي توضح بمجملها الأبعاد المتعلقة بإعلان الحلف السياسي الجديد من نواحٍ عدة.
تغيير الخارطة 
تمكن صمود بندقية الجيش واللجان في معارك الساحل والسهل والجبل، طوال عامين وأكثر، أمام أشرس وأبشع مؤامرة دموية على البلد، تمكن من إلحاق الهزيمة بمشروع العدو الأمريكي السعودي التمزيقي، ما ارتد عكسياً على نقائضه التي جمعها من ركام العفن الحزبي والسياسي، حيث أسفرت نتائج الصمود اليمني الأسطوري عن تمزيق أوتار المشاريع الضيقة التي تحملها أراجوزات البيت الأبيض في البلد تحديداً والمنطقة عموماً.
الكاتب والباحث السياسي عبدالملك العجري يرى بأن الأحداث والتحولات التي شهدتها اليمن في الفترة الأخيرة وصولاً إلى نتائج الحرب العدوانية، ستحدث تحولاً جوهرياً في خارطة التحالفات الحزبية اليمنية، بل إن نتائج الحرب العدوانية ستؤثر على خارطة التحالفات الإقليمية والتوازنات الجيوسياسية.
العجري أشار في حديثه لصحيفة (لا) إلى أن هناك قوى جديدة صعدت على مستوى اليمن، وهناك قوى أيضاً مهددة بالاختفاء، والشكل التحالفي الذي يقوم على أساس برامجي ولوائح تنظيمية في اليمن هو اللقاء المشترك، ولذلك هو أكثرها عرضة للتفكك، وأصبح من الواضح أنه لم يعد غير مسمى شكلي، والإعلان عن تشكيل ائتلاف سياسي في القاهرة يعبر عن الشعور بالحاجة للتعديل في اللقاء المشترك، وحتى الآن من الصعب القول إن أياً من التحالفات القائمة سيكون مستقراً، واستقرار خارطة التحالفات يحتاج لوقت أطول من الفرز في المواقف السياسية، ولن يستقر إلا باستقرار الحياة السياسية.

شبح الضياع 
لقد شكل العدوان السعودي على اليمن مرحلة مفصلية لدى اليمنيين لتمييز الأبيض من الأسود والوطني من العميل، فقد هرعت أحزاب اللقاء المشترك لنيل الرضى من كنف العدو وفق إغراءات وهمية سرعان ما تبخرت مع الريح.
اليوم بدت أحزاب اللقاء المشترك متخوفة من شبح الضياع، فهي تحاول الالتفاف تحت مسميات جديدة، حيث يشير الكاتب عبدالملك العجري إلى أن بعض أحزاب اللقاء المشترك تشعر أنها خسرت بإعلان تأييدها للعدوان، أو أنها ربما ستخرج من المولد بلا حُمُّص، أو أنها ستضيع في الوسط، وتأييدها للعدوان كان مجازفة لم يستفد منها غير بعض القيادات على شكل مكاسب شخصية أضرت بسمعة وشعبية هذه الأحزاب، هذا إذا حسبنا الأمر بحساب المصلحة، أما بحسابات أخرى فإن الأمر أكثر سوءاً. 

عجوز شمطاء 
أحزاب اللقاء المشترك لا زالت مغسولة بالدم والعار الذي اكتسبته بمباركتها ومشاركتها العدوان السعودي على اليمن، وتشكيلها حلفاً سياسياً جديداً ينسف فقط أرضية العدو المشققة، لكنه لن يمنحها طوق النجاة. 
القيادي في الحراك الجنوبي الدكتور سامي عطا، أكد في حديثه لصحيفة (لا) أن الحلف السياسي الجديد لا يخدم الأحزاب المؤتلفة، لأنه جاء في الوقت الضائع، وهي محاولة بحث عن قارب نجاة بعد أن شعرت هذه الأحزاب أن حزب الإصلاح وتنظيم الإخوان المسلمين تحديداً غير مقبول إقليمياً، ويمكن من بعض دول الغرب، كما أن برنامج الائتلاف لم يحمل جديداً، لا صحح مسار وموقف هذه الأحزاب من العدوان، ولا طرح برامج أو مواقف مختلفة، هذه الأحزاب تصرفت مثل عجوز شمطاء تريد أن تعيد مفاتنها عن طريق الشد.
وأشار القيادي الحراكي إلى أن هذه الأحزاب أرادت أن تبحث لها عن خلاص من وضعها البائس، وظنت أن بيانات الإنشاء اللغوي ومحسنات اللغة وسيلة لذلك، السياسة مواقف فارقة، والمواربة ليست من السياسة في شيء، وقال: كنت أتمنى لو كان هذا الائتلاف أميناً وصادقاً مع نفسه، واتخذ موقفاً واضحاً، وانتقد العدوان، ومارس النقد ضد مواقفه من هذه الحرب العدوانية، لقد أساء الائتلاف لنفسه، وظهر بمظهر البراجماتي، فلم يكن مقنعاً بتنكره لشريكه الإصلاح، وظهر كأنه يبحث عن قارب نجاة بعد أن صار الموقف السياسي لحزب الإصلاح ضعيفاً.

دعم إماراتي 
الإعلان عن تشكيل حلف سياسي جديد يضم 5 أحزاب سياسية موالية للعدوان بدون حزب الإصلاح، خطوة غير مسبوقة تشير للكثير من الحقائق التي تعكس الوضع السياسي والعسكري الذي يعيشه معسكر العدوان. 
إذ إن استبعاد حزب الإصلاح من الحلف السياسي الجديد خطوة ليست ببعيدة عن الحرب الخليجية الباردة بين الإمارات والسعودية وقطر على خلفية دعم الأخيرة لتنظيم الإخوان المسلمين وعلاقتها بالإرهاب، حيث تؤكد المعلومات التي سربها مسؤول إعلامي مقرب من قوى العدوان، أن إعلان الحلف السياسي الجديد تم بتنسيق بين الأحزاب الـ5 وبين الإمارات التي تبنت مشروع تشكيل ائتلاف سياسي جديد بمعزل عن حزب الإصلاح.
المعلومات المسربة من الغرف السرية لقوى العدوان لا تثير الشك، إذ إن قوات الغزو الإماراتية أعلنت، الشهر الماضي، عبر المجلس الانتقالي الجنوبي الذي تدعمه، عن حظر نشاط حزب الإصلاح في المحافظات الجنوبية، قبل أن تقوم بشن حملات عسكرية على مواقع سيطرتهم في محافظتي حضرموت وشبوة. 

مفارقات 
مراقبون يؤكدون أن سعي دول تحالف العدوان، وعلى رأسها الإمارات، إلى إزاحة حزب الإصلاح من المشهد السياسي، خصوصاً في المحافظات الجنوبية، هو خطوة ضمن مؤامرة قذرة تقتضي الإعلان عن خلافة إسلامية على غرار (داعش) في المحافظات الجنوبية، يديرها حزب الإصلاح بجناحه العسكري المتطرف، في حين يرى مراقبون آخرون عكس ذلك تماماً، حيث يؤكدون أن استبعاد حزب الإصلاح من الحلف السياسي الجديد ليس إلا قراراً دولياً بإزاحة الإخوان من المشهد السياسي، وأنه لم يعد هناك قبول، وهو ما أشار إليه الكثير من المراقبين، حيث يؤكد عبدالملك العجري أن حزب الإصلاح يشكل مأزقاً كبيراً، فهو غير مقبول في الداخل والخارج، ولم يعد قادرًا على مواصلة تلقي الضربات المتكررة الموجهة إليه، فضلاً عن أن ينظر لحلفائه، ومن المحتمل أن يكون إعلان الائتلاف في القاهرة محاولة للنأي بالنفس عن الإصلاح المغضوب عليه من الإمارات، والحليف غير المريح ولا المطمئن بالنسبة للسعودية.

الخوف من الغرق 
إذا ما أخذنا وجهات النظر التي تؤكد أن استبعاد حزب الإصلاح من التحالف السياسي الجديد لعبة سياسية تمهد لدور آخر للحزب تحت مسميات مختلفة، وأخذنا بالآراء التي تشير إلى أن حزب الإصلاح يعيش مرحلة ترهل ووهن، ما جعل حلفاءه يفرون منه خوفاً من الغرق معه، فإن دعوة بعض قيادات حزب الإصلاح للتصالح مع القوى الوطنية بصنعاء، قبل أسبوع من إعلان الحلف السياسي الجديد، دليل واضح على أن حزب الإصلاح واجه مخاطر في ظل غياب أرضية جغرافية يتحرك عليها بعد حظر نشاطه في المحافظات الجنوبية، وانحساره في المحافظات الشمالية بصورة كبيرة، ما جعله يسعى للتصالح مع القوى الوطنية بغرض إنقاذ ما تبقى منه من الغرق. 

محاولات ساذجة 
لم تتمكن قوى العدوان من خطف أي نصر عسكري يمكنها من فرض شروطها على طاولة أية مفاوضات قادمة، كما أن مساعي العدو لتمرير مشاريعه تحت مظلة الأحزاب الموالية له، مساعٍ فاشلة، فالأحزاب التي ارتهنت للعدو الخارجي وتلوثت بدماء اليمنيين، خسرت جماهيرها الشعبية، ولم يعد لها قاعدة جغرافية أو شعبية لتقف عليها.
ومن خلال هذه المعطيات والحقائق فإن إعلان تحالف سياسي جديد في هذا التوقيت بالذات قد يبدو محاولة للالتفاف على الواقع وتقديم بقية الأحزاب الموالية للعدوان بصورة مغايرة كطرف ثالث، كما يحاول العدو أن يقدمه على لسان المبعوث الأممي الى اليمن ولد الشيخ، أكثر من مرة. 
هذا الرأي، وإن صحت التحليلات، يبدو خياراً فاشلاً يستدعي السخرية، فمن أي منطلق سيعمل هذا الحلف دون أن تملك مكونات هذا الائتلاف أي وزن سياسي أو جماهيري أو عسكري على الأرض؟! تساؤلات كثيرة يطرحها كثير من المراقبين والمحللين السياسيين في وجه الأمم المتحدة التي دائماً ما تخلق الأحلاف والمكونات السياسية وتقدمها كطرف ثالث، ومن هؤلاء المراقبين والمحللين القيادي في الحراك الجنوبي سامي عطا الذي أكد متسائلاً بسخرية من هذه المساعي: هل يمتلك الحلف السياسي الجديد قوة على الأرض من أجل أن يكون طرفاً ثالثاً له وزن؟ في ظل صراع القوة يستحيل أن يكون طرف ثالث لا يمتلك قوة خشنة ولا قوة جماهيرية، مفيداً للعملية السياسية، لأننا بذلك سنكرر نفس سيناريو نقل السلطة لهادي الذي لم يكن إلا رئيساً ضعيفاً بلا قوة، لكن هذه المرة الطرف الثالث سيكون ائتلافاً وليس فرداً.. الطرف الثالث ليس حلاً، إنما ترحيل للمشكلات.

ضياع الفرص 
إذا ما نظرنا لمجمل الآراء التي تؤكد أن كل محاولات الأحزاب السياسية الموالية للعدوان للتموضع بأشكال مختلفة، فاشلة، فقد تخلت عن جميع الفرص التي منحت لها لإثبات وجودها في لحظة مصيرية هامة لا تقبل أنصاف الحلول.
وإذا ما عدنا بالذاكرة قليلاً إلى الوراء، سنجد أن الأمين العام للحزب الاشتراكي عمر عبدالرحمن السقاف، كان في صنعاء، وحضر جنيف 1 وجنيف 2، قبل أن يتوجه إلى الرياض، ويعلن موقفاً مناهضاً للبلد باسم الحزب.
وعلاوة على ذلك، فإن الأمين العام لاتحاد القوى الشعبية عبدالسلام رزاز، كان هو الآخر في صنعاء، قبل أن يظهر في عدن قبل 4 أشهر، ومن ثم في العاصمة المصرية القاهرة، مع إعلان الائتلاف السياسي الجديد. 

البحث عن الوجود 
من جانب آخر، يرى الكاتب أنس القاضي أن الإعلان عن ائتلاف سياسي جديد في هذه المرحلة بالذات بالنسبة للحزب الاشتراكي، ملاذ لإعادة تموضعه بالشكل الصحيح، وقال القاضي في حديثه لصحيفة (لا): ربما الواقع القائم على قوة السلاح ونفوذ الاحتلال وداعش، في المناطق الخارجة عن سلطة صنعاء الوطنية، جعل الاشتراكي يتحسس من جديد وجوده، إذ لا وزن له في هذه المناطق، فلا تمسكه بالمدنية أنقذه، ولا حمله السلاح كما في تعز فرض تأثيراً سياسياً له مغايراً للواقع السائد وسط المدينة، والذي لا يسعد حتى الخصم. فبالتالي غدا البحث عن تحالفات سياسية، مفروضاً على الحزب ليستعيد وجوده السياسي، خاصةً أنه يعاني من تهميش وإقصاء سياسي في إطار ما تسمى الشرعية، فتضافرت مختلف هذه العوامل للذهاب الى ائتلاف جديد يأخذ طابعاً (يسارياً)، لكن الأهم والجوهري هوَ هل سيكون هذا الائتلاف داعماً للتوجه نحو تفعيل العملية السياسية وطنياً، خاصة أنه يمتلك روابط متجاوزة للفرز الشمالي والجنوبي، ووجوده أصيل في الإقليمين، ولو أن وجوده هذا يعاني حالياً اختلالات، وهل سيسحب الغطاء السياسي المتغاضي والقابل ضمناً للاحتلال وانتهاك السيادة، ويفكك الخطاب المناطقي والطائفي، لمن يدعون القتال (مقاومة) وهم بموقع المرتزق، بتمسكه (بشرعية التوافق) لا شخص هادي؟ هل سينجز هذا الائتلاف الجديد هذه المهام، مما يجعله وطنياً فعلياً، أم أنه لن يكون أكثر من انشقاق وإعادة انتشار داخل مظلة (الشرعية) الزائفة، مبرراً لاستمرار العدوان والحصار المتذرع بها؟ هذا ما سوف تكشفه الأيام القادمة.

أحزاب مترهلة 
لا حديث عن مساعي الحزب الاشتراكي أو التنظيم الناصري لصدارة المشهد السياسي من خلال الانفصال عن اللقاء المشترك الذي يتزعمه حزب الإصلاح، فارتهان هذه الأحزاب للقوى الخارجية منذ عقود جعلها مترهلة غير قادرة على المنافسة بمفردها، فهي لا تملك أياً من مؤهلات القوة لتصارع، ولا تملك أي رصيد وطني يؤهلها لخوض المعارك السياسية بندية، على العكس تماماً بدت الأحزاب أدوات رخيصة يحركها العدو الأمريكي السعودي كيفما يشاء، حتى أصبحت حارقة.
فعلى سبيل المثال، وعلى الرغم من حظر نشاط حزب الإصلاح في المحافظات الجنوبية، لا يبدو الحزب الاشتراكي ـ حسب آراء المحللين ـ مؤهلاً للنهوض مجدداً على الساحة الجنوبية، والحلم بإعادة الظهور من خلال التموضع داخل لافتات جديدة، ذهب أدراج الرياح، ولجملة من الأسباب يذكرها الباحث السياسي عبدالملك الكمالي في حديثه لصحيفة (لا)، فإن تقلص شعبية الحزب الاشتراكي في المحافظات الجنوبية بسبب تعدد الولاءات وغموض سياسة الحزب ووقوفه بجانب العدوان على الوطن، ومع وجود قوى الاحتلال الإماراتي ودعمها لأكثر من فصيل جنوبي، بينها تنظيم القاعدة، يجعل من فرص قيادة الحزب الاشتراكي الموالية للعدوان للعودة إلى واجهة المشهد السياسي، مستحيلة. رأي يعززه حديث القيادي في الحراك الجنوبي سامي عطا الذي أكد أنه لا وجود للاشتراكي في المحافظات الجنوبية، ووضعه في الجنوب أسوأ من الشمال.

شجاعة القوى الوطنية 
بعيداً عن المعطيات القائمة والمفارقات الشكلية، لا يبدو تشكيل أحلاف سياسية جديدة في هذا التوقيت بالذات إلا صورة مصغرة تعبر عن حالة الانقسام الواضحة داخل معسكر العدو والصراعات البينية الفتاكة بين أدواته، هذه الصورة ارتداد عكسي عن عجز قوى العدوان عن تحقيق أي نصر يذكر منذ قرابة العامين والنصف، في وقت يسعى العدو لإعادة اللعب على التناقضات المرتدة من هزائمه المتواصلة، وتوظيفها في أي شكل من الأشكال، إلا أن ذلك ليس إلا محاولات بائسة لإنعاش جسد العدو الهزيل، والنفخ في أطماع تلاشت مع الغبار، إذ إن لا مجال لأي طرف أو حزب نشط كثيراً تحت جلباب العدوان، أن يخطف تضحيات الشعب تحت أي شكل أو مسمى كان، وأمام قوى وطنية أثبتت شجاعتها وأهليتها للدفاع عن الوطن وأبنائه، مسجلة أروع البطولات في التحدي والصمود.