مثلما تورق الكروم وتزهر في الروابي؛ تورق أغنياته فينا وتخضرُّ حباً، وتزهر عشقاً.
ومثلما تتبرعم عناقيدها في قلوب محبيه وتثمر، تتعنقد فينا إبداعاته الفنية أشواقاً ومحبة.. حنيناً ولقاءً.. أنيناً وصفاءً.. ترانيم وجد، وألحاناً آسرة.
تغسل الأرواح، وتنقي القلوب، وتشفي أوجاعها.
تشجي النفوس الحائرة، وتطهر أحزانها.
مع كل نغمة حب، هفت أرواحنا، سفراً ورحيلاً، وفي كل ترنيمة شجن، هامت قلوبنا فرحاً وحزناً، تحملها تقاسيم لحونه الماطرة، نحو مدارب فيوضها، حين يشدو بجمال الكلمة وعذوبتها، ويزيدها عذب صوته الآسر رقة وانسياباً، وتمنحها رخامته رونقاً وبهاءً، ليسافر بنا نحو فضاءات الكلمة وعوالم رحابه، وصلاً وانكساراً، بوحاً وجرحاً، بلسماً وهياماً، تباريح عشق، وتسابيح محبة..!
في الجزء الثاني من أسفار أيوب الجميلة، تواصل (لا) نشر تفاصيل محطات هذه الأسفار وبدايتها تعز.

ومن ضمن ما غنى الفنان أيوب طارش للشاعر أحمد الجابري، هناك أغنية أخرى هي (رمضان يا شهر الصيام)، والتي تعد فيضاً آخر من فيوض روح هذا الشاعر وجمالها، إلا أن مسك الختام مع روائع الشاعر الجابري والفنان أيوب فاحت خمرتها وجداً وفيض محبة كشلال ضوء تسامى في مسك كل هذا الجمال بينهما؛ حين شدا العملاق أيوب برائعة الجابري الخالدة في مطلع تسعينيات القرن الماضي، التي أضاء بها جنبات هذا الوطن، ومن وحي ضيائه توقدت في جوفه مشاعل وقناديل المحبة، ومن أجله غنت روحه كل تلك المواويل:
(لمن كل هذي القناديل تضوي لمن؟
وهذي المواويل في العرس تشدو لمن؟
هل الأرض عاد لها ذو يزن؟
فعاد الزمان وعادت عدن
لمن؟ لمن؟ لأجل اليمن
أعيدي لنا مجد أسلافنا
وشدي النجوم وسيري بنا
على الغيم فوق رفيف المنى
وثر الينابيع في أرضنا
فبالحب نحيا ويحيا الوطن
أيا وحدة الشعب حلم السنين
ويا قبلة الحب للعاشقين
أطلت على الأفق شمس لنا
تضيء الطريق وتمضي بنا
لنطوي المسافات عبر الزمن
لمن؟ لمن؟ لأجل اليمن
فديتك صنعاء يا موطني
بروحي بأنقى دم مؤمنِ
وهذي سماؤك فيض السنا
لكل البطولات في أرضنا
سنحيا ونفنى لتبقى اليمن)
وفي مسار تتبعنا لأسفار أيوب الجميلة والشعراء الذين تغنى بقصائدهم الغنائية الرائعة، سنتوقف عند محطة أغنية الشاعر الكبير د. سلطان الصريمي (تليم الحب)، التي برغم جمالها الإبداعي كلمة ولحناً، إلا أنها تبدو (كاليتيمة) أو الوحيدة تقريباً، ولم يتبع هذا التعاون الفني المبكر بين الفنان والشاعر منذ سبعينيات القرن الماضي أية ولادة فنية أخرى غيرها، ويبدو عقم هذا الأمر غريباً أو غير متوقع مقارنة بثراء أيوب الفني وغزارة الشاعر الصريمي كشاعر غنائي تغنى العديد من الفنانين بقصائده. وما يزيد من غرابة هذا العقم الفني بينهما، أنه حين تغنى الفنان أيوب طارش بأغنية (تليم الحب) للشاعر سلطان الصريمي؛ وما نالته هذه الأغنية من الشهرة والانتشار بين أوساط الناس، ظن الكثير منهم أنها من كلمات الشاعر الفضول.
يقول أيوب: إن وقوع الكثير من الناس، بمن فيهم بعض الكتاب، في هذا البس باعتقادهم أن أغنية (تليم الحب) هي من كلمات الفضول، ربما يعود ذلك لتشابه موضوع هذه القصيدة الغنائية الجميلة ومفرداتها؛ بما غنيته للشاعر الفضول من قصائد، لكنها في حقيقة الأمر هي من كلمات الدكتور سلطان الصريمي، وتعد من أجمل القصائد الغنائية التي تغنيت بها لهذا الشاعر الكبير.
(تليم الحب في قلبي تذكرني بأيام الهثيم
تذكرني دوادح حبنا الغالي ودخداخ النسيم
حبيبي نفسي عليك ترجف
خايف على أحلامنا لتكسف
والعين من غالي الدموع تذرف
تشتي تسقي وردنا وتقطف
والقلب يذكر نظرتك ويحلف
من نور حسنك يا حبيبي شعزف
تحاببنا وأهدينا إلى الأرواح زهرات الكعوب
غرسناهن وقطَّفنا من الأفراح ذكرى لاتذوب
عصرناهن وأروينا ظما الأقداح ساعات الغروب
تشرَّحنا ودقينا مع الشراح أجراس القلوب
تهنيتك وغنيتك غنا.. أنا المحروم من خمر الوجن
ومن بعد التلاقي والهنا.. رماني الحب في بحر المحن
تهدى بي لأمواج الضنا.. أخذ قلبي وسبب لي الشجن
يقهدني ويسقيني المنى.. عطش يجري بروحي والبدن
حبيبي قلبي يحن حنينه
فرش دموعه وارتدف شجونه
غصنه ضمر وجرحين عيونه
ومن عذابه شيبين سنينه
والنوم من بعدك هجر جفونه
من إمنك يا حب كيف تخونه)
وفي نسخة غنائية حديثة قام الفنان أيوب بإعادة تسجيلها مجدداً، ولكن بتغيير طفيف فيها ولم تغن بعض أبياتها بنفس هذا النص المكتوب أعلاه كما جاء في تسجيل النسخة القديمة، حيث تم حذف جملة (من نور) حسنك يا حبيب شعزف، واستبدالها بجملة:
(إنه لحسنك) يا حبيب شعزف.
ومن الأخطاء أيضاً التي وقع فيها بعض الكتاب، هو ما حدث لقصائد غنائية غناها أيوب لشعراء آخرين، وتم نسبها الى الشاعر الفضول أيضاً؛ بل مازالت هناك بعض من هذه الأغاني مدونة بالخطأ في موقع الشاعر الفضول على أنها من كلماته، كما هو حال أغنية (قلبي بمن والى هيامه) التي كتب كلماتها الشاعر العماني كامل مسلم، وفيها يقول:
(قلبي بمن والى هيامه
طرفي لمن أعطى منامه
للخائفين على الهوى
لا الخائفين من الملامة
الباسمين مع الزهور
الهادلين مع الحمامة
المنصتين لما يقول
القلب إن أعطى كلامه
هم هؤلاء أحبّتي
بهمُ الهوى لاقى دوامه
ما كل من قد جاءني
طيبت في نفسي مقامه
وشغلت أيامي به
والحب في صدري أنامه
ما همّني إلاّ الذي
رَكَعَتْ منى عمري أمامه
متجبِّر الأشواق لا
يُعنى بمن في الحب لامه
مَن إن ظمئت وجدت منه
الغيث قد أرخى رهامه
كسبيكة الذهب النظيـف
تكبرت فيها الكرامة
يعصي سوى حبي له
ويقيم من أجلي قيامة
هذا الذي تعطيه أيامي
بها طول الإقامة
وسواه إن يأتي أتى
وإذا مضى فمع السلامة
ما حمحمت نفسي عليه
ولا أحسّت بالندامة) 
يقول أيوب: تربطني بوالد الشاعر العماني كامل مسلم علاقة صداقة ومودة قديمة، وعن طريق هذه العلاقة تعرفت على أعمال الشاعر كامل، ورغم أنه يعتبر من الشعراء العمانيين الشباب المغمورين، إلا أنه شاعر موهوب، ويعتبر من الأصوات الشعرية المبدعة والواعدة، وقد أعجبت بما قدم لي من نصوصه الغنائية الجميلة التي تحمل في ثناياها شفافية روحه النقية والمعبرة عن مشاعر الرقة والإحساس الإنسانية الرائعة، وقد قدمت البعض منها في أعمالي الفنية الأخيرة كأغنية (قلبي بمن والى هيامه)، وكذلك أغنية (عاد لي ودي) التي تقول:
(عــاد لي ودي وعــادت لي الشجــون
وارتسم مـا كــان تخفيه العيـــــون
مـن حالمـات فاتنــات كـم با أقــــــول
عــاد لي ودي وجددت الحيــاة
حلــم رسمتــه فـي أعمــاق الزمــان
وابتســم حلمــي وأعطــاني الأمــان
والــورد لاقاني وهيأ لـي المكـــان
كالــرفح بـان بــروضٍ نــاعســات
هلــت لياليــنا وأفـــراح السنيــن
والبدر والغيمـة وعطر الياسميـن
ضمنــي واحضــن وهات عينـك بعيــن
واسمـع نـداء قلبـي وهمســات الشفاة
زانــت بنا الدنيــا وقـد زان الـوجـــود
والــورد سامــرني وأعداده وفـــود
ناعــس العينيــن كالطـــرف الشــرود
حسنـه ملكنــي بطيـبه والصفـــــات) 
...........
في أصدق تعاوني فني يأتي الشاعر الراحل الشيخ عبدالرحمن عبدالجليل بروائعه الغنائية الخالدة، في مصاف أجمل الشعراء ممن تغنى الفنان أيوب بأشعارهم وألحانهم الجميلة أيضاً؛ في سفر يعد من أصدق أسفار أيوب الجميلة وفاء ومحبة.
يقول أيوب: كل ما قدمته من قصائد غنائية للشاعر الجميل عبدالرحمن عبدالجليل طيب الله ثراه، في إطار تعاوننا الفني طيلة كل هذه السنوات الماضية، هو أيضاً من ألحانه هو، وليس من ألحاني، ولم يكن أحد غيرنا يعلم بذلك، وقد تحملت وكتمت هذا السر نزولاً عند رغبته وإصراره على ذلك، مكتفياً بذكر اسمه كشاعر فقط في كل عمل فني كتب كلماته وقام بتلحينه، ولم أسأله لماذا كان يصر على عدم ذكر اسمه كملحن، ولكني كنت أستشف منه أنه لا يريد فعل ذلك، ربما تجنباً للإحراج إذا ما طلب منه أي فنان آخر تلحين أي عمل فني له، أو ربما كان يخفي ذلك تواضعاً منه حتى بعد أن لاقت أعماله الفنية التي قدمتها له كل ذلك النجاح والقبول عند الجمهور العريض المحب لما قدمناه؛ ولكن بعد رحيله رحمه الله فضلت أن أبوح بهذا السر، ليعرف جمهوره ومحبو أعماله التي قدمتها له ذلك أولاً كحق أدبي له يجب أن يعرفه الجميع، ووفاء إنسانياً منا جميعاً لهذا الشاعر الجميل لتطيب أرواحنا وروحه الرائعة بهذا الحق.
ومن أهم روائع هذا الحق كلمات ولحن أغنية (نداء البعيد):
(يا ما صبرتُ وقاسيت
من بعد ما كنت لي أضويت
ليتك ترى كيف حالي
ليتك ترى ألف يا ليت
أقهرت قلبي وجافيت
قاطعت من بعد ما أبليت
مكنت مني همومي
أسرتني وأنت وليت
لا زلت من أهوى وفؤادي في من هوى هاني
لا زلت في حسّي بخيالي في كل أحلامي
من حين أقداري طرحتني في الحب خلّاني
ما أعيش إلا بك وحناني ما عاش به ثاني
الله من قلبك يا حبيبي كيف استوى قاسي
غيب بآمالي وتركني في نار أشواقي
كيف ارتضى بُعدي وهيامي وأنا له الوافي
أوهبته عمري وحياتي أنذرت بالباقي) 
ومن وحي هذا الإلهام الروحي والجمال الإنساني تأتي كذلك رائعة أخرى، وهي أغنية (سحرك يا أرضي فريد)، والتي هي أيضاً من كلمات وألحان الشاعر الراحل الشيخ عبدالرحمن عبدالجليل، والتي لم أجد أجمل منها تمجيداً لجمال وحب هذه الأرض بكل جمال وشاعرية لغتنا وكلماتها الجميلة، وبروعة لحنها الآسر المضمخ بتباريح الجوى والشجن:
(معشوقتي أرضي بلادي
محراثي جهدي يدي
حبيتها من كل قلبي
حبها بي أبدي
سحرك يا أرضي فريد
دنا ليلك وليل به
أنت معشوقي الوحيد
دنا ليلك وليل به
فيك هنا العيش الرغيد
دنا ليلك وليل به
غنّي معي صوتك شجاني
عينني وافاتني
هيا معي قم نحنا الاثنان
نقلب الغبراء جنان
نرجع لها المجد المبين
وسط تاريخ اليمن)