نظراً لكمية المعدات العسكرية الأمريكية، واستمرار انعدام معاهدة سلام بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية، فإنه سيكون من المنطقي تماماً لكيم أن يبحث عن سلام وأمن مستقرين بشرط أن يبقى عازماً على القيام بذلك دون الحاجة للكشف عن الضعف.
هل هناك شيء باستطاعة أمريكا فعله أو عليها فعله بشأن كوريا الشمالية؟ في الشهر الماضي لوحدها تحت إشراف زعيمها الشجاع كيم جونغ أون، نجحت بيونغ يانغ في إطلاق صواريخ جديدة طويلة المدى، وهددت بقطع البحر قبالة القاعدة الأمريكية في المحيط الهادي في غوام، واختبرت قنبلتها الهيدروجينية الأولى.
الشيء المقلق الآن هو أن كوريا الشمالية تملك أو سوف تمتلك قريباً القدرة على صنع التهديدات والقدرات معاً، ولربما تكون متهورة بما فيه الكفاية لتفعل ذلك، وهذا لا يضع جيرانها فحسب الصين وروسيا في صف واحد، وإنما أيضاً الولايات المتحدة.
من منظور أوروبي الاثنان معاً، دبلوماسي وجغرافي، فإنه لمن المغري أن يخلي مسؤوليته عن الأمر، ويقول بأن دونالد ترامب وكيم جونج أون كلاً يستحق الآخر، وهنا من الممكن أن يبرز قائدان يميل كل واحد منهما للحديث قبل الآخر، إن لم يكن الإشعال أولاً والتفكير لاحقاً، تبقى  تصرفات القائدين غير متوقعة ولا يمكن فهمهما، فكلاهما سيدا الخدعة وسياسة حافة الهاوية.
في أفضل الحالات، قد يكون من المأمول أن الاثنين يدركان جيداً حجم بعضهما البعض بطريقة غريبة نوعاً ما، لدرجة أن كلاً منهما يعرف لغة الآخر المنمقة لأجل ماذا هي كذلك! وربما يعرفان أيضاً متى يجب أن يوقفا هذا.
في اعتقادي يوجد شيء من المتوقع قوله في هذا النقاش، كان ترامب محكوماً بمخاوفه على نطاق واسع ليستجيب لأي استفزاز كوري شمالي جديد بـ(النار والغضب)، كما لم يشهد العالم من قبل؛ لكن تلك اللهجة بدت كأنها تصل إلى بيونغ يانغ بطريقة لا تملك أغلب التوضيحات المعتبرة والرسمية إيصالها.
عادت وكالة الأنباء الرسمية الكورية الشمالية لتصطدم بتهم الولايات المتحدة لها (هيستيريا الحرب) و(التصرفات الطائشة)، لكن مخاوفها في غوام بخصوص أن الجيش الشعبي الكوري كان (يختبر ضربة ما بعناية) كان من الممكن أن يفسر ذلك على أنه تنازل عن القنبلة بالنسبة لمحبي الوطن.
بالطبع إن الصعوبة تكمن في أن القادة الحقيقيين في العالم الحقيقي لا يستطيعون تجنب القنبلة أو تلافي الوقوع في الأخطاء. بعد كل شيء لم تكن الدقة هي الطابع الذي ميز الاختبارات الصاروخية لدى كوريا الشمالية. ماذا يحدث لو أن ضربة خائبة مقصودة نحو (غوام أو لنقل اليابان) تصبح ضربة غير مقصودة؟ ماذا يحدث لو أن كوريا الشمالية ستصبح أو كما أصبحت مسبقاً أحدث دولة تهزأ باتفاقية عدم انتشار الأسلحة النووية؟ هل يجب إذن على الولايات المتحدة أن تعود مرة أخرى لسلاح شريفها، لاسيما بالنسبة لجميع رهانات دونالد ترامب على المعارك الحربية المتعلقة بعدم شن المزيد من الحروب الخارجية؟
قد يجادل ترامب إذا أراد ذلك بخصوص أن قدرة كوريا الصاروخية المعلنة حالياً العابرة للقارات تجعلها خطراً مباشراً يتهدد أمن أمريكا، ومن المحتمل أن يتوافق ذلك الجدل مع رهانات معاركه الحربية أكثر من منحاه الأخير للإبقاء على الجنود الأمريكيين في أفغانستان.
بعيداً جداً عن ذلك، على الأقل بالرغم من أن الضربة العسكرية ليست هي ما يدور في رأس ترامب. في الحقيقة كلما كان التهديد أعظم ومباشراً أكثر، كان حديثه في الشأن العسكري أقل؛ ماذا كانت تغريداته إزاء تجربة القنبلة الهيدروجينية لكيم؟ بالتأكيد ليس (النار والغضب)، بل كانت حظراً عالمياً في أي مكان على أي شخص يتعامل تجارياً مع كوريا الشمالية.
إن إدارة ترامب والدفاع بالنسبة لدورهم فقد لعبوا دور الشرطي الجيد والشرطي السيئ؛ ففي الخارجية أوضح ريكس تيلرسون أن أمريكا لا تملك تصاميم محلية في كوريا الشمالية، وفي وزارة الدفاع حذر جيمس ماتيس من (ردة فعل عسكرية صاروخية) محتملة.
إن ترجيح ترامب بعكس ما يظن، فقد ظهر أنه من المستبعد أن يعمل من خلال قنوات دبلوماسية تقليدية، وإقناع الآخرين لاسيما الصين وكوريا الجنوبية بمزيد من الضربات غير العسكرية يتم تنفيذها.
في الشهر الماضي دعمت أمريكا قرار مجلس الأمن الدولي بشأن تقييد التجارة، لكنه أثار إمكانيات إجراء المحادثات، وتم تمريره بالإجماع، ومع جلسة مجلس الأمن لاحقاً اليوم شيء شبيه بذلك إذا كان نوعاً ما أقوى قد يكون ضمن الأوراق، في الأثناء قدم رئيس سويسرا خدمات بلاده بصفتها وسيطاً في المفاوضات، وهذا قد يكشف عن وجود قنوات الأمم المتحدة الخلفية، وقد استخدمتها.
إذن، أي من المؤثرات السابقة سوف تؤثر على ما تريده كوريا الشمالية حقاً؟ هل تطمح لأن تمتلك قدرة نووية أو أنها ترى في ذلك ضمانة وحيدة لأمنها الخاص؟ أم هل تريد أن ترمي بثقلها في المنطقة، أو أن كيم يصنع صرخة ساذجة مبدئية لجذب انتباه أمريكا وطلب النجدة؟
نظراً لكمية المعدات العسكرية الأمريكية، واستمرار انعدام معاهدة سلام بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية، فإنه سيكون من المنطقي تماماً لكيم أن يبحث عن سلام وأمن مستقرين بشرط أن يبقى عازماً على القيام بذلك دون الحاجة للكشف عن الضعف.
والسؤال هنا فيما إذا كان بالنسبة للأمم المتحدة أو بالنسبة للوسطاء السويسريين أو بالأحرى بالنسبة لدونالد ترامب، يجب أن يكون التالي: كيف تساعد كوريا الشمالية نفسها في الانتقال من هنا إلى هناك دون أن تقع مصادفة في حرب على طول الطريق؟

* صحيفة (الإندبندنت) البريطانية
4 سبتمبر 2017