مثلما تورق الكروم وتزهر في الروابي؛ تورق أغنياته فينا وتخضرُّ حباً، وتزهر عشقاً.
ومثلما تتبرعم عناقيدها في قلوب محبيه وتثمر، تتعنقد فينا إبداعاته الفنية أشواقاً ومحبة.. حنيناً ولقاءً.. أنيناً وصفاءً.. ترانيم وجد، وألحاناً آسرة.
تغسل الأرواح، وتنقي القلوب، وتشفي أوجاعها.
تشجي النفوس الحائرة، وتطهر أحزانها.
مع كل نغمة حب، هفت أرواحنا، سفراً ورحيلاً، وفي كل ترنيمة شجن، هامت قلوبنا فرحاً وحزناً، تحملها تقاسيم لحونه الماطرة، نحو مدارب فيوضها، حين يشدو بجمال الكلمة وعذوبتها، ويزيدها عذب صوته الآسر رقة وانسياباً، وتمنحها رخامته رونقاً وبهاءً، ليسافر بنا نحو فضاءات الكلمة وعوالم رحابه، وصلاً وانكساراً، بوحاً وجرحاً، بلسماً وهياماً، تباريح عشق، وتسابيح محبة..!
في الجزء الثاني من أسفار أيوب الجميلة، تواصل (لا) نشر تفاصيل محطات هذه الأسفار وبدايتها تعز.
في طي أسفار الفنان أيوب طارش الجميلة، سنقف في حوار العمر هذا قليلاً عند محطة من محطاته الفنية التي لايستطيع أي صحفي أو أي كاتب تجاوزها، وهو يتتبع محطات أسفاره مع شعراء الكلمة الصادقة واللحن الحنون، خصوصاً مع شاعر بحجم المبدع (عثمان أبو ماهر)، الذي رحل عنا في 20 يناير 2013م، بعد 69 عاماً من العطاء الثوري والإبداع الأدبي والفني، ومن ضمنه عطاؤه وتعاونه الفني والعملي في مهمة مشروع جمع التراث اليمني الفني والشعبي، مع الفنان أيوب طارش، في سبعينيات القرن الماضي، كما أسلفنا في سطور هذه الأسفار، وأسفر عنه ولادة أغاني أيوب التهامية، ومنها أغنية (وازخم) كما ذكرنا سابقاً، والتي تقول بعض أبياتها:
(وا زخم واسمر
قاهو حالي خطر
لما رأيتك وا زخم
بامكف تغرس شجر
حبيت أنا غرس امأشجار 
روح روح امزهر
وا دقيق وا رشيق 
هو غالي وا رفيق امبكر
أفديك أنا وامحنى 
أفديك أنا وامدرر)
وهنا سنقف عند بعض محطات التعاون الفني بين هذا الشاعر والفنان أيوب، ولتكن البداية مع رائعتهما الغنائية (شبابة الساقية) ولحنها البديع وكلماتها الجميلة التي يقول فيها أبو ماهر:
(شبابة الساقية في ظل وادي بنا
هناك أعطى التراب الحب خلي وأنا
والبن والزرع والدردوش قد ضمنا
وأصبح الحب في دنيا المحبة لنا
أرضي أنا يا ابتسام الحب في كل جيل
يا أرض نشوان يا تاريخ شعبي الأصيل
تحية الحب تهديها تلال الدليل 
وبُن وادي بني حماد عذب الجنى) 
يقول أيوب: لقد كان الشاعر الراحل عثمان أبو ماهر من أهم الشعراء الذين ربطتني بهم علاقة صداقة وتعاون فني منذ بداية سبعينيات القرن الماضي، عندما كُلفنا معاً من قبل الرئيس الحمدي بمهمة جمع أغاني التراث الفني والشعبي التي كنا قد بدأناها بمحافظتي إب وحجة، واستمرت علاقتنا وتعاوننا الفني طويلاً، وكان ثمارها عدد من الأعمال الفنية سواء كانت أغاني عاطفية  أو وطنية أو غيرها من الأناشيد الثورية.
وبحسب ما هو منشور بديوان الشاعر أبو ماهر (النغم الثائر) فقط؛ نجد أن هناك تقريباً 10 قصائد غنائية تغنى بها الفنان أيوب طارش، منها أغنية (النغم الثائر) التي حمل اسمها عنوان أول دواوينه الشعرية، والتي يقول فيها:
(يا نسيماً عابقاً كالزهر 
يا جلال الحق صوت القدر 
يا سطوراً من دماء الشهداء 
يا نشيداً في قلوب الشرفاء)
الى قوله:
لك روحي كله يا يمني 
أنا شدو في لسان المؤمنِ 
أيها السائل عني يمني شعري وفني
(لك جهد في سباق الزمنِ 
أنا نبض في ضمير الوطنِ)
وفي رائعته الغنائية (شني المطر) العابقة كلماتها ولحنها بتربة هذا الوطن سهوله والجبال، وتعانق روحها غيم سماواته؛ نجد أبو ماهر وأيوب يسكبان روحيهما في هذه الأغنية التي تقول كلماتها:
(شني المطر يا سحابة فوق خضر الحقول
قولي لمأرب متى سده يضم السيول؟
وآب يهدي لأرض الجنتين السبول
والبيض تقطف زهور الورد بين الطلول
شني المطر يا سحابة فوق وديانـنا
واروي تراب السعيدة لأجل أجيالنا
شدي عروق السواعد حول أتلامنا
واصغي معي لموسيقى نشيد الحقول
يا بلاد السدود بالتعاون نسود فوق هام الوجـود
وانحناء الورود فوق حضن البرود خالداً لايزول
يا فتى يا بتول قوم احرث
 وقول مات عهد الخـمول
قبلوا يا شباب سدكم والتراب بعد طول الغياب
واهجلوا بالحلول بالمهايد
 شمول في سفوح السحول
حان وقت الصراب يا محاجين
 آب آه ما أحلى السبول
يا معبد الشمس كم لك محتجب واحبيب؟
قلِّي متى بعدما قاسيت شــوق الغريب؟
تعود شمس الحضارة منك بعد المغيب
والسمر يحيين من حولك رنين الحجول
بشراك يا مأرب الأمجاد عدنا وعـــاد
يهدي لك الخير لأجل الأقوياء الشــــداد
يبني ويزرع غروس البن في كل واد
لابد ما تلتقي فيه الفروع بالأصول
شاواصل السير يا تاريخ سجل مسير
واكتب على صفحة الأيام حرف المصير
واشهد مع الكون فردوس الأماني الخضير
هذي بلادي وأنا فلاحها والبتول)
وحينما كانت الأرض مشطورة، والوجه وجهين، كان الشاعر أبو ماهر يمنِّي النفس بأن يكون طائراً عابراً لكل الحدود المصطنعة، فكان ذلك الحزن والأسى، وكانت تلك القصيدة التي شدا بها أيوب وتغنينا معه بكلماتها ولحنها الشجي، وتجاوزنا على أجنحة أحلامها كل الحدود: 
(يا ليت وأنا طير ما يحمل مرور 
شنزل عدن فجر وشمسي في حجور
محد يقل لي علومك والطيور 
ولا يسائل إلينه من تزور 
يوم كنت جاهل تجرعت الأمر 
من غاب قالوا عدن شلت نفر 
واليوم شبيت وعلمني البصر 
أن اليمن واحد بحراً وبر)
أما أغنية (ألا واهيامة) أو (هيامة الصُّرَّب)، فهي رائعة أخرى من روائع الفنان أيوب والشاعر أبو ماهر، وتجليهما في هذا اللون الغنائي الجميل الذي تغنيا فيه بالأرض وجمالها، وبحب الوطن وجنونه، وقد جاءت كنتاج إبداعي أثناء مهمتهما في جمع التراث الشعبي، حيث يذكر الشاعر أبو ماهر أنهما وجدا لحنين خاصين بالحصاد فارتأيا جمعهما بأغنية واحدة، لأن التلوين يزيد من القابلية لدى الناس، فكتب هو القصيدة، وأعاد صياغة لحنها الشعبي الفنان أيوب، وقدمت للجمهور في سبعينيات القرن الماضي، وتقول بعض كلماتها:
(دخن اليمن ما اشذاه
يا جيل لا تنساه 
واللي نسى أرضه 
الأرض يا عشاق 
وماؤها الرقراق 
وتربها من ذاق
والحب ما أسماه 
مرعى البقر والشاه
والله أنا ما شاه
هي جنة المشتاق
يداوي الأحراق
يهذب الأخلاق)
لقد شكل الفنان أيوب طارش والشاعر عثمان أبو ماهر لوحات غنائية تزهو باخضرار الأرض وبجمال المحبة والانتماء، وفي مهاجل (ألا معين) الشعبية التي أعادا صياغتها الشعرية واللحنية، نسافر مع هذا الجمال الإبداعي: 
(ألا معين
ألا يا الله يا رازق الطير
ترزق تخارج من النير
ألا معين
ما في المقايل لنا خير
ولا السؤال من يد الغير
سلمه واسلم داخل المتلم
سلمه واسلم يا خفيف الدم
سلم المحجان يا حلي يا احوم
ألا معين
يا ذي الطيور بشريني
عمن هجر خبريني
لمه لمه اكه ناسيني
هجره طوى لي سنيني
وابليبل ألا وابليبل
وابليبل ألا وارحيل
وابليبل وابو البلابل
وابليبل ألا وارحيل
وابليبل قيّم معي الزرع
وابليبل خلي المقايل
ألا معين
تعاونوا يا جماعة
تعاونوا بالزراعة
حب التراب به نفاعة
يندي فطير الجراعة
بالتعاون نقوى الزراعة
وابليبل ألا وارحيل
بالتعاون جنب الصناعة
وابليبل ألا وارحيل
بالتعاون الأرض تندي
وابليبل ألا وارحيل
بالتعاون ساعة بساعة
وابليبل ألا وارحيل
ألا معين
محلا الزراعة واغايب
ألا والماء في كل المدارب
إرجع لعذر الشواجب
شم الذرة في لواء إب
سلمه واسلم دخن أرضي طعم
سلمه واسلم كم حكوا يا نعم
سلمه واسلم بعد سيل العرم
إن سد الإباء ما درى كيف هدم
ألا معين
يا موطني الوفا لك
شاعيش أبني جلالك
واسكب لأروي تلالك
جميل ليبقى ظلالك)
وقبل عدة سنوات أعاد المخرج المتألق عادل عبد الباري إخراج لوحات أيوب وأبو ماهر الغنائية، في قالب فني جميل تحت عنوان (لحن الحقول)، وهو أوبريت غنائي قامت بإنتاجه الفضائية اليمنية، وهو أجمل ما يمكن أن نختم به هذه الأسفار وهذا البهاء الفني بينهما: 
(إيه هلا 
ليلبه ليلبه ليلبه ليل 
ليلبه ليلبه ليلبه ليل
ليلبه ليلبه ليلبه ليل
إيه هلا 
يا طيور اسجعي 
إيه هلا
وادي العدين بُنُّه أزهر 
إيه هلا
يا غصون اركعي 
إيه هلا
فوق التراب حبنا أكبر 
إيه هلا 
يا شباب البُكر 
إيه هلا
الجد بالخير بشر 
إيه هلا
حان غرس الشجر
إيه هلا
هيا اغرسوا أرض حمير
دانة ليلك واليلبه 
دانة ليلك واليلبه
سحرك يا أرضي فريد 
دانة ليلك وليلبه
فيك هَنا العيش الرغيد
دانة ليلك واليلبه
أنت معشوقي الوحيد
دانة ليلك واليلبه
واحبيب شد اليدين 
دانة ليلك واليلبه
خلي بنانك يعرقين
دانة ليلك واليلبه
فوق أرض الجنتين
دانة ليلك واليلبه
وامقيبل غني لنا 
دانة ليلك واليلبه
غني وارقص حولنا
دانة ليلك واليلبه
أرضنا أرض الهنا
دانة ليلك واليلبه
شبابة الساقية في ظل وادي بنا
هناك أعطى التراب الحب خلي وأنا
والبن والزرع والدردوش قد ضمنا
وأصبح الحب في دنيا المحبة لنا
أرضي أنا يا ابتسام الحب في كل جيل
يا أرض نشوان يا تاريخ شعبي الأصيل
تحية الحب تهديها تلال الدليل 
وبُن وادي بني حماد عذب الجنى
وابليبل ألا وا بليبل
وا بليبل ألا وا رحيل 
ألا معين
ألا يا الله يا رازق الطير
ألا معين
ترزق تخارج من النير
ما في المقايل لنا خير
ولا السؤال من يد الغير
وابليبل ألا وا بليبل
وا بليبل ألا وا رحيل 
وا بليبل وا بو البلابل
وا بليبل ألا وا رحيل 
وابليبل قيّم معي الزرع
وا بليبل ألا وا رحيل 
وابليبل خلي المقايل
وا بليبل ألا وا رحيل 
ألا معين
محلا الزراعة واغايب
ألا والماء في كل المدارب
إرجع لعذر الشواجب
شم الذرة في لواء إب
شوار محلى شوار الأرض محلى حلاك
أفدي جهودك وا ساقي زرع وادي بناك
وافدي خدودك وا زارع أرضنا نا فداك
هواك أهواه بالله ضمني في هواك
من شورك وا شوار الزرع زيّد بهاك
شوار كفك مخضب واململم خطاك
معك معك شلني الواد شسقي معاك
شلملم الماء شسقي الزرع شروي ظماك
إيه هلا 
يا سحاب اسكبي
إيه هلا 
واروي ترابي وحبي
إيه هلا 
يا ملاح اطربي
إيه هلا 
زرع الهوى وسط قلبي
إيه هلا 
ليلبه ليلبه ليلبه ليل 
ليلبه ليلبه ليلبه ليل
ليلبه ليلبه ليلبه ليل)