منذ سنين والتعليم الحكومي في اليمن يعاني من إهمال الحكومة والفساد الحاصل في المؤسسات التربوية. ومع ظهور التعليم الخاص زادت معاناته، وأصبح يتهادى على عصا مكسورة، ونظيره (الخاص) ينتظر الفرصة التي يتعثر فيها ليستغل تعثره في زيادة ربحه رغم اتكائه على المعلمين العاملين في القطاع الآخر (معلمي المدارس الحكومية).
إن تأخر انطلاق العام الدراسي في المدارس الحكومية هذا العام بفعل إضراب المعلمين انعكس إيجاباً على المدارس الخاصة (الأهلية) التي استفادت كثيراً سواءً من خلال إقبال الكثير من أولياء الأمور لتسجيل أبنائهم فيها، أو باستغلال الموظفين التربويين للعمل معها بأقل أجر، محققة أعلى نسبة أرباح.
مصائب (الحكومي)
 فوائد لــ (الأهلي)
بحسب الروزنامة المدرسية كان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي قبل 3 أسابيع، لكن إضرابات المعلمين حالت دون ذلك في المدارس الحكومية، لينطلق هذا الأسبوع بعد رفع الإضراب، أما المدارس الخاصة فقد التزمت بانطلاق العام الدراسي في موعده المحدد، ليس بهدف التعليم ذاته، ولكن سعياً وراء جني الأرباح، مستغلة تأخر انطلاق العام الدراسي في نظيرتها الحكومية، لتحقيق المزيد من المكاسب المادية، وهو ما كان لها، حيث استطاعت جذب الكثير من التلاميذ المتعطشين للتعليم الذين أوصدت الإضرابات أبواب المدارس الحكومية في وجوههم، وأيضاً استغلال مدرسي المدارس الحكومية للعمل لديهم وبأبخس أجر، ويصبح بذلك المال هو المعيار الذي يقرر حصول الطالب على تعليمه، وليس طاقته ورغبته في العلم.

حقيقة المدارس الخاصة
يرى البعض إيجابية بانطلاق العام الدراسي حتى وإن اقتصر الأمر على المدارس الخاصة دون الحكومية، ومن هؤلاء الأستاذ محمد الشاجع (أحد المعلمين المرموقين في القطاع الحكومي) الذي يرى أن هذه الإيجابية تمثلت في فرض استمرار العملية التعليمية وتوليد نوع من خيبة الأمل لدى تحالف العدوان ومرتزقته كونهم لا يريدون ذلك.
لكنه يستدرك: غير أن الأمر لم يكن مقصوداً من قبل إدارات المدارس الخاصة، لأن هدفها الرئيسي من فتح أبوابها في هذا الظرف هو تحقيق أعلى نسبة أرباح باستغلال توقف التعليم في المدارس الحكومية بفعل الإضراب، فهذا هو النهج الذي تتخذه هذه النوعية من المدارس (الشركات) منذ سنين، حيث لم تسعَ للنهوض بالتعليم كونه ليس على سلم أولوياتها، بل كل اهتماماتها تنصب أولاً وأخيراً على جمع المال.
فعندما يدخل الباحث عن الحقيقة إلى غياهب إدارات هذه المدارس حاملاً بيده مصباح معاناة الناس، يكتشف أن ما يهم الكتل المكونة من اللحم والعظم الجالسة على كراسي لا تمت للتعليم بصلة، هو تحقيق أعلى نسبة ربح، وليس النهوض بالقيم التربوية والتعليمية التي من أبرزها رفع جودة التعليم وتطويره.
لقد اتكأت هذه المدارس منذ ظهورها على الحكومة التي لم تضع معايير خاصة وعالية لإنشائها تعوض بها ما لم تستطع توفيره في المدارس الحكومية, حتى وإن كانت تراقب الأداء فيها، إلا أن ذلك لم يحد من لهثها وراء المال عوضاً عن التعليم بسبب الفساد المستشري داخل جسد وزارة التربية والتعليم، بحسب كلام الأستاذ الشاجع.
وأصبح ضرر تلك المدارس على التعليم أكثر من فائدتها، ومن الشواهد على هذا هو غياب أو ندرة الطلبة الراسبين فيها، فالجميع يحصل في نهاية العام الدراسي على شهادة نجاح مقابل ما يدفعه من مال، كما مكنتها الوزارة من اكتساب شهرة واسعة بتركها المجال أمام إداراتها لاستقدام مدرسين من المدارس الحكومية للعمل فيها بأجور تقل مع مرور الزمن حتى تفضي إلى التخلي عنهم. 

ثراء على حساب المعلم
وبدعم وزاري
إن الضرورة هي التي دفعت بمعلمي القطاع الحكومي للعمل في القطاع الخاص طوال الفترات الماضية، كون المرتبات التي يتقاضونها من الحكومة لا تكفي لتوفير تكاليف المعيشة, وعند بداية العدوان وحربه الاقتصادية التي فاقمت معاناة كافة أبناء الشعب بينهم فئة المعلمين بانقطاع المرتبات، استغلت المدارس الأهلية الوضع لامتهان المدرسين وهضم حقوقهم بتشغيلهم بأبسط الأجور، محققة أرباحاً عالية.
الأستاذ منصور مفلح (اسم مستعار)، أربعيني العمر، يعمل معلماً في واحدة من أشهر المدارس الحكومية، تحدث للصحيفة بكل شفافية عن استغلال المدارس الخاصة لهم، خصوصاً في هذه الفترة، والمعاملات السيئة التي يلاقونها، ملتمساً ذلك من عمله في الكثير منها داخل العاصمة، قائلاً: هناك مدارس استغلت الوضع الاقتصادي السيئ الذي يمر به البلد بفعل العدوان والحصار، وحاجة المدرسين الذين قدموا إليها بحثاً عن عمل يغطي غياب الراتب, ومنحتهم أقل الأجور التي وصلت أحياناً إلى 20 ألف ريال للجدول الكامل.
وأكد مفلح أن تلك المدارس لا تعترف بحقوق المعلمين العاملين فيها منذ نشوئها، حتى عندما يتعرضون للشتم والضرب أحياناً من قبل الطلاب، لا يحصلون على حقهم من تحرك الإدارة، لأن اهتمامها منصب على المال الذي يدفعه الطالب، والذي يمثل عنصر ربح لها, بينما ترى المدرس عكس ذلك.
إذن، لا يستطيع المدرس أخذ حقه طالما والإدارة التي يعمل معها تقف ضده, فهي تضع عقوداً وهمية تنظم شروط العمل بينها وبين العاملين معها، لا تظهر إلا أمام اللجان القادمة من مكتب التربية والتعليم أو من الوزارة، والتي قال عنها الأستاذ منصور إنها لم توجد معايير محددة للحقوق داخل أسوار المدارس الخاصة، حتى النقابة المعنية بهم مغيبة تماماً. 

نقابات التربويين تترك أعضاءها في مهب الاستغلال 
مع كل تلك الانتهاكات لحقوق المعلمين من قبل إدارات المدارس الخاصة، تغيب النقابات التربوية على اختلاف مسمياتها عن إنصافهم، ولا تظهر أو بالأحرى لا يعرفها الشارع إلا عندما تتحرك لعرقلة سير العملية التعليمية، كما حدث قبل أسابيع في دعواتها للإضراب وتعطيل العام الدراسي، بينما تترك أعضاءها عرضة لاستغلال وامتهان أصحاب وإدارات المدارس الأهلية (الخاصة).
بحثنا طويلاً عن معلم يؤكد لنا ما قيل عن النقابة، وعندما وجدنا أحدهم اشترط علينا للحديث عدم ذكر اسمه، فقد تعرض لاعتداء من قبل طالب وولي أمر داخل المدرسة الخاصة التي يعمل فيها وتتبع مديرية السبعين، حتى سال دمه، وفي الأخير فضلت إدارة المدرسة التخلي عنه رغم عمله فيها لسنين طويلة، والاحتفاظ بالطالب.

مكتب تربية السبعين 
يتهرب مثبتاً التهمة
توجهنا، الثلاثاء قبل الماضي، إلى مكتب التربية والتعليم بمديرية السبعين، وبحثنا عن المسؤول عن قطاع التعليم الأهلي والخاص بالمنطقة، ولكن لم نجده، فاتصلنا به وأخبرناه بموضوعنا، وأبدى بدايةً ترحيبه واستعداده للإجابة على كل التساؤلات، طالباً منا إرسالها إلى رقمه.
ومر اليوم الأول دون أجوبة، فذهبنا إليه مجدداً في صباح اليوم التالي، ووجدناه في مكتبه، ورفض نقاش الموضوع بدعوى انشغاله، واعداً إيانا بالإجابة على الأسئلة التي طرحناها عليه حول البنود واللوائح المنظمة لعمل المدارس الخاصة، وعن حقيقة استغلالها للمدرسين وانتهاكها حقوقهم، وتواصلنا معه في ذات اليوم ليلاً عبر تطبيق (واتساب)، ولكن دون جدوى.
انتظرنا حتى الخميس عله يقوم بإرسال الإجابات، وبعثنا له برسائل رد عليها بتأكيده على أنه سيقوم بذلك ليلاً، لكنه اعتذر في الموعد المحدد لاستقبال إجاباته برسالة نصية يخبرنا فيها بانشغاله، ويبارك لنا بيوم الجمعة.
إن هذا التنصل من المسؤولية يثبت ويبرهن حقيقة ما ذكره المعلمون من سكوت الوزارة ومكاتبها على الانتهاكات التي تمارسها بحقهم إدارات المدارس الأهلية, وأن الوزارة سواء بقياداتها السابقة أو الحالية لا تعطي مراقبة هذا القطاع أية أهمية.

رؤية مغلوطة
إن رؤية معظم المواطنين للمدارس الخاصة بأنها تقدم خدمات تعليمية لأبنائهم أفضل من الحكومية، هي فكرة مغلوطة, فهناك حقائق لا يعرفها الكثير عن هذه المدارس التي استفادت كثيراً من الوضع السيئ الحاصل في قطاع التعليم الحكومي لبناء ثروة هائلة.