ترجمة خاصة لـ موقع لا ميديا:زينب صلاح الدين 

في الشهر القادم ستعلن السعودية عن نهائيات اليانصيب؛ والجائزة؟ عقود بمليارات الدولارات لبناء مفاعلين من الطاقة النووية في مناطق متفرقة من الصحراء على امتداد الخليج الفارسي.
بالنسبة لولي العهد الأمير محمد بن سلمان فالمفاعلات هي مسألة قوة وهيبة عالميين، وهي خطوة باتجاه مواكبة البرنامج النووي للمنافس الشيعي إيران، مع إخماد بعض التعطش المحلي في المملكة للطاقة.
وبالنسبة لإدارة ترامب, يطرح هذا التنافس خياراً شائكاً بين تعزيز وجود الشركات الأمريكية ومكافحة الانتشار النووي, إذا أرادت الإدارة أن تعزز فرص اتحاد الشركات الأمريكية بقيادة ويستينغ هاوس؛ فإنها ستضطر لتعديل القواعد التي تهدف إلى الحد من الانتشار النووي في جزء غير مستقر من العالم, وبالتالي قد تزيد المخاطر الأمنية، وقد يشجع ذلك دول الشرق الأوسط الأخرى على أن تحذو حذوها.
يقول جون وولفستال، مستشار في الأسلحة النووية، كان مديراً لمراقبة الأسلحة ومنع الانتشار النووي في مجلس الأمن الدولي تحت قيادة الرئيس باراك أوباما: (إذا كان السعوديون سيحصلون على اتفاق من دون قيود، فإن ذلك سوف يشكل سابقة خطيرة في المنطقة، وانقطاعاً كبيراً مع السياسة النووية الأمريكية على مدى السنوات الـ50 الماضية).. هذه القضية هي اختبار لسياسة ترامب الخارجية وبراعته أو مهارته الشخصية في التفاوض, وقد قام كل من صهر ترامب جاريد كوشنر وسكرتير الطاقة ريك بيري، بزيارات إلى الرياض بهدف التملق للأمير الشاب، والفوز بعقود كبيرة لصالح الشركات الأمريكية التجارية, ولم يؤت ثمار ذلك إلا القليل.. أما الآن في الوقت الذي يستعد فيه محمد لزيارة الولايات المتحدة في مارس، يلوح الموعد النهائي السعودي لويستينغ هاوس التي تشق طريقها نحو الإفلاس، وتحرص على العثور على عملاء لتصميمها المثير المشاد به كثيراً إي بي 1000 (مفاعل نووي), وبدون صفقة دبلوماسية, قد يتم تهميش ويستينغ هاوس ومجموعة كورية جنوبية تستخدم التقنية والأجزاء الأمريكية لصالح شركات الدولة الروسية والصينية.
إن القواعد الرئيسية التي تحكم المبيعات النووية للمملكة العربية السعودية منصوص عليها في وثيقة تعرف باسم (اتفاقية 123)، سميت في ما بعد قانون الطاقة الذرية عام 1954.
لدى الولايات المتحدة (اتفاقية 123) مع 23دولة, تايوان وراتوم مجموعة من 27 أمة, والشروط تختلف: وافقت تايوان والإمارات على أشد القيود, أما الاتفاقيتان مع الهند واليابان فقد قدمتا تنازلات أكثر, وتسمح غالبية البلدان باستخدام المواد النووية الأمريكية.
اقترحت الولايات المتحدة (اتفاقية 123) على السعودية -التي يعود تاريخها إلى إدارة جورج والكر بوش- وهي تفرض قيوداً صارمة على عملية تخصيب اليورانيوم وإعادة معالجة الوقود المستهلك، وكلاهما يمكن استخدامهما لإنتاج المواد الأولية لصناعة القنابل النووية.
وقد جادلت السعودية بأنها يجب أن تكون حرة في إزالة الألغام وبإثراء رواسب اليورانيوم الخاصة بها طالما أنها تلتزم بمعاهدة عدم الانتشار الدولية التي تحظر تحويل المواد إلى برنامج للأسلحة, ووقعت الوكالة الوطنية النووية الصينية اتفاقات مبدئية مع السعوديين لاستكشاف 9 مناطق محتملة لتعدين اليورانيوم الأساسي, وقال رئيس المخابرات السابق الأمير تركي الفيصل، لـ(رويترز)، في ديسمبر، إن السعودية (لها نفس الحقوق كالدول الأخرى في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، بما فيها إيران).
دعا محمد -الذي كان يطمح إلى اقتصاد سعودي نشط ومتنوع الشركات الأجنبية ـ إلى تقديم مقترحات في الخريف الماضي, وفي منتصف نوفمبر قدم المديرون التنفيذيون من 5 شركات رائدة في مجال تصميم المفاعلات النووية في العالم، بما فيها ويستينغ هاوس التي مقرها بينسيلفانيا، عروضاً للمسؤولين السعوديين.
ترجمة خاصة لـ موقع لا ميديا:زينب صلاح الدين 
أخبر خالد الفالح، وزير مصادر الطاقة الطبيعية في السعودية، (رويترز)، في 20 ديسمبر، أنه ينوي التوقيع على العقود نهاية السنة, ودافع تقديم الطاقة النووية للسعوديين قد قسم صناع السياسة الأمريكية.
وتساءل هنري سوكولسكي، المدير التنفيذي لمركز تعليم سياسة عدم انتشار الأسلحة النووية غير الربحية، الذي خدم في وزارة الدفاع الأمريكية في عهد الرئيس جورج بوش الأب: (ما هو شعورنا إزاء استقرار المملكة؟ يتم سحب المفاعلات على الأرض لمدة لا تقل عن 40 عاماً كحد أدنى، ولـ80 سنة كحد أقصى, وذلك كافٍ لجعل العالم أجمع يتغير).
لكن يقول آخرون إنه إذا لم تقم الولايات المتحدة ببناء المفاعلات عندها ستقدم روساتوم التابعة لروسيا أو مجموعة الهندسة النووية والبناء الصينية، ضمانات أقل ضد الانتشار، وستضعف القوة الدبلوماسية الأمريكية في المنطقة.
يقول روبيرت إينهورن، زميل بارز في معهد بروكينغز، ومستشار سابق في وزارة الخارجية الأمريكية ورقابة الأسلحة: (إني لأفضل أن يكون لدينا صناعة نووية أمريكية في السعودية من أن نملك صناعات نووية روسية أو صينية, لذا أعتقد أنه من المفيد أن نجدد تعاقدنا مع السعودية, يجب علينا أن نحاول الحصول على أخف القيود بشأن التخصيب وإعادة المعالجة، بما فيها فرض الحظر لفترة زمنية مطولة لنقل 20 أو 25 سنة)، (علينا إبداء بعض المرونة).

لماذا يريد السعودييون
 المزيد من الطاقة؟
إن الحاجة إلى بناء مفاعلات نووية في السعودية التي تمتلك أضخم احتياطي نفطي في العالم، ليست واضحة, تقول المملكة إنها تريد أن تحد من حرق النفط لتوليد الكهرباء في المنازل، ومن شأن ذلك أن يحرر المزيد من النفط للصادرات مصدر الدخل الرئيسي للمملكة.
وقد تضاعف استهلاك الكهرباء في السعودية ما بين 2005 و2015, وخلال بداية شهور فصل الصيف عندما ترتفع درجات الحرارة إلى أكثر من 120 درجة فهرنهايت، تحرق المملكة حوالي 7.000.000 برميل من النفط في اليوم لتلطيف الجو, أضف إلى ذلك قد وصل الاستهلاك الصناعي والمواصلات واستهلاك النفط الخام إلى 3 ملايين برميل يومياً، أي أكثر من ربع إجمالي ما تنتجه.. تشكل الطاقة الشمسية خياراً آخر بإمكان السعوديين أيضاً أن يستفيدوا من الإمدادات الوفيرة للغاز الطبيعي، فالكثير منه يتم حرقه وإهداره.

النفوذ والتكافؤ (المواكبة) ومعيار الذهب أو جولد ستاندارد (هو نظام نقدي تكون فيه وحدة الحساب الاقتصادية معتمدة على كمية ثابتة من الذهب)
النفوذ هو إغراء آخر للسعودية؛ حيث اشترت جارتها الأصغر الغنية بالنفط الإمارات 4 مفاعلات نووية طراز كوري جنوبي، وهي الآن قيد الإنشاء.
يقول فيغرغوري جوس، أستاذ الشؤون الدولية في جامعة تكساس إي آند إم: (إذا كان هناك مكان يمكن أن يعنى باحتياجات الطاقة الخاصة به دون الحاجة إلى الطاقة النووية، فسيكون ذلك المكان هو دولة الإمارات, وأعتقد أن هذا سيصبح شيئاً مرموقاً مثل المطارات الدولية).
ولكن الإمارات وقعت أيضاً على (اتفاقية 123) في يناير 2009، التي تسمى بمعيار الذهب، وقبلت بشرط عدم التخصيب أو إعادة المعالجة رغم أن القانون يفيد بأنه يمكن إعادة النظر في هذه المسألة إذا بدأ آخرون بفعل ذلك في الإقليم, وهي تخطط لشراء اليورانيوم من الولايات المتحدة وشحن الوقود المستهلك إلى بريطانيا أو فرنسا لإعادة المعالجة.
وبالنسبة للسعودية يشكل معيار الذهب في دولة الإمارات مكسباً كبيراً, يقول غاري سامور، منسق سابق في رقابة الأسلحة في البيت الأبيض، والآن يعمل في كلية كينيدي الحكومية في جامعة هارفارد: (كنا في ورطة في ظل إدارة أوباما, أردنا منهم أن يضعوا التزاماً مماثلاً لما قامت به أبوظبي، ولم نكن قد تجاوزنا هذه المشكلة في مفاوضاتنا).
الآن لدى السعودية سبب جديد تضغط به من أجل الحصول على تنازلات: الاتفاق النووي الذي توصل إليه أوباما وحلفاء آخرون مع إيران، يسمح لطهران بأن تواصل عملية التخصيب ضمن حدود صارمة في سياق الاستعمال التجاري مع التفتيشات التطفلية, وقد وصفها ترامب بأنها (أسوأ صفقة على الإطلاق), وأشارت الحكومة السعودية إلى أن بعض البنود ستنتهي بعد 15 عاماً.. يقول العديد من الخبراء في المملكة العربية السعودية إن المملكة تريد برنامجها الخاص لردع إيران أو مواجهتها؛ حيث يقول جوس: (أعتقد أن أحد أسباب ذلك هو مواكبة الإيرانيين، ومحاولة إنشاء بنية تحتية نووية من شأنها أن تتحول إلى قدرة سلاح), وقال كريستوفر فورد، مساعد وزير الخارجية لشؤون الأمن الدولي، خلال جلسات تأكيده، إن اتفاق إيران (قد صعب نوعاً ما المطالبة باتفاقيات من نوع معيار الذهب).

أصدقاء وأعداء
إن اتفاقيات التعاون النووي تختبر جهود إدارة ترامب لتعزيز العلاقات مع ولي العهد, وبالإضافة إلى البعثة التجارية والدبلوماسية لترامب في مايو, قام كوشنر بزيارة السعودية، الأسبوع الذي سبق حملة ولي العهد على المعارضين.
وبعد أسبوع من أداء بيري القسم كسكرتير للطاقة، حصل على زيارة من وزير الطاقة السعودي الفالح الذي أعطاه صقراً من الفضة بمنقار ذهبي, وفي نوفمبر عاد بيري بزيارة أخرى مدفوعة الأجر  للفالح، وعرضت الصور بيري حافي القدمين على كثبان رملية، مرتدياً روباً تقليدياً، وممسكاً سيفاً في غمده.
إلا أن الكونغريس قد يشكل العقبة الحقيقية أمام ترامب والسعوديين, وأي اقتراح يفيد بتقديم (اتفاق 123) يجب أن يعرض على الكونغرس, وسيكون الاتفاق ساري المفعول بعد 90 يوماً تشريعياً؛ إذا لم يفعل الكونغرس شيئاً لمنعه.
يقول سين إدوارد ماركي: (نحن نميل إلى استخدام الأسلحة النووية كوسيلة للتقرب من الدول حول العالم, ومن ثم ندخل في مفاوضات حول إذا ما كان هناك ضمانات, أعتقد في نهاية المطاف أنها سوف تعود لمطاردتنا نحن!).
كما يمكن أن تؤدي مراجعة شروط الاتفاق إلى إثارة شكاوى متعلقة بالهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر 2001, وقد يعترض أصدقاء إسرائيل على توفير التكنولوجيا النووية للسعوديين.
يقول جان فرانسوا سيزنيك، المستشار في مجال الأعمال التجارية والمالية في الشرق الأوسط: (أعتقد أن السعوديين أذكياء بما فيه الكفاية ليدركوا أنها ستتحول إلى عواصف خطيرة هنا في الكونغرس إذا ما حاولت تغيير الاتفاق 123).

وهم خطة مارشال للطاقة النووية (مبادرة أمريكية لدعم غرب أوروبا)
وللحظة وجيزة بدا أن إدارة ترامب ستقوم بإغلاق حواجز الطرق أمام مطوري الأسلحة النووية الأمريكيين.
في 2015 قام جن مايكل توماس فلين، المتقاعد، بعمل لصالح أكو ستريتيجيك بارتنارز (سوق الشركاء الاستراتيجيين)، للضغط من أجل الحصول على (خطة مارشال) للمحطات النووية في جميع أنحاء الشرق الأوسط, وفي منتصف 2016 تحول فلين إلى شركة آي بي ثري آيرون بريدج أيضاً التي سعت إلى موجة من البناء النووي في الشرق الأوسط.
عندما عين ترامب المنتخب حديثاً فلين مستشاراً للأمن القومي، أمر فلين طاقمه أن يحول مذكرة مكتوبة من قبل آي بي ثري آيرون بريدج، إلى مذكرة خطة سياسية, خطوة غامضة, لكن فلين اضطر للاستقالة، وهو الآن يتعاون مع المحامي روبرت ميلر، في التحقيق بشأن التدخل الروسي في الحملات الانتخابية الرئاسية في 2016.. إلا أن خطة مارشال للطاقة النووية كانت دائماً مجرد وهم.
وقد أثر الانهيار في أسعار النفط الخام في 2014، والإعانات الغذائية المحلية، والنفط، والحرب في اليمن، بشكل كبير، على الميزانية السعودية, إن عائدات أسعار النفط تساعد، لكن الاحتياطات المالية السعودية قد انخفضت من 755 مليار دولار عام 2013، إلى أقل من 500 مليار دولار اليوم، وفقاً لصندوق النقد الدولي.
ويستينغ هاوس
في صميم أي اقتراح نووي في الولايات المتحدة، يكمن ضعف الأعمال النووية الأمريكية التجارية, إن ويستينغ هاوس -وهي شركة تابعة لشركة توشيبا السابقة التي أفلست بعد أن فقدت مليارات الدولارات- تعمل كمقاول لأربعة مفاعلات في الولايات المتحدة, وقد تم التخلي عن مفاعلين في كارولينا الجنوبية، ولايزال اثنان في جورجيا قيد الإنشاء بأضعاف التكلفة الأصلية، لكنها الآن تدار من قبل الشركة الجنوبية.
في يناير كانت إدارة بروكفيلد، وهي مجموعة كندية تشارك في إدارة المال والعقارات وإنتاج النفط والغاز، قد عرضت مبلغاً بقيمة 4,6 مليار دولار لشراء ويستينغ هاوس, والجاذب الرئيسي هو خدمات التزويد بالوقود، وحيث توفر ويستينغ هاوس بطريقة مربحة المفاعلات القائمة.
سيكون بيع المفاعلات الجديدة بمثابة مكافأة, ولكن بروكفيلد لا تعول على ذلك, إن الشيء الوحيد الذي لن تقوم به ويستينغ هاوس تحت إشراف بروكفيلد، هو الأخذ بمخاطرة الإنشاء مرة أخرى, لذا تجعل مجموعة الولايات المتحدة فليور مقاولاً، وسوف يقوم إيجزيلون بتدريب مشغلي المفاعلات وفقاً للأشخاص الذين التقوا مع ويستينغ هاوس.
وفي النهاية سيؤول مصير الاقتراح الأمريكي إلى الجهود السياسية والدبلوماسية الرامية إلى التوصل إلى اتفاق 123.
قال ريب براد شيرمان، عضو لجنة الشؤون الخارجية: (تريد منا السعودية أن نقف إلى حد ما على بعض بنود اتفاق 123)، ولكنه أضاف: (كلما قل عدد الأسلحة النووية في دول الشرق الأوسط، كان ذلك أفضل، وكلما كانت الدول النووية أقل مناهضة للديمقراطية، كان ذلك أفضل، كما وكلما قل عدد الأسلحة النووية في بعض الدول التي لا أستطيع توقع حقيقة توجهها إزاء الولايات المتحدة، كان ذلك أفضل).

ترجمة خاصة لـ موقع لا ميديا:زينب صلاح الدين