تعمدت بمياه شرعب وحبي الأول في تعز وعرفت الحب الإلهي في ذمار.. 
الشاعر الكبير عباس الديلمي: قبل السياسيين قسمت اليمن فنيا إلى 6 أقاليم

حاوره : عبدالرقيب المجيدي / صحيفة لاء

لم يولد حتى اللحظة شاعر كبير مكتمل الأدوات فرض على الذائقة الشعرية اليمنية أن تتغير مثلما فعل الشاعر الكبير عباس الديلمي.
فلم تكن قصائد الشاعر عباس الديلمي مجرد مطاردة للأوزان والقوافي وحسب، وإنما هي أيضاً بحث عن الروح، وإضاءة فنية واعية لما يحدث. وإذا وقفنا أمام شعره ونثره فإننا سنقف وقفات مطولة؛ إذ إنه صاحب معانٍ خصبة لها بداية ولكن ليس لها نهاية.
يتصف أسلوب الشاعر الكبير عباس الديلمي بالحرارة في التعبير وبسلاسة الكلمة والانجذاب في الإحساس الملتحم بالصورة الهادرة.
نبغ في الشعر باكراً وذاعت قصائده الوطنية في كل الوطن العربي، وغناها كبار الفنانين العرب واليمنيين الأمر الذي بات معه شاعرنا ملمحاً فارقاً في الشعرية اليمنية والمشهد الأدبي والفني محلياً وعربياً.
يقارب هذا الحوار زوايا مختلفة من حياة عباس الديلمي لا يعرفها الكثيرون عنه، إذ أن شاعرنا كثير المكوث في الظل مع كونه كثير الحضور شعرياً كديمة ضوء سكوب لا تفتأ تتحسس بغيثها عطش القلوب والأحاسيس، فتدرأ عنها الجدب والظمأ بسخاء عطائها.
لنا الشرف في (صحيفة لا) أن خصنا الشاعر بواحدة من أندر فرص الحوار الصحفي التي قلّ أن تحظى بها وسائط إعلامية أخرى، ليس كبراً منه قدر ما هو حميمية اتصال مع صحيفتنا بحسب ما سيرد على لسانه في الحوار.
عباس الديلمي يبقى شاعراً فوق قدرة الكلمات على تقديمه، فهو حاضرٌ في الوجدان الوطني والشعبي منذ عقود مديدة دشنها بـ(يا طبيب الهوى) للفنان الكبير أحمد السنيدار، وسرعان ما أتبعها برائعة (نجوم الليل) للفنان الكبير الراحل علي الآنسي، وكان حينها في ربيع عمره الـ16.. لذا فلا أبجدية تقدم ضيفنا للقراء إلا أبجدية الضيف ذاته.


أنتمي إلى كل اليمن
 في البداية من هو عباس الديلمي الإنسان؟
إذا أردت أن أعرف بنفسي بشكل مختصر، فأول تربة لامست جسمي مياهها كانت (حيد النسور) في جبال شرعب، وأيضاً لامس قلبي الحب وأنا طفل صغير، أعني الحب الإلهي، في مدينة ذمار، وبذرت أول قصيدة لي في تربة ذبحان بالحجرية، وكان موعدي مع الحبيب الأول في تعز، وسمعت رجع صوتي من صنعاء، والتقيت البحر لأول مرة وخاطبته في عدن ملتقى البحرين.
أنا شاعر لا ينتمي إلى قبيلة بعينها ولا إلى فئة معينة، وإنما تشربت اليمن كل اليمن، وذلك بفضل تنقلات والدي -بحكم عمله- في أنحاء كثيرة وصحبتي له خلال تنقلاته من تعز إلى ذمار إلى ريمة إلى صنعاء وأنحاء أخرى. 

بين الشاعر والسياسي
 أنت تكتب القصيدة الشعرية والمقالة السياسية، أين يلتقي الشاعر والسياسي لديك؟
الشاعر والسياسي والكاتب الصحفي وكل من يمسك القلم هو يستوعب ما يدور حوله، يستوعب ما يدور في الشارع، يحس بما في القصور وبما في الأكواخ، وبالتالي يجمعها ويفرزها ويعيد إنتاجها سواءً شعراً أو نثراً حسب الحالة التي يراها، وحسب وسيلة الإيصال الأسرع التي يراها. هناك أمور تكون أكثر اتصالاً بالناس إذا ما كتبت شعراً، وبلغة بسيطة غير معقدة، وهناك أمور من الأنسب نشرها عبر الصحف ووسائط الاتصال الأخرى.. الكاتب –إذن- هو من يحدد وسيلة اتصاله بالناس تبعاً لطبيعة القضية موضوع التناول.

مصدر إلهامي
 إلى أي مدى تأخذك السياسة بعيداً عن الشعر؟
الشاعر هو سياسي، ولو تأملت كثيراً من الشعراء لوجدتهم ذوي صلة وثيقة بالسياسة، وإن لم يتبوؤوا مناصب سياسية. البعض تبوأ مناصب مثل الشاعر أحمد محمد الشامي والشاعر عبده عثمان وراشد محمد ثابت، وآخرين، بينما اشتغل شعراء بالسياسة من غير بوابة العمل في الدولة كالبردوني؛ فكانوا أكثر التصاقاً بالسياسة من غيرهم، فالسياسة تخدم ما يحاول الشاعر أن يختزله ويستوعبه ويبعث به إلى جمهوره. أنا شخصياً انشغلت بالسياسة، وأحسست أنها كانت رافداً للشعر، وأحياناً مصدر إلهام..
عرفت العمل السياسي باكراً في تعز، التي كانت بمثابة عاصمة سياسية غير معلنة لليمن، خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي، بالنظر إلى التيارات المتعددة التي تأسست ونشطت فيها كما والقادة والزعماء الذين ظهروا وبرزوا منها. ومن حسن حظي أني عشت في هذه المدينة، والتصقت باكراً بالسياسة، وبالذات الاتجاه اليساري الرافض للهيمنة والتسلط.

علاقات حسنة
 بموضوعية أو بصورة باردة وللتاريخ، كيف كانت علاقتك بالشعراء؟
علاقتي حسنة مع كل الشعراء. لا أعتقد أني اختلفت مع شاعر. يمكن أن تكون هناك تباينات في وجهات النظر حول ما هو إبداعي، أما ما هو سياسي فأنا أؤمن بالتنوع السياسي، أؤمن به إيماناً مطلقاً، ولا توجد لدي حساسية حول التنوع الديني، سواء كان مذهبياً أو دينياً، وبالتالي فإن  اختلافاتي مع الزملاء لم تتعدَّ الجانب الإبداعي ووجهات النظر.

6 أقاليم فنية
 أحد الكتاب العرب كتب في صحيفة (الشرق الأوسط) حول أوبريت (خيلت براقاً لمع) مقالاً بعنوان (عجز العرب وفعلها اليمنيون)، ماذا يعني لك هذا الأوبريت؟
أحد الكتاب العرب كتب في صحيفة (الشرق الأوسط) حول أوبريت (خيلت براقاً لمع) مقالاً بعنوان (عجز العرب وفعلها اليمنيون)، ماذا يعني لك هذا الأوبريت؟

صباح الخير يا وطناً
 الكثير من القنوات العربية تبث (صباح الخير يا وطناً)، لماذا خلت هذه الأغنية من اسم اليمن؟
ذكر اسم اليمن فيها أكثر من مرة، وبشكل مبطن، مثل (منديلك الأخضر)، فاليمن هي اليمن الخضراء، ورمزت إليها بالمنديل الأخضر، كما وبـ(يا من في كتاب الله ذكرك آيةٌ تتلى) في إشارة إلى (بلدة طيبة ورب غفور)، وفيها ذكر اليمن بصورة غير مباشرة، وقد كتبت هذه الأغنية عام 1982م إن لم تخني الذاكرة.
 
إنسانية الفنانة أمل عرفة
 ربما أنت الشاعر اليمني الوحيد الذي تعامل مع فنانين سوريين، هل مازلت على تواصل مع الفنانة أمل عرفة؟
نعم، مازلت أتواصل معها، وأغتنم هذه الفرصة لأشيد بإنسانية موقفها معي، فعندما كانت صنعاء تتعرض للقصف والدمار –بدءاً- من قبل دول العدوان، اتصلت بي، وعرضت علي الانتقال إلى دمشق، وأبدت استعدادها لتخصيص منزل والدها لإقامتي، لأكون بمنأى عن خطر الأحداث الدائرة، فقلت لها لا أستطيع الخروج من اليمن، وهذا موقف إنساني نبيل منكِ، لكن همنا همكم، والمؤامرة واحدة، وعدونا هو عدوكم، لاسيما أنكم تتعرضون في سوريا للعدوان نفسه، وعليه فليصمد كل منا حيث هو إلى أن يتحقق نصر الله.

حب سهيل عرفة لليمن
 لماذا اخترت فنانين سوريين دون غيرهم؟
هذه لها حكاية، فإبان إنتاج مسلسل (وضاح اليمن)، بالتعاون مع التلفزيون السوري، جاء فريق المسلسل إلى اليمن، وكان من بين الفريق الموسيقار الكبير الراحل سهيل عرفة، ويبدو أنه ارتاح كثيراً لليمن، إذ أنه بعد عودته إلى سوريا بعث برسالة إلى الأستاذ يحيى حسين العرشي وكان وزير الإعلام حينها، يقول فيها: (أريد أن أعبر عن حبي لليمن بعمل فني، فابحث عن الشاعر الذي تراه ليكتب نصاً شعرياً بهذا الخصوص، وسأقوم بتلحينه، وأهديه لليمن).. حينها كنت حديث العمل في وزارة الإعلام بعد التخرج من الجامعة في 1978 ـ 1979م، وكان الأستاذ يحيى العرشي يتابع لي بعض الكتابات سنوات الدراسة الجامعية، فاستدعاني إلى مكتبه، وعرض علي الفكرة، فوعدته خيراً، فكانت قصيدة (نفديك يا يمن) الشهيرة.

تعاون مع فنانين سوريين
  من هو الفنان الذي أدى هذه الأغنية؟
الفنان هو (فهد يكن)، ولحَّنها سهيل عرفة، وقد اختاره الأخير لقوة صوته، ورغم أنه فنان تشكيلي، فقد قال (عرفة) عنه إنه لو استمر في الغناء فسيحتل مكانة (فهد بلان)، ولكنه انشغل بالفن التشكيلي، ثم هاجر إلى السعودية حينها، وعمل في الديكور، فاستعانوا بخبرته كتشكيلي، فانصرف عن الفن، وهذه خسارة على الساحة الفنية. ومن خلال هذه القصيدة بدأت بالتواصل مع الفنان سهيل عرفة، وبعدها كانت قصيدة (صباح الخير). ومجمل ما لحن لي الموسيقار سهيل عرفة كان 11 عملاً، منها ما أدته ابنتاه أمل وسحر وعبدالرزاق محمد وآخرون، أما أحدث عمل فكتبته للإذاعة السورية بطلب منها عام 2011م وكان عن القدس وقد تم بثه، بصوت الفنانة سونيا مقداد.

رفضت عروضا خليجية
 ألم تحصل على عروض خليجية؟
تواصل معي بعض الفنانين الخليجيين عبر زملاء، وبعضهم تواصل معي مباشرة، ولكني أحسست أني لا أجد نفسي إلا مع سهيل عرفة الذي كدت أن أشكل معه ثنائياً.

فرادة يمنية
 بعد هذه الرحلة الطويلة مع الشعر والفن والسياسة، ما المحصول المعرفي الذي توصلت إليه؟ 
من خلال تجربتي عرفت الناس، غصت في أعماق المجتمع، ووجدت بلدي اليمن من أثرى الشعوب العربية بالفلكلور والموروث الشعبي، ولا بلد عربي يمتلك ما يمتلكه اليمن، ربما الشام، ولكنها ليست بمستوى اليمن. في اليمن تحس هذا التنوع من منطقة إلى أخرى. أحياناً في المدينة الواحدة أكثر من تنوع. في صنعاء، هناك تنوع على مستوى الحي الواحد، فـ(حي بئر العزب) على سبيل المثال له رقصاته، وأغانيه، و(برعته) الخاصة.
وفي العدين، في وادي الدور تحديداً، التقيت منشدين لديهم تراث فني متنوع مغمور، استخرج بعضه الفنان علي الآنسي، ومنه الزفة العدينية. وكذلك هناك تنوع عجيب في منطقة (خبان ـ إب). لا منطقة في اليمن تزورها إلا وتدهشك. وقد ابتعثت زميلين فنياً ومذيعاً عندما كنت رئيساً لقطاع الإذاعة، لتسجيل الفلكلور الشعبي في معظم أنحاء اليمن.. كنت حينها أخطط لإنشاء جناح خاص في مكتبة الإذاعة أسميه (المكتبة الذهبية) يوثق للموروث والتراث الشعبي بأصوات الفلاحين والمنشدين من بيئاتها، وقد جمعنا كثيراً منها، غير أن أحداث 2011م حالت دون إتمام المشروع.
في الماضي وثَّق مالك تسجيلات (جعفر فون) وآخرون في عدن –مشكورين- بعض الأسطوانات الحجرية لأكثر من 300 عمل بأصوات (القعطبي والعنتري والماس)، ولولا هذا العمل لضاعت. ثم جاء بعد فناني التراث والتوثيق فنانو الإحياء (علي الآنسي ومحمد سعد عبدالله والحارثي)، فأحيوا هذه الأعمال التراثية وطوروها وجددوها بالاستفادة من هذا التوثيق العظيم والمشكور.. باختصار كنت أنوي من مشروع (المكتبة الذهبية) ضمان استمرارية جهود التوثيق الفني ليتمكن فنانو هذا الجيل من الشباب والأجيال القادمة من وضع لمساتهم، ويخرجوا الأعمال بالشكل المناسب، وبما يتواءم مع عصرهم. عموماً لاتزال هذه الأعمال الموثقة موجودة ومرقمة في مكتبة الإذاعة وبإمكان المعنيين المضي في إتمام المشروع.

يجب تنويع الخطاب الفني
 كيف تقيم واقع الزامل؟ وما الجميل والسيئ فيه؟
انتشرت الزوامل في هذه الفترة، وهي تعتبر الأغنية الشعبية الأصدق تعبيراً عن ضمير الشعب ووجدانه. واكتشفت أيضاً أن هذا العدوان أتاح المجال أمام الكثير من المواهب الشعبية، وفجر الكثير من المواهب بين صفوف النساء. أنا أتواصل مع شاعرات ويتواصلن معي وأستمع منهن إلى بعض الأعمال وأستغرب أين كان هذا الدُّر مدفوناً!
هناك شاعرات فجرت الحرب وحجم الجرائم التي يتعرض لها اليمن مواهبهن، وأنا أستمع إلى الكثير من الإذاعات (22 إذاعة)، وهي تعتمد على لون واحد من الألوان هو الزامل. ومن الجانب الفني والإعلامي يجب أن تخاطب كل جمهورك الذي يسمعك. هناك من يتذوقك عبر الزامل، وهناك من يتذوقك عبر الأنشودة، وهناك من يتذوقك عبر الزامل المطور، فعندما تخاطب شعباً واحداً بأكمله بلون واحد يضعف خطابك ويتحجم. لذا أنصح بتنويع الخطاب في إطار القضية التي يمكن تقديمها بالأغنية العاطفية.
كتبت عن الوحدة -على سبيل المثال- أغنية عاطفية أداها الفنان الراحل محمد مرشد ناجي، وكانت آخر أعماله، وهي (وحدة ويكفيني)، وعندما تستمع إليها تحس أنها بسيطة وعاطفية، رغم أنها عن الوحدة اليمنية.. عمل آخر أعجبت به الفنانة هيام يونس، وطلبت أن تؤديه، وسجلته لإذاعة صنعاء والتلفزيون اليمني، بعنوان (وحدة عاشقين).. عاشقان هما الشمال والجنوب، وشارك في هذه الأغنية الفنان نصر دحمان.. عندما يكون لديك قضية ينبغي أن تنوع خطابك بين النثر والشعر والزامل والأغنية الوطنية والعاطفية.

جارة السوء
 صمود الشعب اليمني أمام العدوان السعودي الأمريكي يصنع نصراً، فهل سيكتب عباس الديلمي أوبريت النصر؟
من 2011 إلى 2012 كتبت ديواناً بعنوان (أيام الوجع)، وكان توثيقاً شبه يومي لما كان البلد يمر به من اندفاع فوضوي غير مؤدلج، وما يتعرض له الناس من مضايقات، وأنا منهم، فقد تعرضت للكثير من المضايقات، وأقدمت (الفرقة الأولى) على احتلال منزلي الواقع بالقرب من ساحة الجامعة قرابة عام، كما ومصادرة سيارتي. ومنذ بداية العدوان إلى الآن كتبت كذلك ديواناً لم يطبع ولم ينشر بعد، أفكر في أن أسميه (جارة السوء). يستهويني العمل الفني عندما أجد الفنان الذي يستطيع أن يقرأ أفكاري ويترجم ما أريده، وأنا بانتظاره حتى اللحظة.

عناصر نجاح العمل الفني
 كثير من الفنانين تغنوا بقصائدك، من هو الفنان الذي ترجم إحساسك؟
تعاملت مع أحمد بن غودل، وهو ملحن وليس مؤدياً، وسهيل عرفة. هذان الاثنان تفاعلت معهما، وكل منا يفهم الآخر، ويعرف ماذا يريد. وتعاملت مع أحمد السنيدار وعلي الآنسي وعلي عبدالله السمة وأيوب طارش، وأول نشيد وطني لحنه أيوب كان لي، وهو (دمت يا سبتمبر التحرير يا فجر النضال)، وكنت حينها تلميذاً في تعز.
لا أتفاعل مع العمل إلا عندما أجد أمامي الفنان الذي سيترجم ما في رأسي، فعندما تكتب قصيدة ينبغي أن تعرف أين تضعها، تماماً كحال من يريد أن يتزوج وعليه أن يختار لنطفته رحماً وفقاً لحديث شائع. فالعمل الفني يعتمد على 3 عناصر، إذا اختل واحد اختل العمل: الكلمة الجميلة واللحن الجيد والأداء الجيد.
أكتب القصيدة الشعبية، ولدي مجموعة منها تواكب ما تمر به البلاد من منعطف وأحداث. إذا كانت النساء تفجرت قرائحهن، وكتبن القصائد الشعبية الجميلة والفصيحة، فما بالك بشعراء محترفين، ولكني كما قلت أبحث عن الشخص الذي يفهمني، وإذا كنت قد وجدته في (أحمد بن غودل) إلا أن إمكانية عمل مشترك معه غير واردة، فهو يعاني من المرض، ويقيم حالياً في حضرموت، وعندما تواصلت معه قال لي: تركت الألحان لأتفرغ لمرضي.

اختبار الآنسي
  (نجوم الليل تسألني) هل كتبتها فعلاً وأنت في المرحلة الابتدائية؟
كتبتها وعمري 16 سنة، وأول أغنية هي (يا طبيب الهوى) غناها الفنان أحمد السنيدار، وبعدها بشهر كتبت (نجوم الليل)، وقد تلقف الفنانان أحمد السنيدار وعلي الآنسي هذه القصائد، وأنا طالب في الإعدادية، وأعطياني حافزاً، وغنيا هذه الأغاني قبل أن أتعرف عليهما، وعندما التقيت بهما لم يصدقا أنني كاتبها. فذهبت إلى الفنان علي الآنسي، وكنت بصحبة أخي الذي أعطاه القصيدة، وقد أراد بذكاء أن يتأكد مما إذا كنت صاحبها بالفعل، فأعطاني قصيدة وقال لي أريد ملاحظاتك عليها، ففعلت، فتأكد له حينها ما أراد وقال إن قصيدتي صادفت هوى في نفسه، لاسيما وأنه كان يعيش قصة حب، ترجمتها القصيدة كما أخبرني: (كأنك كتبتها عني).

انزعاج المتطرفين
 من هم الذين كانوا ينزعجون من قصائدك؟
من يغلب عليه التطرف، لا أقول التطرف الديني، وإنما التطرف الجهلي باسم الدين. عندما أصدرت أول ديوان، وقدم له الشاعر عبدالله البردوني، واختار عنوان (اعترافات عاشق)، قرأه أحد أصدقاء والدي، فقال هذه اعترافات فاسق، وليست اعترافات عاشق، فقلت لا، عليك أن تقرأ التراث العربي، واقرأ لأبي نواس وقصائد المتنبي، والتي كانت تبدأ بالغزل... فحاولت أن أحاضره أنا بدلاً من أن يقنعني بما يريد.

المشهد الشعري جميل
 هل المشهد الشعري في بلادنا لا يزال على حيويته؟
المشهد الشعري جميل، وأنا أتفاءل عندما أستمع إلى بعض الشعراء، وأقول هذا أمل اليمن في الشعر. وأتذكر حين ظهر بليغ حمدي في مصر وهو شاب، فأطلق عليه لقب أمل مصر في الموسيقى، وبالفعل كان أمل مصر.

صحبة الراعيات
 للطفولة ذكريات، ما هي الذكريات التي لا تزال عالقة في ذهنك؟
والدتي من محافظة إب من (وادي الذاري) القريب من (الرضمة)، وهو من أخصب وديان اليمن، ومن أثرى المناطق بالفلكلور الشعبي، وهناك تفتحت مداركي طفلاً نحو القصيدة، حيث كنت أستمع لنساء الريف اليمني الذي لم يكن مهيمناً عليه بهذا الشكل القمعي الراهن.. كان منفتحاً، كانت المرأة شقيقة الرجل بما تعنيه الكلمة، في المزرعة، في الأغاني، في المناسبات، فكان في تلك المنطقة بعض الأهازيج التي تؤديها النساء مثل (البالة)، والفتيات يسرحن في المراعي.. كنت أقضي الإجازة الصيفية عند والدتي هناك، وتستهويني مرافقة الراعيات، ولا أرافق الرعيان، لأن الراعية كانت تذهب إلى المرعى ومعها شيء من الأكل وشيء من ألوان الغناء الذي تؤديه، فكنت أسأل نفسي وأنا صغير لماذا لا أكتب مثل هذا الكلام الذي أسمعه منهن؟! وهكذا كانت أغنية (يا طبيب الهوى) التي حاكيت فيها وزن أغنية منتشرة كانت تؤديها الراعيات في (وادي الذاري) مطلعها (يا رسول الذنوب يا الله يا خير مطلوب). أستطيع أن أختزل ذكرياتي عن ذلك الوادي بالقول إن الحب لامس قلبي فيه.

  كيف تنظر وأنت في هذا العمر من الإنجاز الشعري، إلى صورتك الشعرية؟ هل أنت مقتنع بما قدمت؟
مقتنع بما قدمته، سواء كان شعراً أو نثراً، بما في ذلك ما قدمته من أعمال إذاعية، وأحس أني أديت دوري كما شاء لي أبي أن أكون.

أنا من أنصار (لا)
  ما تقييمك وبكل موضوعية لصحيفة (لا)؟
صحيفة جميلة، ويكفي أنها (لا). لا أخفيك أني من أنصار الـ(لا) عندما تكون على حق، الـ(لا) عندما تكون فاصلة بين الحق والباطل. أنا من أنصار هذه الـ(لا)، وهذه الصحيفة أرى أنها تعكس ما أراه في كلمة (لا).

كلمة أخيرة...
لا يسعني إلا أن أشكركم وأشد على أيديكم، ومن خلالكم أشيد بكل قلم وقف من أجل اليمن، من أجل عزة اليمن واستقلالها وامتلاك قرارها، نحن نناضل أكثر من نصف قرن من أجل أن يمتلك بلدنا قراره، منذ أن قال الرفيق عبدالفتاح إسماعيل علينا أن نقف وقفة جادة أمام (العدو التاريخي)، أمام جبروت وتسلط بني سعود، وهو من أطلق عليهم هذا الوصف. أنا أشيد بكل قلم وقف من أجل اليمن، وأدعو كل زملائي وكل صاحب قلم إلى أن تكون قضيتنا سيادة البلد وسيادة الشعب على أرضه، وامتلاك قراره، لا يملى عليه، ولا يكون حديقة خلفية لأي تيار أو قوى رجعية أو نفطية. 

حاوره : عبدالرقيب المجيدي / لا ميديا