القصيدة هي الإنسان والحياة بكل تفاصيلهما وتقلباتهما

حوار:  أحمد عطاء/ لا ميديا

زنداني التهامي شاعر له كاريزما مختلفة تماماً، كتاباته جذابة كقلبه الذي يحمل هموم الحب والوطن بفلسفية درويش وعمق الجواهري.. شاهق جداً بتفكيره وسلاسة تراكيبه اللغوية، فهو شاعر حداثي وعمودي أيضاً، حينما يقرأ عليك نصاً بصوته، يجعلك تتلذذ وتتذوق بطريقة مدهشة جداً لما يكسو نصوصه من أحاسيس صادقة وحقيقية جداً.. وكلما اقتربت من قصائده اكتشفت أنك أمام شاعر بديع بكل ما تعنيه الكلمة، شاعر متطور ومتجدد وحداثي حد الدهشة.. حينما قرأت له لأول مرة أعجبت به كثيراً، وشعرت أنني محظوظ بمعرفته، فهو فيلسوف وعميق جداً، متذوق لدرويش ومتأثر به كثيراً.. توقفت اليوم أمام إبداعه الشاهق، محاولاً استدراجه في حديث مختصر حول تجربته النادرة، وكيف استطاع أن يصل إلى هذا المستوى من الكتابة الأكثـر من رائعة.

ـ أهلا بك شاعرنا الرائع..
أهلاً وسهلاً وحياك الله. 

طريق آخر للقصيدة
ـ زنداني التهامي.. يا ترى من هو؟ 
زنداني هو شاب طموح في مقتبل العمر، يحلم بالقصيدة، ولكنه سلك إليها طريقاً آخر غير الذي يسلكه الشعراء، فدرس التخدير كطريق آخر ربما يوصله إلى القصيدة.

ـ من أين يستمد الشاعر زنداني التهامي هذه الروح الشعرية المتوهجة؟
أستمد تجربتي الشعرية من عالمي الخاص بروحي التي ترفض البقاء في مكان واحد، ثم إن الواقع الذي يحيط بي هو الذي يلهمني الشعر، فالإنسان والوطن والمرأة والحياة بكل تفاصيلها هي مجالي الشعري..

يتقمص درويش
ـ لنبدأ من محمود درويش.. أرى تأثيره الكبير عليك وعلى كتاباتك.. كيف تفسر ذلك؟
ربما إنني لا أعرف درويش كما يعرفه غيري من الشعراء، فعلاقتي به علاقة سمعية أكثر مما هي مطالعة وقراءة، فقصائد درويش الصوتية ترافق صباحي تماماً كصباحات فيروز، وما جمعني بدرويش هي قضايانا العربية وإنسانيتنا المسلوبة، (فنحن بحاجة إلى قطعة من الأرض كي نمارس عليها إنسانيتنا) كما يقول درويش. وفي الحقيقة عندما أكتب القصيدة لا يكون في بالي غير الفكرة التي أرغب بالكتابة عنها، وأحرص قبل ذلك أن أمسح من خيالي ظل جميع الشعراء كي أكون أنا وحدي في قصيدتي، فقد أمتنع عن الكتابة حين أشعر أني واقع تحت تأثير أحد الشعراء...
ولكن لا أدري هل فعلاً يتقمصني درويش أو غيره في قصيدتي، لا أدري فعلاً، فهذه مهمة النقد وليست مهمتي.

مستقبل التفعيلة
ـ قصيدة التفعيلة لها مذاق خاص ومختلف، وأنت شاعر بارز في ذلك.. كيف ترى مستقبل هذا النوع من الشعر؟
في الواقع أن مستقبل الشعر بشكل عام مرتبط بمستقبل الإنسان، والتفعيلة هي نتاج تغيرات في حياة الإنسان، فحين ضاق صدره بالعمودي ابتكر هذا النوع، وربما يبتكر في الغد شيئاً جديداً، لكن مستقبل قصيدة التفعلية أظنه زاهراً، لأنها أكثر احتواء للإنسان من القصيدة العمودية.

الحزن ثقافة
ـ ميولك الشعري غلب عليه الحزن والبعد وكثرة الحسرة.. ما الذي يحصل للشاعر؟
ربما إن الثقافة ونوعيتها هي أكبر العوامل المؤثرة في نفسية الشاعر، فبداياتي كانت مع أبي العلاء المعري، ذلك الشيخ الضرير والفيلسوف الكبير الذي غلبه الدهر بأن أخذ عينيه في صغره، ولزم بيته، فكان لشعره الخالد رغم حزنه وتشاؤمه أثر كبير في نفسي.. وكذلك المتنبي يملأني بالحزن حين يقول:
أهم بشيء والليالي كأنها
تطاردني عن كونه وأطارد
وحيد من الخلان في كل بلدة
إذا عظم المطلوب قل المساعد
فقد جمعت بين طموح المتنبي وحزن المعري، فكان الناتج حزناً وغربة وطموحاً كسيراً، وفي فترات لاحقة تأثرت بشعراء العصر الحديث مثل نازك والسياب وصلاح عبدالصبور، وبعبرات المنفلوطي... الخ. فربما إن الحزن بالنسبة لي ثقافة وليس حياة.

ظاهرة شعرية فريدة
ـ من نظرتك الثاقبة للواقع الأدبي.. كيف ترى المشهد اليوم في ظل العدوان على الوطن؟
شيء لا يختلف عليه اثنان أن اليمن تمثل ظاهرة شعرية فريدة برغم كل ما تمر به من حزن وأسى، فالمشهد الشعري أكثر جمالاً من غيره من المشاهد، فالشعراء أكثر صموداً من غيرهم، فهم ملجأ الوطن من كل الانكسارات، والواقع يبشر بالكثير من المواهب التي ستثري المشهد.

تأثير القرآن
ـ من هو السند الذي أخد بيدك في مشوارك الأدبي؟
الفضل يعود بعد الله تعالى إلى أخي الكبير محمد، فقد شد على يدي حتى حفظت القرآن، ثم كان للقرآن أثره الكبير في روحي، فقد تفتحت مداركي بعد حفظه، فأخذت أفكر وأسأل لأنه يحثني على التفكر والابتعاد عن التقليد، فبدأت أنطلق متأملاً في كل الحياة والإنسان، والشعر طريقتي في التعبير عن ذلك.

أثق في موهبتي
ـ أين ترى نفسك من الساحة الأدبية؟
ربما إنني شاعر مغمور، لأني لم أبحث كثيراً عما يشهرني أو يظهرني كما فعل غيري من الشعراء، لكني أثق جيداً في موهبتي وحسي الأدبي والإنساني الذي يلتقط أدق تفاصيل النفس الإنسانية، ثم ينفخ فيها من روحه، ويخرجها قصيدة تحمل الإنسان بكل تفاصيله.

القصيدة هي الحياة
ـ لكل شاعر تعريفه الخاص للقصيدة، ما هو تعريفك لها؟
القصيدة هي أنا، بكل ما أحمله من ازدواجية غامضة، وبكل تفاصيلي كإنسان عربي ويمني يعيش واقعاً مأساوياً بكل ما تحمله الكلمة من معنى، والقصيدة أيضاً هي الحياة بكل تقلباتها وتغيراتها، فكما أن الحياة تصفو أحياناً وتتكدر أحياناً، كذلك القصيدة تصفو بصفاء الإنسان والحياة، وتتكدر بتكدرهما، فالقصيدة هي أنا والحياة.

الملهم الأول
ـ الحب هو الطاقة التي تشع في داخل الشعراء.. ماذا أضاف الحب إلى تجربتك الشعرية؟
الحب هو الكون الفسيح الذي ترعرعت فيه ونشأت في أحضانه، فلولا الحب لما كتبت القصيدة، فهو الملهم الأول بالنسبة لي، وطريقي إلى الله الذي أصل به إليه من غير أن تتجاذبني المذاهب والآراء، فلولا حبي لوطني لما كتبت فيه، ولولا حبي لأمي لما كتبت عن المرأةِ، فالمرأةُ بالنسبة لي كائن فريد الجمال لا تكتمل الحياة إلا به، وعندما أحببتها عرفت كيف أن الحب نفخة من روح الله يجعلنا نرى ما لا يراه سوانا، ويمنحنا القوة في مواجهة الحياة وإكمال مشوارها الطويل.. قد قلت في ذات قصيدة:
إني ومذ وضعتني أمي عاشق
فالخلق لولا الحب حاشا يخلقُ
سيظل دربي في الحياة محبة 
يا خيبة الأحياء إن لم يعشقوا

حلم وحيد
ـ ما هو حلمك الأدبي الذي تحلم بالوصول إليه؟
أحلم أن أقرأ قصيدتي في أذن وطن يصغي لها ويباركها وهي تمجده وتمجد الحياة والسلام بكل معانيهما، فليس لدي سوى هذا الحلم الذي أرجو أن يتحقق.

ـ من هو الشاعر الذي يشبهك؟
لا يوجد شاعر يشبهني، لكن قد توجد قصيدة تشبهني.

موعد للكتابة
ـ حينما تكتب القصيدة متى تشعر أن النص أصبح مكتملاً؟
متى ما توقف القلم عن الكتابة، ولا يعني ذلك بالضرورة أن النص الذي كتبته أصبح مكتملاً، ولكن يعني أن الوحي الشعري قد انقطع، وعليك أن تضع القلم وتنتظر موعداً جديداً معه.

الشهرة لا تعني الأفضلية
ـ أنت من عشاق البردوني وأيضاً من مدمني درويش.. برأيك أيهما أفضل من الآخر؟
لا أستطيع أن أفضل أحدهما على الآخر، لكن شهرة درويش ربما فاقت شهرة البردوني، والشهرة ليست مقياساً على الأفضلية، لكن الشهرة هي رأي الأغلبية، أما عن رأيي الشخصي فالقصيدة هي تفضل أحدهما أو تضعه، ولكل منهم قصائد خالدة.

روح أعيش بها
ـ أنت تدرس التخدير، وهو تخصص طبي صعب، وبنفس الوقت لم تتعثر مداركك الشعرية، بل أصبحت ذات ثقل.. كيف استطعت التوفيق بين دراستك وهاجسك؟
أذكرك بقول جبران خليل جبران حين قال:
فجمال الجسم يفنى مثلما تفنى الزهور 
وجمال الروح يبقى خالداً طول الدهور
فبالرغم من أني أمنح التخدير أكثر وقتي، إلا أن الشعر هو روحٌ أعيش بها، وليس وقتاً محدداً كما هو التخدير، وقد أجد بعض الصعوبة في التوفيق بين التخدير ونشاطي الشعري، وليس الشعر بذاته، فليس لدي أية صعوبة في التوفيق بين التخدير والشعر، ولكن بعض الصعوبة في التوفيق بين التخدير والنشاط الشعري.

ـ سؤال غفلت عنه وتود أن أسألك إياه..
لم يتبق شيء. 

ـ كلمة أخيرة..
أوجه شكري لصحيفة (لا)، ثم أوجه امتناني وحبي لك على إتاحة هذه الفرصة التي سعدت بها، فشكراً من القلب.


سيرة ذاتية:
زنداني إسماعيل أحمد التهامي
مواليد محافظة حجة - مديرية الشاهل، 1996م.
يدرس التخدير في جامعة آزال للتنمية البشرية بصنعاء.
كتب الشعر، حين كان في الصف التاسع الأساسي.


لا أخـــــــاف عــــــلي
أنا لا أخاف عليَّ من أحدٍ 
لأني خِفتُ حتى ماتت في قلبي المخاوفْ
أنا لا أخاف عليَّ من قدرٍ
لأني صرت كالأقدار
لا أخشى
إذا أصبحت كالصاروخ قاصفْ
لكنني آمنت بالإنسان رغم جحوده 
وشجونه
وكتبته شعراً بملء الروح نازفْ
وجحدت بالطغيان
ألعنه وأشتمه
وأسخر منه في كل المواقفْ
وكتبت من أجل الفقير قصيدتي
ففؤادي المسكين
يشعر جيداً بالخائفين
بحزن أفئدة اليتامى
وبكل من تاهوا وراء النور
أو فوق الرصيف يفتشون عن الرغائفْ
وكرهت كل الخادعين الناس باسم الدين 
ألعنهم وأهجوهم
وإن حُمِلَت بأيديهم مصاحفْ
هم كل من ذبحوا البلاد
ومزقوا غدها الجميل
وأرهقوا شعباً قضى أيامه الثكلى حزيناً 
حافي القدمين
مظلوماً وخائفْ