وفدنا فاجأ سفراء العالم خلال المفاوضات أخلاقا ومنطقا ورزانة وحنكة
السفير عبدالإله حجر ـ عضو الوفد الوطني المفاوض: العدو يلجأ للمفاوضات كمهرب ورهاننا على الجيش واللجان


حاوره / صلاح العلي/ لا ميديا

انخرط ضيفنا في تمثيل السياسة الخارجية لليمن مطلع السبعينيات، متنقلاً بين أروقة سفاراتنا في عدد من البلدان، 
ملماً بدهاليز السياسة الدولية بحصافة غواص محترف هادئ الأنفاس، خبيراً بأعماق ما يذهب إليه.
السفير عبد الإله حجر، أحد أهم عمداء الدبلوماسية اليمنية المحنكين، سبح مجدفاً في كواليس محطات تاريخية فارقة من عمر اليمن الحديث، 
ومنها المرحلة الراهنة (العدوان السعودي الأمريكي)، حيث شارك في مفاوضات بييل (سويسرا) والكويت 1 و2 وصولاً إلى عمان. 
وفي هذا الحوار يسلط ضيفنا الضوء على مجريات الوضع الراهن، لاسيما في ظل الحديث عن مفاوضات قادمة، منطلقاً في تلمس ملامحها ووجهتها من واقع خبرته الطويلة، فضلاً عن تسليط الضوء على جانب من كواليس الجولات السابقة من المفاوضات... وقضايا أخرى. إليكم الحوار

نحن في موقف القوة
 بداية لو تحدثوننا عن قراءتكم للوضع الميداني لاسيما الساحل الغربي، وانعكاس ذلك على المسار السياسي وطاولة المفاوضات!
سعيدون بكم.. ما يجري في الميدان هو دفاع عن النفس ضد العدوان والغزو والاحتلال، وفي الساحل انتصارات عظيمة لجيشنا ولجاننا وكل شعبنا، وهزائم للإمارات والسعودية وحلفائهما من الأمريكيين والبريطانيين والفرنسيين والإسرائيليين.. المسار هناك مبشر بالخير، والمدافع عن أرضه هو أقوى من المهاجم الغازي لاعتبارات عديدة.
وعن أثر ذلك، الحقيقة أننا على موقف واحد ولم نتغير، وهو الرغبة في إيقاف الحرب وسفك الدماء اليمنية، والوصول إلى حل سلمي ومشرف يحفظ لليمن سيادته واستقلاله، بينما الطرف الآخر لا يدخل المفاوضات بغرض من هذه الأغراض الشريفة، بل كغطاء لما يبيتون من تصعيدات ميدانية عسكرية غادرة أو كمهرب لورطاتهم وأزماتهم الميدانية، وهذا ما حدث خلال الجولات الماضية من المفاوضات...
 هل تقصد أنهم يحاولون بهذه التصعيدات كسب أوراق ضغط على صنعاء خلال المفاوضات؟!
فعلياً هم لا يريدون الضغط، هم يريدون تنفيذ كل أهدافهم التي قام عدوانهم لأجلها، من احتلال وهيمنة...
 إذن، المفاوضات هُنا هي جزء من الخداع والتضليل لتمرير المشاريع العدوانية!
نعم، هذا ما يجري، وخلال جولات المفاوضات المختلفة لم نلمس إلا الخداع والأكاذيب، والوفد القادم من الرياض لم يكن يملك قراراً ولا سلطة.

عجز التحالف
 اليوم تتردد الأخبار عن جولة مفاوضات قادمة.. ما جدية ذلك؟!
ربما تكون جدية.. لأن المجتمع الدولي يبدو أنه وصل إلى مرحلة الشعور بالأزمة والخزي أمام شعوبه لما يجري في اليمن من مآسٍ، وأيضاً لعدم تمكن التحالف من تحقيق أي مكاسب في الميدان والسياسة...
وجدية المفاوضات هي من جدية ما يطرح فيها. نحن نطرح مشاريع اتفاق قابلة للتطبيق وفي مصلحة الجميع، نحن قدمنا تنازلات، تنازلات مشرفة، من أجل وقف معاناة الشعب اليمني. وهو حل مشرف، ويعتمد على التفاهمات السابقة منذ الحوار الوطني، ويحفظ لليمن استقلاله وحريته، وأيضاً يهيئ لمرحلة قادمة تؤمن للشعب اليمني حريته واستقلاله وسيادته.

جريفتث لديه فرص نجاح
 وماذا عن المبعوث الأممي الجديد؟ ما دوره في هذا الجانب بتقييمك له؟!
المبعوث الجديد جريفتث، طبعاً هو ليس من اختيار السعودية بل بريطانيا وأمريكا.
هو رجل يملك الخبرة في قضايا السلام، وكان يترأس (المعهد الأوروبي للسلام)، وقد زارنا في 2017م بصنعاء، والتقى الرئيس مهدي المشاط الذي كان حينها عضو (السياسي الأعلى).
هذا الرجل لديه قدرة على التفاوض، وعلى تلمس وجهات النظر المشتركة بين الطرفين، كما ولديه القدرة على النأي بالنفس من الوقوف مع طرف بعينه، وهو يمثل الاتحاد الأوروبي كجهة لها ثقلها بالعالم ولها سمعتها.. فجريفتث لديه فرص للنجاح أفضل مما كانت لدى سلفه.
إضافة إلى أن 4 سنوات من العدوان على اليمن لم تحقق شيئاً، وأنجزت كارثة إنسانية تمثل ضغطاً شديداً على المجتمع الدولي، وتبعاتها ضخمة.

محاولة لإنقاذ دول العدوان
 لكن، ما الذي يجعل أداء جريفتث مختلفاً عن ولد الشيخ، وهو اختيار أمريكا بريطانيا، الجهتين القائدتين للعدوان على اليمن؟!
كما قلت لك، نحن نؤمل أن يكون كذلك. وأن المجتمع الدولي صار يرى الكارثة الإنسانية وتبعاتها، وكيف أنها صارت تمثل ضغطاً شديداً عليهم، بينما (التحالف) لم يحقق شيئاً، وخطر استمرار الوضع الراهن وإلى أين يمكن أن يصل.. بريطانيا وأمريكا صاروا يرون -لاسيما بعد هزائم الساحل الغربي الأخيرة- أن من الضروري الحل، وحريصون أن يكونوا جزءًا منه، وهم يواجهون ضغوطاً كبيرة من شوارعهم والقوى المعارضة إزاء الحرب على اليمن.
أيضاً، هي محاولة إنقاذ لدول العدوان في المنطقة من أن تداعيات الحرب على اليمن ترتد على أنظمتهم.
أما المبعوث السابق ولد الشيخ، يعيبه أنه قليل الخبرة، ولم يكن في إدارة مفاوضات، بل في إدارة الموارد البشرية، وعمل في مكافحة مرض (حمى الإيبولا)، وأيضاً كان مساعد المنسق المقيم في ليبيا، ثم (المنسق المقيم للأعمال الإنسانية في اليمن)، واختير من قبل السعودية في موقع المبعوث، فأداؤه كان ضعيفاً نتيجة قلة خبرته. أيضاً اتضح لنا أن السعودية كان لها التأثير الكبير على مواقفه ومبادراته.

نريد مفاوضات بمخرجات منطقية
 أنتم كوفد مفاوض، هل تأملون بمخرجات حقيقية من أية مفاوضات قادمة؟!
نحن لا نتمنى ما هو مستحيل، نحن أنجزنا خلال حوالي أكثر من 90 يوماً مفاوضات، مخرجات يجب البناء عليها، وهي منطقية، وتشمل الجوانب العسكرية والأمنية والسياسية.

الجيش واللجان 
هم الضامن الوحيد
 إذن، ما الضامن لهذه المفاوضات ومخرجاتها من ألا تصير كما صارت إليه الجولات السابقة من الفشل؟!
الحقيقة، أن الأمم المتحدة لم تعد محايدة، والمفاوض القادم من الرياض لا يملك قراراً. وبالتالي ليس بمقدور هذه الجهات تقديم أية ضمانات. وحتى إذا ما تم توقيع اتفاق سياسي، سيحاول الآخر أن يفرض عليك إملاءات أو سياسات. وبالتالي فالضامن الوحيد هو الجيش واللجان الشعبية والصمود الشعبي حولهم.

منفذ لنقل الحقيقة إلى العالم
 في هذا السياق، هل نستطيع القول إن المفاوضات السابقة فشلت تماماً، أم أن ممثلينا الوطنيين قد أنجزوا شيئاً ما؟!
نحن دولة محاصرة اليوم وفي حالة عزلة، وليس لنا سفارات في العالم عدا اثنتين أو ثلاث، وكذا حصار إعلامي وآلة إعلامية تواكبان الأحدات، فكان من المهم جداً الوصول إلى العالم للتعريف بالمظلومية ووجهات النظر.
المفاوضات كانت منفذاً لنقل الحقيقة للعالم. وسفراء الدول كانوا منذهلين من الرجال الذين يتحدثون معهم، فالصورة كانت لديهم أن هؤلاء الرجال مجرد ميليشيات ومتوحشين وما إلى ذلك من توصيفات ضمن الحرب الإعلامية. وما وجدوه كان العكس، فقد أعجب السفراء بوفد صنعاء من المؤتمر والأنصار، وطرحه وقدراته في التفاوض والتعامل مع المواقف وقوة الحجج وعمق المنطق على الرغم من صغر السن للبعض.
الشيء الآخر، أننا خلال المفاوضات خرجنا برؤية للحل، على عكس الطرف الآخر، وكان لنا المبادرة في اقتراح أن تقدم الرؤى مكتوبة ويتم النقاش حولها حتى الوصول إلى مشتركات بين الطرفين، وقبلوا بذلك. هذا بالطبع كان يفترض أن يقوم به المبعوث السابق ولد الشيخ من تلقاء نفسه، لأن ذلك عمله، لكنه كان يجهل ذلك، وهذا أحد أهم الأسباب في فشل المفاوضات.
الرؤية التي قدمناها هي التي اعتمدت وتم النقاش حولها، وكدنا نتوصل إلى اتفاق حتى لحظة إعلان انسحاب المدعو عبد الملك المخلافي بدون مبرر!
لقد كان لنا لقاءات واسعة مع سفراء الدول المختلفة، واستطعنا إيصال صوتنا لهم، وفضح ما يتردد من أكاذيب عنا.

الدفاع عن أرضنا وشعبنا ورقتنا الوحيدة
 ما الأوراق القوية التي بأيديكم كوفد وطني تستندون إليها في المفاوضات وتعزز موقفكم؟! هناك من يدعي أنكم لا تملكون شيئاً ودوماً ما تعودون خالي الوفاض!
ليس لدينا أوراق عدا الدفاع عن أرضنا وشعبنا ووحدتنا وسيادتنا, بينما الآخر يستقوي بالأجنبي وبالقرار 2216 الذي لا يتيح لهم من الأساس حصار البلاد والقصف بالطيران...

تعنت الطرف الآخر أفشل المفاوضات
 هناك طرح آخر: أنكم تتعنتون في المفاوضات وتفشلونها! لماذا لم تقبلوا بما طرح من حل؟!
الطرف الآخر لم يطرح حلاً، بل مطالبات غير منطقية لطرف واحد. والتعنت وإفشال المفاوضات هو للطرف الآخر القابع في الرياض، الذي سجل عليه حوالي 4 انسحابات خلال جولات المفاوضات، وآخرها لعبد الملك المخلافي الذي انسحب بأوامر سعودية.
أما وفدنا الوطني لم يحدث من قبله الانسحاب أو التعنت مطلقاً، وهذا أمام الرعاة للمفاوضات، ومنهم أمير الكويت، وتابعنا كيف رفض المخلافي تلبية مناشدته العودة، بينما قبل مناشدة أمير قطر!

الأمم المتحدة تقرصنت على حقوقنا
 بالحديث عن الأمم المتحدة، أنتم متهمون بأنكم: (اللوبي الحوثي داخل الأمم المتحدة)! كيف ذلك؟!
بداية، أنا لست على تواصل مع الأمم المتحدة، عدا تواصلي بمنسق الشؤون الإنسانية في اليمن لمساعدتهم في تسهيل أعمالهم في اليمن. نحن نتواصل مع بعض السفراء، وحين كنا بالكويت التقينا بكل السفراء ضمن مهامنا، نوضح لهم الحقائق، ونبين لهم ما يجري على الأرض من انتهاكات وجرائم، لأننا لا نستطيع التواصل مع مجلس الأمن مباشرة، وهؤلاء يقومون بتوصيل بعض ما نرسله إليهم من صور ومعلومات إلى المجلس.
نحن لا نملك إلا الحق، حتى إننا لا نملك ممثلاً عنا في الأمم المتحدة، على الرغم من أن القوانين تعطينا الحق بذلك، بل تعطي قوى المعارضة أن يكون لها متحدث في الأمم المتحدة، ونحن سلطة اليوم في صنعاء، ونمنع من ذلك، ولم يتم التجاوب مع طلباتنا أن يكون لنا ممثل. هناك قرصنة شاملة حتى على مستوى الأمم المتحدة، ويتعمدون عزلنا عن العالم للتغمية على ما يجري في بلادنا.

فضح مغالطات المخلافي
 مؤخراً، شرع سعادة السفير بالكتابة عن كواليس المفاوضات من جنيف حتى الكويت وعمان.. لماذا الآن؟ ما الغاية من ذلك؟!
الحقيقة أنني كنت أسجل معظم ما يدور خلال الجلسات. المؤاخذة على ولد الشيخ أنه كان لا يسجل محاضر، ولا يصدر بيانات عن كل اجتماع. أنا كنت أحتفظ بها حتى وقت الحاجة.
ومؤخراً أثارني مقال لعبد الملك المخلافي حول (المخفيين القسريين) الذين يدعي أنهم لدى الجانب الوطني، ووردت فيه مغالطات عجيبة، وهو فعلياً لم يتكلم عن الأسرى لدى صنعاء، بل عن الأربعة: ناصر شقيق هادي، ومحمد قحطان، وفيصل رجب، والصبيحي، بينما لم يذكر ولم يهتم بغيرهم، فمثلاً هناك آلاف المخفيين منذ حكم النظام القديم لا يهتم بهم.
أنا رأيت أنه من واجبي توضيح هذه الحقائق، مثلاً نحن خلال لقاءات بييل السويسرية (جنيف 2) وفي الكويت، عرضنا أن نطلق 70 % من الأسرى لدينا مقابل 70 % ممن لديهم، ورفضوا ذلك وطالبوا بالسجناء الأربعة فقط. وكانوا فعلياً لا يملكون قوائم بالأسرى لديهم المتوزعين لدى السعودية والإمارات وفي السجون المختلفة، وليس لهم دراية بهم.
هناك أكاذيب عدة، لذلك اتجهت للكتابة عن كواليس المفاوضات، وسننشرها في صحيفتكم على حلقات. 

لا نعول على روسيا والصين
 أنتم أهل باع طويل في السلك الدبلوماسي، كيف تفسر واقع الدبلوماسية الروسية والصينية تجاه الأحداث في اليمن، خاصة الساحل الغربي المتحكم بأهم طرق الملاحة الدولية، حيث المصالح الحيوية الصينية الروسية؟!
الدبلوماسية هي أداء للسياسة الخارجية، وليس شيئاً منفصلاً، والسياسة الخارجية هي بدروها إحدى أدوات تحقيق المصالح، وأغلب المصالح الآن هي اقتصادية، وليست مصالح ثقافية، ولم يعد أحد يبحث عن نشر الشيوعية أو الماركسية واللينينية، هم يبحثون عن مصالحهم، وللأسف صارت المبادئ تأتي متأخرة، وما يحكم علاقاتهم الآن هي مصالح اقتصادية مع دول العدوان، من مشاريع استثمار وصفقات أسلحة وتقنية وغيرها، لذلك يحاولون موازنة علاقاتهم مع كل الأطراف، وهم مشاركون بتمرير ما يطرح في مجلس الأمن.
نحن فعلياً لا نعول على الصين ولا على روسيا، على الرغم من أن لنا تواصلاتنا معهم، وهناك وفود زارتهم.



السفير عبد الإله محمد عبدالخالق حجر.
مواليد 1951 .. متزوج وله ولد وبنت.
بكالوريوس تجارة كلية التجارة جامعة عين شمس بمصر 1973.
عمل بالخارجية في أكتوبر نفس العام.
تنقل في سفارات بلادنا في جدة والوفد الدائم في جنيف والقاهرة وأنقرة ثم جنيف والقنصلية في جدة ثم سفير اليمن لدى باكستان.
تولى رئاسة دائرة المنظمات والمؤتمرات الدولية مرتين.
شارك في العديد من المؤتمرات حول العالم.
شارك في مفاوضات بييل السويسرية 2015م ضمن الوفد الوطني ومفاوضات الكويت 1 و2 عام 2016.