حلمي الكمالي/ لا ميديا

مضى زمن طويل على عصر المحاربات كما تقول كتب التاريخ، إنما لم تتوقف أرض اليمن السعيد عن إنجابهن، ولم تكن المرأة اليمنية بحاجة للنصرة من أحد كما فعلت امرأة العصر العباسي التي استنجدت بالمعتصم ذات يوم، لأن المرأة اليمنية تمتلك في يديها العزة والإيمان والتاريخ. . هذا ما تكتنفه قصائد الشاعرة تهاني الحمادي التي تجسد بتحدٍّ ملحمة القوافي في أزهى تجلياتها، ذلك العنفوان الهائج في قصائدها الذي يجتاح المسافات كإعصار، ويرفرف في العلا كأغصان الزيزفون، ويسرد حكاية صمود المرأة اليمنية من واقع تجسده المعلمة والشاعرة في آن واحد.. لو أردنا أن نرسم خارطة لواقع المعركة وشموخ الأبطال لوجدنا قصائد الشاعرة تهاني الحمادي هي الأمثل لتجسيد غيرة المقاتل اليمني على وطنه وشجاعته وبسالته في مواجهة الأعداء. . تقارع تهاني الحمادي العدو وتطيح به أرضاً في قصائدها التي تردد الجبال والسهول وقع قوافيها مع زخات المطر وطلقات البندقية، وتحطم الحمادي كل التضاريس بالحرف والكلمة، وتلتحم مع المقاتل جسداً وروحاً.
تهاني إحدى المحاربات اللواتي صنعن أسماءهن على وقع المعركة، خطت اسمها وتركت بصمتها في ميادين الشرف والبطولة، لتزهو في جيل صنع العزة والكرامة بكل ما يملك من شجاعة وفن وقصيد.. وإلى ما وراء الحدود وخلف السحابات الممطرة، جذبنا حرفها المبتل بروح التحدي والشموخ والانتصار، فكان لنا معها هذا الحوار الشيق:

جهاد بالحرف
 في سطور.. من هي تهاني الحمادي؟
تهاني الحمادي شاعرة وكاتبة مجاهدة بالحرف والكلمة وببيت القصيد، فتاة يمنية تعشق وطنها حد الثمالة، بعيداً عن الانتماء لأية محافظة، فيكفي أنني يمنية وأفتخر.

موهبة مبكرة
 كيف ومتى تولدت لديك موهبة الشعر؟
بدأت كتابة القصيدة منذ كنت صغيرة، حيث رضعت هواجسها مع حليب أمي، ولأنني نشأت في أسرة تحب الشعر، فجدي كان شاعراً، وتولدت وظهرت موهبتي في الشعر نتيجة موقف إنساني آنذاك كان عن قضية الزواج المبكر، حيث تعرضت إحدى صديقاتي حينها إلى الزواج في سن لم تتجاوز 13 عاماً، وهذا ما خلق في داخلي ثورة.

تأثرت بالبردوني والمقالح
 لمن تقرئين من الشعراء؟ وبمن تأثرت؟
قرأت لكثير من الشعراء سواءً شعراء العصر الجاهلي أو العصر الإسلامي أو العصر الحديث والمعاصر، أما عمن تأثرت بهم فقد تأثرت بالشاعر امرئ القيس وأحمد شوقي، أما على مستوى اليمن فقد تأثرت جداً بالشاعر المبصر في الزمن الأعمى أديب اليمن الكبير المرحوم عبدالله البردوني، والدكتور عبدالعزيز المقالح، وبالشاعر عبدالله عبدالوهاب نعمان.

ذاكرة المكان
 هل للمكان أثر في قصائدك؟
نعم، يتجلى المكان في الكثير من قصائدي، كون تلك الأماكن هي من ترسم في مخيلتي الصور الجمالية للأمكنة التي لاتزال تحملها مخيلتي الشعرية، والتي أترجمها من خلال القصائد الشعرية التي أكتبها، والتي في غالبها تحمل ذاكرة أي مكان عشته. 

رصاصة الحرف
 كيف يتجلى حب الوطن في قصائدك؟
يتجلى حبي لوطني من خلال قوة القصيدة التي أكتبها، والتصوير الشعري، واستخدام المبالغة التي تعطي للشعر نوعاً من الحركة والقوة، وحرفي الذي أعده رصاصة قاتلة في قلب العدو، ولكونها أيضاً مجسدة للأحداث والبطولات التي يترجمها رجال الرجال في الجبهات.

المدرسة الجهادية
 إلى أي المدارس الشعرية تنتمي قصائد تهاني الحمادي؟ 
تنتمي قصائدي في هذه المرحلة إلى المدرسة الشعرية الجهادية الحماسية.

جمالية وحركية
 الإحساس بجمالية القصيدة شيء أساس في الشعر، كيف استطعت تخليق الجو الجمالي والتماس المذهل بين القارئ والقصيدة؟
استطعت ذلك من خلال رسم الصورة الجمالية الشعرية المعبرة عن الواقع، وتركيبها في مشاهد حركية تجسد الحدث على حقيقته، ولهذا يستسيغ القارئ قراءتها مادامت كلماتها قوية، وتحمل في طابعها الكثير من السلاسة والبساطة التي تلامس المواطن البسيط.

تطاول الأقزام
 بماذا تصف تهاني العدوان على البلد؟
كأي مواطن يمني، فإن العدوان عبارة عن استهداف خارجي متعمد لمحاولة طمس الهوية اليمنية وتاريخنا الذي تطاول عليه الأقزام.

 استنفد العدو جل خبثه وحقده على مدينة تعز، مستهدفاً بذلك هوية وثقافة المدينة، ما هي الألوان الشعرية التعزية؟ وما دورها في مواجهة العدوان؟ 
تحتوي تعز في مجمل تراثها الشعبي على الكثير من الألوان التراثية، مثل شعر المهاجل الزراعية والملالاة، وشعر الصوفية الذي يعد المتصوف أحمد بن علوان رائداً فيه، إلى جانب ألوان أخرى تتميز بها كل منطقة من مناطقها. 
ويعتبر دور تعز في مواجهة العدوان ريادياً فهي بمثابة العمود الفقري للصمود اليمني.

 كم رصيد قصائدك في وجه العدوان الغاشم؟ وما هي القصائد تم إنشادها؟
عدد القصائد التي كتبتها عن العدوان حوالي 50 قصيدة منذ عام ونصف, بينها قصيدتان تم إنشادهما كزامل وهما: أسود الميدان بصوت شبل همدان المبدع أحمد الحضرمي وأشبال حيدر بصوت الشبل المبدع نبيل زبيدة. كما أن لدي 4 زوامل من قصائدي سترى النور في القريب العاجل.
بالإضافة إلى قصيدة في قيد التحضير للإنشاد بها بواسطة المنشد جلال سفيان أبو الكاسر, لكن ما يؤخر صدورها هو عدم توفر الإمكانيات للمنشد من الدعم والتسجيل.

المدرسة والثكنة
  أكثـر مكان تحبين أن تكوني موجودة فيه دائماً..؟
أكثر مكان أفضله هو المدرسة التي أعمل بها، حيث من خلالها أحاول أن أوصل رسالتي المقدسة كمعلمة. 
أما المكان الآخر فهو المنزل، وخاصة غرفتي (ثُكنتي)، حيث أفضل الجلوس فيها أغلب الأوقات لوحدي أثناء الكتابة، وبالذات في ساعات المساء المتأخرة، حيث هذا الوقت هو المفضل لكتابة قصائدي. 

فلسفة الحياة
 ما هي فلسفتك وحكمتكِ في الحياة؟
فلسفتي في الحياة (كن على يقين بأنك سترحل يوماً ما، لذا لا تدع الحياة تلهو بك، وكن ذا إرادةٍ قوية، وهمةٍ عالية ونفسٍ صافية، ابتعد عن الكسل، وتجرد من الملل، استغل الأيام والأعوام).
أما حكمتي في الحياة فهي شرف الإنسان سواء كان رجلاً أو امرأة، يكمن في صدق الكلمة وصدق الفعل وصدق العمل.

ركود الواقع الأدبي
 ما رأيك في الواقع الراهن للحراك الأدبي الثقافي في اليمن؟
أرى في الواقع الأدبي اليمني الشلل والركود التام، لا أدري لماذا، رغم أنه من المفترض على الأدباء أن يكونوا هم المدد الأدبي للجبهتين العسكرية والإعلامية، لكن كما يقال لا حياة لمن تنادي، مع الأسف الشديد.

مجتمع ذكوري
 هل تملك المرأة اليوم حرية التعبير عن هواجسها الفنية مثل الرجل بشأن قضايا مجتمعها بصفة عامة؟
في الحقيقة كما يعلم الجميع أن مجتمعنا اليمني مجتمع ذكوري بحت، لذلك لا تمتلك فيه المرأة حرية القول والتعبير عن إبداعها، إلا على نطاق ضيق، عكس أخيها الرجل، وأكبر مثال على ذلك العدد الهائل من الشعراء الذكور مقابل أسماء شعرية نسائية ليست بالكافية، رغم أن بلادنا تمتلك الكثير من المبدعات في الشعر أو الفن.

طور التجربة
 من وجهة نظرك هل اكتمل الإبداع اليمني النسوي في مجال الشعر والأدب، أم مازال في طور التجربة؟
لايزال في طور التجربة، وقد بدأ بالظهور شيئاً فشيئاً، وهذا يستوجب علينا جميعاً أن نعمل جاهدين من أجل اكتمال هذه التجربة، بحيث تظهر في النهاية بأبهى حلة جمالية.

دعم المرأة المبدعة
 ما هي مقومات الاستمرارية للمرأة المثقفة في أداء رسالتها الوطنية والاجتماعية، وخاصة إذا كانت شاعرة ومبدعة؟
أولاً أن تثق المرأة في قدراتها الإبداعية، وأن تُدعم المرأة المبدعة من قبل الجهات المعنية، وخاصة قطاع الشعراء الذي يضم مجموعة كبيرة من الشعراء والمنشدين مقابل شاعرة أو اثنتين.. وأين نحن منه؟ لا أدري!

ديوان شعري
  ما هي مشاريعك الأدبية القادمة؟
أكبر مشروع وحلم يمثل هاجساً لدي هو طبع ديوان شعري يحتوي على جميع كتاباتي الأدبية بمختلف مسمياتها.

الوطن قضيتي الرئيسية
  أيها أقرب إليك السفر أم القراءة أم الوطن؟
أولاً الوطن قضيتي، وهدفي إيصال مظلومية شعبنا للعالم، وفي داخلي ثورة بل حرب كونية ضد العدوان والدفاع عن وطني اليمني أمام هذه الحرب الظالمة التي جاءت بعد أن خلعنا عباءة العبودية للخارج، وأصبح قرارنا يمنياً خالصاً عمدته دماء شهدائنا وجراح الجرحى ودموع الثكالى والأرامل وبكاء أطفالنا الذين تجاوزوا أعمارهم بمراحل كثيرة.
من ثم القراءة لمختلف العلوم والثقافات، حيث لا يمر عليّ وقت إلا وأقرأ فيه كتاباً أو كتابين على الأقل، فهي الواحة التي أتغذى منها فكرياً وثقافياً.

لا هوادة مع الخونة
 ما الذي يحزن تهاني الحمادي؟ 
ما يحزنني هو أنني وجدت في وطني من إخواننا الذين باعوا أنفسهم وعزتهم وكرامتهم للغير، وارتضوا الذلة والهوان والارتزاق مقابل حفنة من الدولارات، وتناسوا الشموخ والعزة والكرامة والإباء التي جُبلنا عليها نحن اليمنيين، وعُرفنا بها عبر التاريخ.. لكن من خان وطنه فمصيره إلى مزبلة التاريخ، ولا هوادة مع هؤلاء أبداً.

 انطلاقاً من هذه النقطة ماذا تقولين للخونة والعملاء الذين باعوا عرضهم وأرضهم وأنفسهم للأعداء؟ 
رسالتي لهم: يا هؤلاء أنتم لم تفهموا ماذا يعني وطن كمسمى صحيح وواقعي ملامس للأحداث، لا عكس ما يريده الآخرون.. الوطن.. ألا يستحق منا أن نقف معه ولو للحظه من الزمن؟! 

 ما هو واجب الأديب والمثقف في مواجهة العدو والدفاع عن بلده؟
واجبه أن يدافع عن وطنه في هذه المرحلة الهامة ولو بكلمة أو حرف أو برأي، وإلا بالله أخبروني متى برأيكم ستدافعون عن وطنكم؟!

 كلمة أخيرة تودين قولها..؟
الشكر لله أولاً قبل أي شيء، ثم الشكر لأهلي الذين دعموني، والشكر أيضاً موصول لصحيفة (لا) منبر الحقيقة، وعلى رأسها الأستاذ الإعلامي والشاعر القدير صلاح الدكاك، ابن مدينتي الحالمة، ولك أستاذي على هذه الاستضافة، التي من خلالها تسنت لي الفرصة كي أوصل رسالة المرأة اليمنية بشكل عام، والمبدعة بشكل خاص. 
ورسالتي إلى وطني ستظل شامخاً مهما حاول البعض تحجيمك، ونحن شعب أراد له الله أن يعيش هذه المرحلة التي أظهرت لنا حقيقة الناس.
أتوجه بالشكر للقيادة السياسية ولكل المجاهدين، ولكل من شجعني ودعمني وأظهرني إعلامياً منذ بداية العدوان، وأظهر إبداعاتي عبر المنبر الإذاعي الإعلامي الكبير والصوت العالي في زمن الخنوع والذل أستاذنا عبد الله الحيفي، وأيضاً لإذاعة سام وعلى رأسها الأستاذ حمود شرف، المجاهد والإعلامي والأديب، ولكل الشعراء دون استثناء والكُتاب والمثقفين الذين دعموني والذين آمنوا بي كفتاة مبدعة. لهم مني كل التحية والتقدير، وإن شاء الله أستمر كما هو ظنكم بي.


بطاقة تعريفية:

الاسم: تهاني الحمادي 
شاعرة وكاتبة 
عضو في ملتقى كتاب اليمن 
المؤهل: بكالوريوس تربية
العمل: مدرسة