علي نعمان المقطري / لا ميديا

اشتهرت لفظة الأنصار الشعبيين أو نصير الشعب في تاريخ الحركة الوطنية ضمن تراثها. ولا شك أن للفظة والمفهوم جذوراً في الثقافة الشعبية والإسلامية الثورية، وكانت تتجنب المفهوم الغربي لحرب العصابات المجردة عن جوهرها الثوري الشعبي، فالنظرية الغربية تقدم حرب العصابات كتمرد عصاة مشاغبين ضد الحكومات القائمة، دون أن تشير إلى مدى عدالة القضية التي تحملها، وتخفي الجوهر الاستعماري للحكومات العميلة أو الأجنبية القائمة. 
 
غواريو المدن المحتلة أنصار الشعب 
النصير هو مقاتل شعبي ينتفض ضد العدو المحتل بدافع ضميره الوطني والعقيدي والأخلاقي والسياسي والإنساني التطوعي الوطني، وحبه لوطنه وغضبه على الغازي الدخيل، يرفع السلاح في وجه الغازي تلقائياً دون انتظار توجيه أو تعليم من أحد سوى نداء الوطن والعقيدة، يحركه شعو ر فياض بالحرية والتوق إليها واستردادها والعيش بكرامة وعزة. 
ويتجمع الأنصار من كل مكان على غير اتفاق سابق على الأغلب ليكونوا معاً جيش الأنصار الشعبي التحرري والوطني الثوري ليقارع العدو بقوى موحدة تكبر كل يوم ليحقق هدف الوطن في التحرر والاستقلال والسيادة والكرامة. 
 
حرب المدن ضد النازية الهتلريه في الحرب العالمية الثانية 
شهدت الأرض السوفييتية إبان الاحتلال النازي لأراضي الاتحاد السوفييتي ولروسيا كفاحاً شعبياً واسعاً شاركت فيه الجماهير الشعبية بشكل عام من نساء ورجال وشيوخ وشباب من مختلف الأعمار والقوميات والفئات، وتعرضت المدن والبلدات والمراكز المدنية والإدارية والصناعية والزراعية لاحتلال عسكري مباشر بسط فيه المحتل نفوذه وسيطرته المالية والاقتصادية على كامل البنية الاجتماعية الاقتصادية للبلاد. 
وفي قلب المدن السوفييتية اتحد الشعب السوفييتي ومنظماته الثورية المقاومة الوطنية ضد الاحتلال الأجنبي، وكانت المناطق الغربية والوسطى أكثر المناطق التي تعرضت للكارثة، بحكم محاذاتها للحدود الألمانية وقربها منها، وفيها شهدت الحركات الوطنية الثورية المقاتلة أزهى مظاهرها وأشكالها، خاصة في غابات ومدن أوكرانيا الواسعة وأستونيا وجمهوريات البلطيق الأخرى. 
 وكان هتلر قد جعل من هذه المناطق الخصبة الزراعية الغنية بالأنهار والمياه مناطق انطلاق وقواعد خلفية لمواصلة الغزو للداخل الروسي، ومعابر للإمدادات ومحطات نقل استراتيجي للقوات، حيث تجمعت الكثير من محطات السكك الحديدية وخطوط النقل البري ومصادر للغذاء والحبوب والخضار والمواشي لتغذية الجنود المحتلين، ومصدراً للنفط والغاز من حقول جبال الكاربات، ومن ضفاف الفيستول إلى النيمتس إلى البريبيت إلى غابات كييف وريجا وأوديسا وكورسك ومينسك وسوتشي وبريست وروفنو دوت انفجارات وقذائف المقاومين الشعبيين. وصبيحة الهجوم الألماني الغادر على البلاد وجه الرفيق ستالين، القائد الأعلى للثورة والجيش السوفييتي نداءه إلى الشعب السوفييتي لمواجهة الاحتلال، وأهاب بالشعب في المناطق الواقعة تحت الاحتلال، في المناطق الغربية والشمالية الغربية، إلى ضرورة أن يشعلوا الأرض نيراناً تحت أقدام المحتلين الفاشيين. 
وعلى الفور تشكلت المنظمات والجماعات الحربية الشعبية العاملة سراً خلف خطوط العدو والتي اتخذت من الغابات المحاذية للمدن الكبرى قواعد لها ومخازن ومواقع للتدريب والتأهيل والهجوم والغارات على المناطق العسكرية للعدو ومهاجمة القطارات والنقليات العسكرية، وكانت تعمل مستفيدة من مخلفات الجيش الأحمر الذي اضطر للتراجع إلى الخطوط الخلفية، حيث ترك خلفه الكثير من الأسلحة والذخائر مدفونة تحت الأرض ومهرها بعلامات للمستقبل وسلم هذ العلامات لقيادة المقاومة في المدن المحتلة، وتكونت فرق الغوار الشعبية من الشباب والعاملين والمزارعين والجنود الفارين من الأسر والمتطوعين من كل الاتجاهات الوطنية. 

التضاريس وأهميتهما في الحرب الشعبية الوطنية 
في تقاليد البلاد كان الحفاظ من قبل كل مدينة أو قرية على غاباتها المجاورة لتكون بمثابة حصون لكل قرية أو مدينة فهي متنفس البلاد ومصدر المياه والأحطاب والماشية والعسل والفواكه الغابية والأخشاب، وإليها يهج الناس ويلجؤون عند الشدائد التي تدهمهم من عدو أو غزو، وهي بالنسبة إليهم كالجبال والكهوف والشعاب النائية والصحاري عندنا. وقبل الحرب احتاطت القيادة الوطنية السوفييتية بوضع الكثير من مخازن الأسلحة في الغابات تحوطاً للحاجة إليها ساعة وقوع الاحتلال وعندها يتنادى الوطنيون إلى الغابات ويتجمعون ومن هناك يشنون الزحوف والغارات على العدو بصورة سرية في البداية ثم تكبر الحركة وتتسع وتنتظم في شكل مفارز وجماعة أكبر وتأخذ صورة الوضع التنظيمي العسكري التابع للجيش الأحمر السوفييتي مع الوقت.
 ونعرف أهميتها من خلال معرفة حقيقة عدد الأفراد والجنود الألمان الذين قتلتهم حركة الأنصار الشعبية الوطنية خلال الحرب الوطنية في المناطق المحتلة، حيث تجاوزوا المليون قتيل وعشرات آلاف العربات والدبابات والقطارات والمدرعات والمدافع والمعدات الأخرى، ونسفوا آلاف الجسور والعبارات والمحطات والمواقع والمراكز والمعسكرات المباني والأندية التي يستخدمها العدو بمن فيها وما فيها، وصفوا اغتيالاً آلاف العملاء والمرشدين والخونة والمجرمين المتعاونين مع العدو.

تكتيكات الحرب الغوارية الغابية المدنية 
الهجوم بالدفاع والدفاع بالهجوم، الاستنزاف والتصفيات والتخريب والمعلومات والحرب النفسية والمعنوية، القواعد غير الثابتة، الحركة الدائمة، الأمن العالي حول المدن في الغابات والضواحي، تنشأ الحركة المقاومة من مجموعات قليلة بداية، وتسارع إلى معرفة العمل بالألغام والمفخخات والقنابل الهجومية والمدافع المختلفة وأهمها الهاونات المتنوعة الأحجام خفيفة الأحمال والقواذف وأهم الدورات التي يتخرج منها القادة والكوادر المنظمة في دورات الأسلحة ومعالجة الألغام وفك الشبكات المنشورة وتركيبها مجدداً بإحكام ودقة دون هامش لأي خطأ وتعلم صناعة العبوات الناسفة ضد العربات والمدرعات والقطارات وغيرها، وتنظيم شبكات معلومات دقيقة عن العدو وتحركاته واتجاهاته وأسلحته ونواياه والقيام ببناء شبكات دفاعية داخل الغابة التي يتركز فيها عمل ونشاط الحركة أو الجماعة الفرعية النشطة وجعلها ميداناً لاستدراج العدو للتقدم إليها وقتله هناك بواسطة الحقول الملغمة التي يعدها الرجال قبل المعركة. 
 
من خبرة الفرقة الغوارية الشعبية
 الأولى (الكولباخيين) 
بالقرب من الغابة تمر طرق رئيسية يستخدمها الألمان لنقل القوات، ومهمة المقاومة هي تدمير هذه القوات خلال مرورها من هذا الطريق ولفت انتباه العدو إلى الغابة التي يتحرك منها الثوار لاستدراجه إليها، ويرسل العدو بعض الكشافة الاستطلاعية لتقدير قوة المقاومة الأنصارية بداخلها وأسلحتها وتترصد لهم المقاومة وتعتقلهم بعد أن تدعهم يعبرون إلى الغابة وهناك تحقق معهم وتأخذ المعلومات حول نوايا العدو وتعدم العميل وتستعد لمواجهة الهجوم الألماني، وهذه بعض من مذكرات الجنرال كولباخ وكان قائداً كبيراً لحرب الأنصار الروسية والأوكرانية خلال الحرب الوطنية. لقد تم تفخيخ وتلغيم المدخل الأساسي للغابة من الداخل من حيث المتوقع الهجوم عبره.. كانت المجموعة المؤسسة 50 مقاتلاً نصيرياً شعبياً ومعهم عدد من الجنود الفارين من الأسر لديهم أسلحة خفيفة ومتوسطة وألغام مضادة للدروع والألغام تم انتزاعها من الأرض من مخلفات الجيش السوفييتي بقيادة الجنرال كولباخ أحد جنود الحرب الأهلية والعالمية الأولى، وكان قبل الحرب رئيس مدينة كييف الأوكرانية، ومن غاباتها وريفها ومدنها وقراها جاء الشباب المتطوع إلى الغابة وفقا لتوجيه التنظيم الوطني ولمعرفتهم الطويلة بالجنرال كولباخ وثقتهم به.
في اليوم التالي لإعدام العميل عند الظهر ساعة الغداء شن الألمان هجومهم على الغابة تتقدمهم عدد من الدبابات والمدرعات والعربات محملة بالجنود، وفوراً اندلعت المعركة وانفجرت إحدى الدبابات بلغم بمن فيها بعد أن توغلت داخل الغابة ثم تعطلت إحدى الدبابات الأخرى خلال مطاردتها للأنصار داخل أدغال الغابة وأشجارها العملاقة الكثيفة التي نشبت بين أنيابها الحديدية أعمدة أخشاب غابية من جذوع الأشجار المنتشرة على الطرقات واضطر العدو إلى الهروب منه إلى دبابة أخرى صالحة كانت تقف خارج مدخل الغابة مخلفة مدفعاً رشاشاً ثقيلاً كامل الصلاحية مع ذخيرته، وسرعان ما استولى الأنصار على الدبابة المعطلة وجعلوا منها مركز دفاع ثقيل فوق الأكمة المرتفعة التي توقفت عندها، فإذا بالرشاش الألماني يوجه ضد العربات الألمانية وجنودها التي كانت تحاول التقدم بحذر نحو الغابة، لكن المفخخات كانت جاهزة وانكسر الزحف الألماني الأول واضطر للتراجع هارباً خارج الغابة مخلفاً وراءه عدداً من القتلى وساحباً الجرحى بما أمكنه من عربات مازالت لديه. 

الصدام الأول معركة المعنويات 
الأولى الحاسمة 
في هذه المعركة انتقلت المجموعة الصغيرة إلى مستوى معنوي جديد كبير وأعلى وكأنها خلقت من جديد. 
لقد كانت المواجهة ضرورية لها لإعادة تربيتها وصقل أرواحها بالحرب الحية الحقيقية، فأدركت قوتها وضعف العدو الغازي وكسبت أسلحة جديدة هامة جداً، كما تمكنت من إقامه اتصال مباشر مع موسكو على أصداء المعركة ونتائجها وضرب المثل بها، فقد كانت النواة الأولى الرئيسية التي بادرت للعمل النشط والجريء هي رمي القنابل وزرع العبوات الناسفة وتفخيخ المواقع المعادية وقنص أفراد العدو وقادته وتصفية عملائه، وتحولت نظرة العسكريين للشباب قليلي الخبرة العسكرية من التعالي إلى الاحترام، وتجاوزوا نظرتهم القاصرة السابقة ونشأت وحدة حقيقية بين المناضلين الوطنيين. لقد عمدت الجماعة القتالية بالنار والدم وأضحت محاربة حقيقية، وعلى أصداء نتيجة المعركة التي خسرها الألمان في الغابة اشتهرت الجماعة في كل أرجاء أوكرانيا وتنادى اليها الكثير من المتطوعين مزارعين وقوزاق وشباباً وعمالاً وحرفيين وشيوخاً وأحداثاً والكل ينخرط تحت قيادة الأب جليد كما كانوا يسمون الجنرال الشعبي كولباخ وشاع اسمه حتى أن الألمان نشروا عنه الصور وأعلنوا عن جائزة ضخمة لمن يدلي بمعلومات تساعد في القبض عليه أو قتله، وكبرت المجموعة وخلال أقل من عام أصبحت تضم مئات المقاتلين المنتظمين في مفارز وسرايا وكتائب وقيادات، لقد بلغوا أكثر من ألفين، فقد انضمت إليهم مفارز كانت مجزأة متباعدة حول الغابة وغير منظمة أو مرتبطة بالمركز.. وانتقلت الجماعة إلى الهجوم الخاطف على العدو ومراكزه حيث تضرب وتعود تختفي الغابات المجاورة والبعيدة وتدور وتلتف وتتحرك وتناور دون أن تمكن العدو من تطويقها في مكان ما من الغابة، وتتحرك على نقاط ضعف العدو الموضوعية والعلاقة الجيدة بالشعب.