بلال الشرماني

سهواً حملتُ سراجي في أقلّ دجى
وجئتُ كالسهمِ لولا أنّ بي عوجا
وحكمةً أن قلبي كان متكئاً
على جناحينِ لي من خيفةٍ ورجا
صعدتُ أول حرفٍ فارتمى شهباً
وخضتُ آخر معنىً فالتقى لججا
بحرانِ كنتُ زرعتُ الورد بينهما
سبحان بينهما بالعطر من مرجا
تلوح ألواحُ قلبي لي فأقرؤها
نصاً بروحِ حبيبِ اللهِ ممتزجا
من حضرةِ اللهِ روحُ اللهِ لقنني
وحياً لأمكث في غار الهوى حِججا
تفتحت كلماتي وردةً وسرت
أنسامها في بساتين الهوى أرجا
وحدي وقد شهد الليلُ انشقاقَ دمي
أرى سراجاً وظلاً حوله اختلجا
يدُ السماوات ألقت فوق قافيتي
أهدى سراجٍ هدى في الظلمة السرجا
يومَ المعاد فتى يرجوه يوم يرى
قلبَ الفتى حسرةً من صدره خرجا
هذا أوان أفولي لم أقل أرني
أنظر إليك بجنح الليل حين سجا
لما توكأتُ في ليل الكلام على
عصى المجازِ، إليه سرتُ منتهجا
دخلتُ حضرته زحفاً على لغتي
فصار لي كلُّ حرفٍ نحوه درجا
نزعت من تحت صدري مهجة رسمت
ملامحي ثم صارت كلها مهجا
أمسى فؤادي صحابياً يبايعه
على الهوى فاصطلى بالشوق وانزعجا
مولاي إني أخٌ للجذع لا عجبٌ
إذا اقتبستُ الهوى منه ولا حرجا
أتيتك الآن مبتلَّ الخطى خجِلاً
أحس في القلب صوتاً في دمي ازدوجا
لعلني أصطلي أو أهتدي بلظى
نارٍ إليك اقتفيتُ العشق والهزجا
لما عرجتَ إلى حيثُ انتهيتَ، بنا
عرجتَ حتى انتهينا للعلى درجا
فأيُّ شمسٍ على معراجك انتصبت
وأيُّ بدرٍ إلى ما نلتَه عرجا
يا سيدي سِر بقلبي الآن فهو يرى
قصور كسرى، وكسرى يطفئ السرجا
قد كنتَ في صلب عبدالله يوم رأى
نور الخليلِ بنور المصطفى اندمجا
وكنتَ حيث دخانٌ ظلَّ أعمدة
من العماءِ نبياً خلفه لهجا
في ظلمةِ الحمأ المسنون لا بشر
ومذ تلطّفتَ روحاً حوله نضجا
وأنت لهفةُ من لم يُخلقوا شغفاً
إليك جاؤوا سُكارى لهفة وشجى
تكشفتْ عنك آياتٌ فلو تُليتْ
في الثلجِ والنارِ حباً فيك لامتزجا
بِنَا إليك حنينٌ لا انطفاءَ له
لو ذاقه آدمٌ في الخلدِ ما خرجا
العارفون لك التفوا على عجلٍ
وكنتُ آخرَ مضطرٍ إليك لَجَا
يا سيدي لم تزل للغارِ رائحة
عن أمةٍ في الرؤى امتدت حروف هِجا
شرحتَ بالنورِ صدرَ الأرضِ فاتسعت
وكان صدرُ الفيافي ضيّقاً حرجا
ضاقت بنا الأرضُ حتى إذ فَرَقتَ بنا
ضقنا على الأرضِ حتى أنجبت فرجا
مِن حكمة الطينِ أن الظِلّ سيئة
محوتَها فاشتعلنا حكمةً وحِجى
علّمتنا أن نوراً كنتَ أوَّلَه
صرنا عروقاً له في الصخرِ كي نَلِجا
وأنت في كل طوفانٍ صنعتَ لنا
فُلكاً إذا ركب التأريخُ فيه نجا
كسرتَ قيداً فمدّ الكونُ خطوته الـ
أولى وكان به ما يشبهُ العرجا
وقمتَ تتلو كتاباً كنتَ أوَّل ما
قد ضمَّه النورُ من شوقٍ به اعتلجا
وقفتَ بين جذوعِ الليلِ سارية
بغير ذنبٍ فتبكي رهبةً ورجا
كنتَ ابتسامةَ عامِ الحزنِ تعبرها
من ألفِ عامٍ ثغورٌ أسفرت بلجا
فتحتَ مكةَ ألباباً وأفئدةً
وجئت مِن بعدُ فتحاً أخضراً بهِجا
كنتَ انشققتَ لهم في ليلهم قمراً
ليهتدوا، فعتَوا سخريّةً وهِجا
وكم تلطّفتَ غيماً ساقطاً مطراً
ليرتووا، فاستساغوا الهرج والمرجا
صلى عليك الصفا ما فاض زمزمُه
والركنُ ما طاف ساعٍ حوله ورجا
وما تفانى محبٌّ في تشهدِه
صلى عليك جمالاً يخطف المهجا
صلى عليك هداةُ العشقِ ما عشقوا
وخلّفوا العشقَ منهاجاً لمن نهجا