صحيفة لا / حاوره/ عبدالرقيب المجيدي

إن الإنجاز الحقيقي للشاعر الكبير جميل الكامل، يتمثل في طاقته اللغوية، حيث لا يعتمد في خطابه الشعري على التقرير الساذج والبث المباشر، وإنما يستخدم بناءً لغوياً متميزاً يقوم على التكثيف وتراسل الحواس، فالمفردات عنده ذات دلالات ثرية تعبر عن الامتداد الوجداني والنمو الشعوري، وتتنامى هذه المفردات داخل السياق لتفصح عن الوعي الذهني والتأمل البعيد لدى الشاعر. . تجربة الشاعر جميل الكامل تستمد روافدها من ينابيع خالصة من الحزن الشفيف والأشواق الحارة والتوحد بين الذات والموضوع واستشراف آفاق المجهول، وسيكون لقصائده دور كبير في مواجهة العدوان الأمريكي السعودي.. إنه واحد من مبدعي هذا الجمال وصنَّاعه، حين ينساب به قلمه ليس مجرد لغة ومفردات وتراكيب، ولكنه نَفَس ينساب في عشق أشبه بعشق الصوفيين، وتدفق موسيقي يحاكي هسهسة الأنهار وهي تصدح بثروتها من الماء..

 في البداية من هو جميل الكامل الإنسان؟
لا أعرف عني الكثير. جل ما أعرفه عني سطرته في سيرة ذاتية توليت كتابتها باعتبار أني ألصق الأصدقاء بي، سأورد هنا ما تيسر منها بصيغة الغائب لغيابي عني منذ مدة.
جميل الكامل صفتان هما هنا اسم لشخص (جميل وكامل - ليس جميلاً وليس كاملاً - كل ما سبق).
كل ما سبق هي الإجابة الصائبة من وجهة نظره.
دائماً ما يقول إنه فاصلة بين (الكامل الذي يتهم نفسه بالنقص، والناقص الذي يدعي الكمال).
جميل وكامل اسم مستفز كيافطة تبدو كما لو أنها كتبت مع سبق الإصرار... لكنه ليس من كتبها، فقط وجدها مكتوبة فعلقها.
يرى أن تاريخ ميلاده لا زال ضائعاً في جغرافية موته.
من مواليد مدينة (تَعِب)، وتعب اسم أطلقه الشاعر على المنطقة الممتدة من أقصى آلام وضياع تعز، إلى أقصى أوجاع وغياب إب.  
الآخر هو مصدر جماله وكماله، وهذا هو سر تعلقه به إلى درجة الوله، ولذلك إذا لم تجده في نفسه فستجده في الآخر، فليس له مكان ثالث، ما خلا مكاناً واحداً لم يخبر عنه أحداً، يهرب إليه حين يجرح.. يجلس فيه كالكلب يلعق جراحه وحيداً وينام.
دائماً ما يقول بالرغم من أن الله أقرب إلى نفوسنا منا، لا أدري لماذا يراد لنا أن نحمل مشقة السفر إليه.
يرى أن ما نكتبه من الشعر لا يزيد من وجهة نظره عن كونه قلامات قصرتها الأقلام مما طال من أفكارنا... الكتابة الحق ثابتة في أصابع الروح... نشعر بها أحياناً حين نهرش ذواتنا.

مهمة الشاعر
 من أين تستمد موضوعات قصائدك؟ 
أستمد موضوعات قصائدي من كل شيء، إن كل شيء يقول شيئاً... والأمر يتعلق بحالة الصفاء الروحي الذي نعيشه... فكلما أضاءت النفس وتنورت، أحست بالأشياء من حولها، بل إذا أشرقت سمعت كل شيء، وعلمت منطق الطير.. فيسعى الشاعر حينها إلى إزالة الغشاوة عن الأعين لترى وتسمع ما يراه ويسمعه تارة، وتارة أخرى إلى إزالة الغبار عن الأشياء لتتضح للمارة أكثر... فينجح حيناً، ويخفق حيناً آخر... وهذه هي مهمة الشاعر الحقيقية.

القصيدة نافذة للحياة
 هل شعرت مرة أنه لم يعد لديك جديد تكتبه؟
الشاعر طالما أنه شاعر فلا تنضب أفكاره، إنه الواسطة القريبة بين الناس والحياة، أو قل وتفاصيل الحياة، وبين الحياة وتفاصيلها والناس. طالما أن الشاعر حي فلديه كل نفس ألف جديد وجديد. الشاعر يشبهه طبيب العيون، العين التي يعجز عن استعادة نظرها الطبيعي يصنع لها نظارة بحسب قصر النظر أو بُعده، وكذلك الشاعر؛ حياته، أفكاره، حديثه، تعليقاته، مزاجه المتقلب... إنه متعب لأنه يتعامل مع العيون.. وحين يعجز عن استعادة النظر الطبيعي يصنع (نظارة) أو قل قصيدة، وكل إنسان يلبس القصيدة التي ينظر من خلالها للحياة بما يتناسب مع قصر نظره ونظرته للحياة أو طوله. والشعر بالنسبة للشاعر كالنفس. أحياناً فقط يصاب الشاعر بالربو أو ضيق النفس... يتأثر كثيراً بالطقس والغبار والبرد... لكنه يظل مع ذلك يتنفس، والشاعر كالعام فيه فصل الشتاء والصيف والخريف والربيع، فالفصل الذي لا تهطل فيه الأمطار تتساقط فيه الثلوج. والفصل الذي لا تتفتح فيه الأزهار تتساقط فيه الأوراق.. وهذه كلها قصائد...

(الشعبية) جزء من شخصيتنا
 كيف تجد حال القصيدة الشعبية؟ وما رأيك في مستقبلها؟
القصيدة الشعبية جزء من شخصية الإنسان اليمني التي لا غنى له عنها، وإن هجرها أو غاب عنها، لكنه لا يفتأ أن يعود إليها. لا تجد يمنياً ليس له عسيب أو جنبية حتى وإن لبس بدلة (القصيدة الفصيحة)، لكنه بمجرد عودته من عمله يرتدي زيه الذي لا يستريح وينسجم مع المجتمع إلا به. وإذا كانت القصيدة الشعبية كالجنبية، فمنها الصيفاني والزاف والبصلي، وهناك القرون والخشب و... و... و...
مستقبلها هو مستقبل اليمني. إذا صمد وناظل وانتصر وارتفع، ستصمد وستناظل وتنتصر وترتفع. إن انتشار لغة الإنسان ولهجته وملبسه وتقاليده وأدبه وعاداته، كلها مرتبطة بقوة هذا الإنسان ونجاحه وما صنعه لنفسه من عظمة أوصلت ما لديه إلى الآخر، فتمثلها وحاكاها. فالمهزوم الضعيف التافه الهين يولد ويموت في مكانه، لا ينتقل ولا يؤثر ولا يدوم.

لا خوف على المبدعين الشباب
 وماذا عن الشعراء الشباب في هذه المرحلة؟ وهل استوقفتك بعض الأسماء الجديدة؟
الشعراء الشباب هم لسان حال هذه الأمة اليمنية العظيمة بآلامها وآمالها، وهم لسان حال فئة الشباب بالذات، وهم بالإضافة إلى كونهم شباباً، وهذا يعني حاجتهم الماسة إلى الوقوف إلى جوارهم فكرياً ومادياً ومعنوياً، هم أيضاً شعراء، وهذا يجعل الاهتمام بهم من قبل الجهات المعنية مضاعفاً، وبالإضافة إلى تلك وهذه هم يمنيون، وأوضاعنا في اليمن لا تحتاج تعليقاً. 
والشعراء الشباب مع ذلك كله يظهرون من النضج والإبداع ما يكبر عن أعمارهم قروناً، وليس عقوداً أو سنوات. إنهم يؤدون دورهم ودور غيرهم. إنهم اليوم يقومون بجهود جبارة هنا وهناك، قد لا تصلنا إبداعاتهم ولا نلمسها لقصورنا في احتوائهم، لكن المجتمع يلمس جهودهم، ويقطف ثمار إبداعهم اليوم. الأبناء الشعراء يقومون بتربية الآباء، والطلاب الشعراء يعلمون معلميهم، والجنود الشعراء يحمسون ويشدون قاداتهم. 
لا خوف على هذه الشريحة الهامة رغم هذه الظروف الصعبة القاسية التي يمرون بها كغيرهم من أبناء هذا الوطن المظلوم المكلوم الصامد الصابر. لا خوف عليهم، إذ طالما صنعت المآسي والصعاب الرجال والعظماء، لكن على القيادة الحكيمة أن تلتفت إليهم لتخفف من معاناتهم وآلامهم. 
استوقفتني أسماء كثيرة من شبابنا الشعراء بالمئات، ولا يتسع المقام لذكرهم هنا، أذكر منهم الأستاذ الشاعر ضيف الله سلمان، والشاعر المبدع معاذ الجنيد، وفارس القصيدة الشعبية الشاعر أمين الخولاني، والشاعر المجاهد محمد الحربي، والشاعر المجاهد حمزة المغربي، وأخي الشاعر أمين العقاب، وآخرين.

القلب الخافق للمجتمع
 العديد من قصائدك تخلو بشكل عام من الابتسامة ومن الإحساس بالسعادة. بماذا تعلل هذا الأمر؟
أظن أن الدكتور المقالح في إحدى الصحف مرة سئل لماذا هو حزين، فقال المفروض أن يكون السؤال الطبيعي لماذا لا تحزن. إن كل آلام المجتمع وأحزانهم ومعاناتهم المتفرقة، مجتمعة في الشاعر الحقيقي، فكما أنه لسانهم النطق، فهو قلبهم الخافق، لو أن المجتمع مبتسم مسرور تجد أول مبتسم رغم آلامه هو الشاعر، وحين يحزن المجتمع ويألم تجد كذلك الشاعر هو أول من تنبعث آهاته وتذرف دموعه وإن كان مسروراً، وإلا فهو شاعرٌ شاغر وكاتبٌ كاذب.

أطارد القصيدة النوعية
 رغم تجربتك الشعرية التي تتجاوز عقدين أو أكثـر، نلاحظ أنك مُقل في إنتاجك، هل هناك أسباب تقف وراء ذلك؟
نعم، أدرك أن هناك قلة في إنتاجي الشعري، لأني شاعر ولست تاجراً، أنا أحاول أن أكتب القصيدة التي تكتنز وتحتشد فيها مئات القصائد، وإن كنت لم أظفر بكتابتها بعد، لكني ما زلت أحاول منذ فترة ليست بالقريبة، وأنا أطارد القصيدة النوعية التي أعيى غيري اصطيادها، أطاردها في الأشياء والأفياء والأسماء، قد رأيتها مراراً، ولم يتسنَّ لي اصطيادها، وطالما قد خرجت في إثرها، فأنا عازم ألا أرجع إلا بها. ثم إن الأديب والمفكر الحكيم الصوفي النفري قد أوجز ذلك في قوله: (كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة)، وهذا أصدق ما أجيب به على هذا السؤال.

غيث الشعر
 لمن من القراء تتوجه بقصائدك؟ وماذا تريد أن تقول للقارئ فيها؟
في القرآن الكريم لم يذكر الله أصحاب مهنة غير الأنبياء والشعراء، فكلاهما يحمل رسالة، وكلاهما معلم من الله، وكلاهما متبع، وقد قرر الله أنهم متبعون، فهناك علاقة وثيقة بينهم، ولذلك نجده يذكر الأنبياء في سورة الشعراء، ويذكر الشعراء في سورة الأنبياء، ما أود إيجازه وإيصاله هنا هو أن الشاعر الإنسان يجب أن يكتب للإنسانية جمعاء. ومنذ بدأت أعي دوري في الحياة وأنا أحاول تمثل القيم الإنسانية والربانية، مدركاً أن الشاعر ما ارتقى بنفسه كالسحاب إلى ذلك المستوى من العلو، إلا ليعود بما تكثف من الفكر لديه، فأزجي سحاباً أثقلت بما ينفع الناس، ما كان لهذا الجهد أن يضيع عبثاً أو أن يسقط على البحار أو الأنهار التي تبخر منها، فلا بد أن يساق إلى حيث ينزله غيثاً مغيثاً صيباً نافعاً، فالشاعر إذن كالسحاب يجب أن يمطر للأرض، للحياة، للإنسان، لينفع، ليغيث، ليقيل، ليفرح، وليسعد، وليروي، وليحيي. ومذ بدأت الكتابة وأنا أحاول أن يكون ما أكتبه كذلك أو قريباً منه.
أما ما أريده من القارئ فهو عين ما يريده الغيث أو منزله من كل ذي زرع وضرع، أن يثمر وأن يؤثر، أن يكبر وأن يشكر، أن يسمو وأن ينمو، أن يجود وأن يعود، أن يطعم وأن ينعم. وهذه هي غاية غيث الشعر والفكر؛ أن يحيي الأرض ويبقيها ويهيئها للاستخلاف، وأن يدل بآثاره على المحيي المستخلِف.

 عمل شعري تعتز به كثيراً؟
أعتز بقصائدي كلها، لكن العمل الشعري الذي أعتز به لم يأتِ بعد. أذكر أن الشاعر والأديب الكبير الراحل الأستاذ عبد الله البردوني، حين سئل عن أجمل وأقوى قصائده، قال: أجمل قصائدي لم أقلها بعد، وأنا كذلك أشعر أن أجمل عمل شعري أعتز به لم أقله بعد.

معجزة الدعم الرسمي
 ما هي المشاكل والعقبات التي تقف بين الشاعر والإبداع في رأيك؟
المشاكل والعقبات التي تقف أمام الشعراء كثيرة، أجملها في مشكلة وحيدة إذا حلت ستحل كل المشاكل والعقبات، وهي نفسها المشكلة التي عانى منها كل الأنبياء والرسل، بيد أن تدخل السماء لنصرة الأنبياء ذلل تلكم العقبات، وبقي الشعراء من دون معجزات. هذه المعظلة والمشكلة هي عدم إيمان المجتمع بهم وبما يحملونه، وعدم تصديقهم ونصرهم والوقوف إلى جانبهم. وأهم جهة يحل إيمانها بالشعراء كل مشاكلهم ويذلل أمامهم كل العوائق والصعاب، هي الدولة وقيادتها...
إن إيمان القيادة السياسية للبلاد بأهمية الشعر والشعراء والأدب والأدباء، سيحل كل مشكلاتهم، ويعالج كل أسقام هذه الشريحة المجالدة المجاهدة المكافحة المنافحة..

حياتي ليست بعيدة عما أكتبه
 هل هناك علاقة بين أعمالك الشعرية وحياتك الشخصية؟
لا انفصال بين ما أكتبه وبين حياتي الشخصية. أنا ما أكتب، وما أكتبه أنا، أو على أقل التقديرات ما أشعر به. أما ما يتداول من انفصال الشاعر عن شعره، وأنه يقول ما لا يفعل، مستدلين بقول الحق عز وجل عن الشعراء: (والشعراء يتبعهم الغاوون، ألا ترى أنهم في كل وادٍ يهيمون، وأنهم يقولون ما لا يفعلون)، أقول من وجهة نظري، وهي رؤية غير ملزمة لأحد، إن الشعراء ملهمون مؤيدون، وأن الواقع ما هو إلا صورة لما نقوله مصداقاً للحديث: عوِّدوا ألسنتكم الخير، فإن البلاء موكل بالمنطق والبلاء لغة العمل.. قال صلى الله عليه وسلم في الشعر الذي رد به حسان بن ثابت على المشركين: والله إنه لأسرع فيهم من رشق النبل، وقال في شعر عبد الله بن رواحة، كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهم: والله لهو أسرع فيهم من نضح النبل. الشعر فيه من الطاقة الروحية ما يؤهله لأن يقع في العدو وقع السهام، والفرق بين الشاعر وبين غيره أن الإنسان العادي إذا قال كان عليه أن يتحرك ليعمل ما قاله وينفذه على الواقع، غير أن الشاعر متبع معلم مُعان، هناك قوى أخرى تقوم بفعل ما يقوله وتعينه وتؤيده، سواء كان في الشر تنزلت عليه الشياطين، أو كان في نصرة الحق والخير تنزلت عليه الملائكة وأيدته، قال صلوات الله وسلامه عليه لحسان رضي الله عنه: اهجهم وروح القدس معك، فجبريل معك مؤيد ومسدد، بشرط أن تهجو وتوضح مثالب العدو، فالناس يفعلون ما قالوا، بيد أن الشعراء هناك قوى أخرى تفعل ما يقولونه، وهذا هو ما يجعل الآخر يفتن بهم فيتبعهم، فعلل اتباع الغاوين للشعراء بأنهم فقط يقولون، فيتحقق قولهم ويفعل، وهذا هو ما جعلهم يُتبعون، فما قالوه صار فعلاً بدلالة قوله: (ألا ترى).

 هل تعاملت مع فنانين أو منشدين؟
نعم، تعاملت مع عدد من الفنانين والمنشدين، ومعي في السوق عدد من الأناشيد المناهضة للعدوان والمنددة به.

 كم نسبة الشعراء الذين التحقوا بالعدوان من مدينة إب؟
نسبة الشعراء الواقفين مع العدوان في محافظة إب نسبة ضئيلة لا تتجاوز الـ1%، خصوصاً وأن القيادة الحكيمة أولت الشعراء عنايتها، ولم تقصر في حقهم، وقد وجهت الجهات المختصة ـ حسب علمي ـ بطباعة عدد من الأعمال الشعرية لعدد من شعراء المحافظة، وتوجيهات أخرى سيلمس الشعراء أثرها قريباً.

الزامل سيخلده التاريخ
 البعض يقول بأن الزامل سيصبح ثقافة عالمية، هل توافقهم في ذلك؟
الزامل هذا العبد والولي الصالح الذي ظل يعمل الصالحات لوجه الله دون أن يكل وأن يمل وأن يثني عليه أحد، كم أصلح بين الناس، وكم أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وكم حقن دماً وأقال عثرة ورفع قدراً وأنجز أمراً، وشاء الله وأبى إلا أن يرفع ذكره ويعلو به ليتصدر أهم وأخطر مرحلة مر بها يمننا الحبيب ويمر بها مدافعاً ومنافحاً ومقاتلاً حرفاً وصوتاً جنباً إلى جنب مع أبطالنا الأشاوس المغاوير من أبطال الجيش واللجان الشعبية.
فخامة الزامل اليمني كيف لا يخلده التاريخ وهو الذي كم خاض من الملاحم وشد من العزائم... وصل إلى العدو رعباً قبل أن نصل إليه حرباً، قطع رؤوس وأعناق قتلة الأطفال والنساء والأسرى قبل أن يقطعها حد السيوف. الزامل اليمني تاج على مفرق مرحلة الصمود والعزة والكرامة، سيخلده الدهر وسيجزيه الله خير الجزاء. وله من كل يمني حر جزيل الشكر والتقدير.

حلم الشهادة والنصر
 بماذا يحلم الشاعر جميل الكامل؟
يحلم جميل الكامل بالشهادة في سبيل الله، وأحلم بالنصر على تحالف الشر من الأمريكان والصهاينة وأذيالهم من أعراب الحجاز، وأحلم بوطن يمني آمن مستقر موحد يتعايش أبناؤه فيه بسلام، ويحب فيه بعضهم بعضاً، وأحلم بوطن عربي إسلامي واحد تزول فيه الفوارق والحدود، ويحرر جنده الأقصى الشريف، وترتفع راية السلام والحب.

 كلمة أخيرة؟
كلمة أخيرة، كلمة صادقة أوجهها من أعماق قلبي إلى قيادتنا الرشيدة، قيادة أنصار الله، أن تفعِّل الدولة والمؤسسات، وأن تقوم بدورها، وخصوصاً في المرحلة التي نمر بها... أن تفعِّل الدولة ومؤسساتها، لنكلل صمودنا العظيم في وجه العدوان بالنصر والظفر، أن تفعل مؤسسات الدولة وتلتزم بأداء دورها في مواجهة العدوان، إذ إننا لا نواجه جماعة ولا دولة، نحن نواجه دول عدوان عالمي لا يواجه إلا بمؤسسات وبتوجه دولة تقوم أجهزتها ومفاصلها كل بدوره. أن تركز قيادتنا الحكيمة على عوامل النصر والتمكين التي ذكرها الله في كتابه الكريم الكتاب والميزان بالبينات ليقوم الناس بالقسط، أن تولي القيادة العلم والعدل جهدها، فإنهما من أعظم أسباب التمكين، قال سبحانه في معرض ذكر من لم يستطع حمل هذه الأمانة: (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً)، فالظلم والجهل عكس العدل والعلم، فعلينا إذن أن ندرك الجهل بالعلم، ونتدارك الظلم بالعدل.
كما أود أن أنبه إلى أهمية الاهتمام بشريحة الشعراء والأدباء، وأظن أن قيادتنا الحكيمة ممثلة بقائد الثورة الملهم السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، حفظه الله، قد أدرك أهمية دور هذه الشريحة المهمة، وخصوصاً في مرحلة استثنائية كالتي يمر بها يمننا الحبيب الذي يتعرض لأبشع وأشرس حرب تعرض لها على أيدي عدو الإنسانية الأول اليهود والصهاينة وأذنابهم من المتأسلمين أعراب مملكة الرمال، مرحلة تجعل دور هذه الشريحة أكثر أهمية من أية مرحلة أخرى، لعدة اعتبارات:
أولاً: أن الحرب القادمة إعلامية أكثر منها عسكرية، وخصوصاً بعد فشل تحالف الشر عسكرياً، وليس أدل على ذلك من دعوة دول العدوان لوزراء إعلام هذه الدول، قبل أسابيع، لاجتماع إعلامي يتدارسون فيه دور الإعلام في الحرب القادمة.
ثانياً: دور الكلمة  في أجلى وأبهى صورها الشعر وتأثيرها في المجتمع تحشيداً وتنديداً وإيصالاً للرسالة وتخذيلاً للعدو وفتكاً به، إذ إنه كأية دولة أو كيان قائم على أساس وقاعدة فكرية هي بحاجة إلى قصف فكري إعلامي، الكلمة فيه أعظم فعلاً من القذائف والرصاص، وخصوصاً إذا وجهت وصوبت نحو شبهات وأكاذيب على شفا جرف العدو الذي بنى عليها بنيانه الذي سينهار به بإذن الله في نار جهنم وبئس المصير.
ثالثاً: إن الشعر يكاد يكون وسيلة الإعلام الوحيدة و(الدسك) الوحيد الذي يحتفظ بالمشاعر لعشرات بل لمئات السنين، ولذلك يعد أنجح وسائل الإعلام وأقدرها على إيصال الرسائل التي يحملها، مستعيناً بصدق المشاعر التي لا يجد المتلقي بداً من أن يفتح لها قلبه وهي ممسكة بيد رسالة شاعرها، فتؤتي أكلها بإذن الله، ولذلك ظل الشعر ديوان العرب وبريد رسائلهم عبر كل العصور.
رابعاً وأخيراً: إن آخر هذه الأمة لن يصلح إلا بما صلح عليه أولها. وقبل بدء أمر هذا الدين وقبل نزول القرآن، بدأ الحق عز وجل بتهيئة الأرضية التي سيستقر عليها، هيأ العرب باللغة والشعر والأدب، فرفع من أذواقهم وأفكارهم، وسمق بمشاعرهم وعواطفهم عن طريق الشعر، حتى أصبحوا أهلاً لتلقي القرآن والتفاعل معه والتأثر به، وهو هو ما تحتاجه المسيرة القرآنية، أن تستعين بالشعر والشعراء والأدب والثقافة في الارتقاء بأذواق الناس وتحفيز عواطفهم وتفعيل خيالهم ليتقبلوا المنهج القرآني الذي تحمله المسيرة القرآنية... وخصوصاً بعد إفساد أذرع الشر الدينية للأذهان والأفكار، وتشويه وسائل إعلامهم للعقول وتجميد العواطف وكبح الخيال، وتحنيط المواطن اليمني لأكثر من نصف قرن. نحن يا سادة لا نتعرض للقصف منذ 4 سنوات. نحن نقصف منذ أكثر من 40 سنة دينياً وفكرياً وإعلامياً، من المنابر والصحف والقنوات وغيرها...
الشعب بحاجة إلى إعادة تأهيل، إلى تحريره من قيود الزندقة وأصفاد قوى الشر والنفاق الفكرية.